المظاهرات تعود للشوارع الأوروبية من جديد في ظل الإصرار على خطط التقشف

البرلمان الأوروبي يحلم بدور للسوق الداخلية الموحدة في حل أزمة الديون السيادية

TT

في وقت تتواصل فيه المظاهرات في شوارع إيطاليا وغيرها من الدول المتعثرة في ظل إصرار حكومات تلك الدول على اتباع خطط التقشف، تأمل المؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوروبي بأن يكون للسوق الداخلية الموحدة دور في حل الأزمة التي تعرف باسم أزمة الديون السيادية والتي تعاني منها منطقة اليورو وكان السؤال هو: هل يمكن للسوق الداخلية الموحدة أن تساعد الاتحاد الأوروبي على الخروج من الأزمة المالية في حال مشاركة المجتمع المدني بنشاط أكثر في تطويرها وتعزيزها. جاء هذا في بيان اعتمده البرلمان الأوروبي بمناسبة الذكرى العشرين لإنشاء السوق الأوروبية الموحدة. والتحدي الذي يواجه الاتحاد أكثر من أي وقت مضى هو الاستفادة من الإمكانات الموجودة لتعزيز النمو وخلق فرص عمل. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف جاءت المرحلة الثانية من السوق الداخلية الموحدة، والتي تتضمن اثني عشر مقترحا، وقدمها بمقر المفوضية الأوروبية في بروكسل ميشال بارنييه، المفوض الأوروبي المكلف بالسوق الداخلية والخدمات. ويتوقع بارنييه أن يتم اعتماد خمسة مقترحات من أصل اثني عشر مقترحا، بحلول نهاية العام الجاري، إذا كانت هناك إرادة سياسية، على حد تعبيره. ويرى خبراء أنه من الضروري ضخ نفس جديد في السوق الداخلية الموحدة مع التركيز على الاهتمام بالمواطنين، لإزالة الفجوة بين التوقعات والواقع مع مواطنين وشركات ما زالوا يواجهون عقبات في ممارسة حقوقهم. يأتي ذلك فيما سجلت المبيعات في منطقة اليورو ارتفاعا طفيفا في شهر أغسطس (آب) نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والذي دفع المستهلكين إلى التقشف في استخدامها. الارتفاع البالغ صفرا فاصل واحد في المائة فاق التوقعات على الرغم من التوتر السياسي المتعلق بالملف النووي الإيراني. هذا التوتر أبقى معدل التضخم في المنطقة فوق اثنين في المائة، الهدف المرسوم من قبل المصرف المركزي الأوروبي. وتزامن ذلك مع إعلان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي استعداده لشراء سندات خزينة من الدول المتأزمة في حال التزمت بالشروط المطلوبة منها وذلك إثر اجتماع للمصرف في لجوبلجانا في ألمانيا. وقال «لقد وضعنا آلية فعالة، فلا ضرورة لإرفاق الشروط بعقوبات». يقول دراغي: «في الوقت الحالي، تتعلق الشروط بالإصلاحات الهيكلية المكلفة والمفيدة على الصعيد الاجتماعي. لكن إذا تمت بلورتها بشكل جيد، الاستفادة ستتخطى التكاليف». آلية دراغي الجديدة والتي تدعى «تصريح المعاملات النقدية» تفرض على الدول طلب خطة إنقاذ أوروبية كشرط أساسي لشراء سندات ديونها في السوق الأولية وإلا فقد يشتري البنك المركزي سندات ديونها في السوق البديل. ويأتي ذلك بعد أن سجلت إسبانيا تراجعا في معدل الفوائد على سندات ديونها نتيجة توقعات بطلبها لحزمة إنقاذ أوروبية. الخزينة استدانت في مزاد علني المبلغ المستهدف وهو أربعة مليارات يورو. ومعدل الفوائد على سندات الدين لأجل عامين تراجع من خمسمائة وعشرين نقطة إلى ثلاثمائة وثمان وعشرين نقطة، أما معدل الفوائد على سندات الدين لأجل خمسة أعوام فتراجع من ستمائة وخمس وأربعين نقطة إلى أربعمائة وست وسبعين نقطة. ويتوقع المحللون أن لا يستمر هذا التراجع طويلا نتيجة للازمة الإسبانية المتفاقمة. وفي نفس الصدد أكد وزير الاقتصاد الإسباني لويس دي جيندوس في لندن أن بلاده «لا تحتاج خطة إنقاذ» بل لتدخل البنك المركزي الأوروبي في السوق الثانوية للديون السيادية «ببعض الشروط». وذكر دي جيندوس في ندوة بكلية الاقتصاد بلندن أن «إسبانيا تقوم بواجبها» في الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها. ودافع الوزير عن تنافسية الاقتصاد الإسباني، موضحا أن حكومة بلاده تتخذ إجراءات «مؤلمة للغاية»، لكنها ضرورية من أجل استعادة النمو. وقال «أحيانا الحكومات تحتاج اتخاذ قرارات صعبة»، معربا عن دعمه للاهتمام الذي أعطاه البنك المركزي الأوروبي لمواجهة الأزمة. واعتبر الوزير ارتفاع معدل البطالة في إسبانيا إلى نحو 25% الأمر «الأكثر ألما» في الأزمة، مفيدا بأن حكومة بلاده «تفعل ما ترى أنه صواب». وتمر إسبانيا منذ عام 2008 بأزمة عميقة تسببت في انهيار الاقتصاد وأدت إلى تدمير جزء كبير من فرص العمل لتصل نسبة البطالة إلى معدلات قياسية (نحو 5 ملايين عاطل). كما أن البلاد تمر بأزمة مالية ومصرفية بسبب التقلبات في سوق الرهن العقاري، وستحصل بسببها على 100 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لإنعاش قطاعها المصرفي، مع توقعات بطلب حزمة مساعدات أخرى.

وفي نفس الصدد شهدت عدة مدن إيطالية مظاهرات طلابية ضد تدابير التقشف التي طالت النظام التعليمي الحكومي، تخللتها مناوشات مع قوات الشرطة خاصة في تلك التي انطلقت في العاصمة روما ومدينة ميلانو شمالي البلاد في روما انطلقت مسيرة الطلاب من وسط المدينة مرورا بمقر وزارة التعليم، وتضمنتها مواجهات بين طلاب وضعوا على رؤوسهم الخوذات الواقية مع عناصر للشرطة فرضت أمامهم طوقا أمنيا تجنبا لتجاوز المسار المحدد للمظاهرة. ولم ترد معلومات عن إصابات في صفوف الشرطة أو المتظاهرين وعلى أثر المسيرات شهدت بعض الشوارع والطرق المؤدية لمكان التجمع والمسيرة حالة من الشلل المروري.