عندما تصبح العلاقة مع «وول ستريت» شبهة للسياسيين في أميركا

إعلانات تهاجم صلات أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشركات مصرفية

وول ستريت.. شارع المال الشهير في نيويورك
TT

لقد تلقت «وول ستريت» ضربة في هذا الموسم الانتخابي. غير أن ما يعتبر «وول ستريت» ربما يكون مفاجئا.

انظر إلى مثال كيث روثفوس، المرشح الجمهوري لعضوية الكونغرس في ولاية بنسلفانيا. وهو يعمل محاميا في شركة صغيرة، ومتخصص في صياغة العقود الخاصة بتراخيص برامج الكومبيوتر. وفيما تفتقر الشركة لعنصر الإبهار، إلا أنها تساعد في سداد الفواتير المستحقة.

ومن بين العملاء الذين قام بتمثيلهم بنك «نيويورك ميلون»، الذي يحظى بوجود ضخم في غربي بنسلفانيا. هناك إعلانان تجاريان مدعومان من جماعات ديمقراطية يشنان هجوما على علاقة روثفوس بهذا العميل المصرفي.

قال المعلق في أحد الإعلانين: «سوف يكون مليونير وول ستريت، المحامي كيث روثفوس مناسب في واشنطن». يظهر الإعلان سوق أوراق مالية غارقة، وروثفوس ذو الوجه المتجهم يدخل مبنى يبدو أنه بنك. وعلى أنغام الموسيقى الحزينة، يستطرد المعلق قائلا: «بوصفه محاميا ثريا، مثل كيث روثفوس أحد بنوك وول ستريت التي تلقت حزمة إنقاذ من دافعي الضرائب».

وفي مقابلة أجريت معه، وصف روثفوس الإعلان بأنه «مضلل ومشين ومثير للغضب». وقال إنه بينما تلقى بنك «نيويورك ميلون» أموال إنقاذ، إلا أن عمله لحساب الشركة – الذي يسبق معظمه استحواذ بنك نيويورك في عام 2006 على مؤسسة «ميلون فاينانشيال» في بيتسبرغ – لم يكن مرتبطا بالأزمة المالية.

قال روثفوس، مشيرا إلى عنوان شركته الكائنة في وسط مدينة بيتسبرغ: «إنني محام بستانويكس ستريت، لا وول ستريت». وأضاف: «زرت وول ستريت في إحدى المرات في عام 1980، سائحا ببورصة نيويورك. لو كنت محاميا في وول ستريت، لكان السبعة آلاف وخمسمائة عامل الذين يعملون لحساب بنك «ميلون» في غربي بنسلفانيا متداولي أموال يتم كسبها بسرعة، ممن يستقلون طائرات خاصة إلى هامبتون في عطلات نهاية الأسبوع».

مع دخول الحملات شهرها الأخير، يغرق عدد من المرشحين الشوارع بإعلانات تظهر وول ستريت بصورة سيئة.

من السباق الرئاسي إلى المنافسات المحلية على الفوز بمقاعد في الكونغرس، من مونتانا إلى نيو مكسيكو، يشن المرشحون – الديمقراطيون والجمهوريون – هجوما ضاريا على خصومهم بربطهم بالمصرفيين وحزم الإنقاذ، بغض النظر عن مدى ضعف الارتباط.

تقول إليزابيث ويلنر من مجموعة «ميديا أناليسيز» التابعة لحملة «كانتار ميديا»: «المرشحون يتبادلون الانتقادات اللاذعة لبعضهم بعضا على الوجود في الجانب المدعم الخفي لـ(وول ستريت). إن (وول ستريت) كبش الفداء في موسم الحملة الانتخابية لهذا العام، الأمر مشترك بين الحزبين وتتصاعد وتيرته».

في خضم الاضطراب الناجم عن الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008، صوتت هيثر ويلسون، التي كانت في تلك الفترة عضوا جمهوريا بالكونغرس عن ولاية نيو مكسيكو، تأييدا لبرنامج «إغاثة الأصول المتعثرة»، الذي زود البنوك بأموال إنقاذ. وبعد أربع سنوات، تخوض ويلسون، الضابطة السابقة بالقوات الجوية – المنافسة للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي. وشن إعلان أطلقه أحد خصومها هجوما على ما وصفه بصلاتها الوطيدة بـ«وول ستريت».

وقال المعلق في الإعلان المدفوع من قبل واحدة من كبرى المؤسسات الليبرالية التابعة للجان العمل السياسي: «بوصفي عضوا بالكونغرس عن ولاية نيو مكسيكو، أقول إن وظيفة هيثر ويلسون لم تكن هي تمثيل بنوك وول ستريت». يعرض الإعلان صورا لسلسلة من أبراج مانهاتن المكتبية المظلمة الغامضة – أبراج «بنك أوف أميركا» و«مورغان ستانلي» و«ميريل لينش» و«جي بي مورغان تشيس» و«سيتي غروب». وأضاف: «لكنها صوتت على منح هذه البنوك إعفاءات ضريبية خاصة، ثم صوتت مجددا على منحها حزم إنقاذ».

وفي مونتانا، يواجه عضو مجلس الشيوخ، جون تستر، الديمقراطي تحديا شرسا من جانب عضو مجلس الكونغرس الوحيد عن الولاية، وهو ديني ريبيرغ. لقد تباهى تستر، الذي تلقى مبالغ مالية ضخمة من مسؤولين تنفيذيين في القطاع المالي، في مقاطع إعلانية تلفزيونية بأنه «عارض جميع حزم الإنقاذ المقدمة من وول ستريت». وقد صوت ريبيرغ أيضا ضد حزمة إنقاذ البنك. من ثم، فبدلا من التركيز على برنامج «إغاثة الأصول المتعثرة»، توجه الإعلانات نقدا لاذعا لريبيرغ لدعمه طويل الأجل لخصخصة الضمان الاجتماعي – بعبارة أخرى، وضع صناديق التقاعد في أيدي مديري المحافظ الاستثمارية في وول ستريت.

يعرض أحد الإعلانات مقصورة بورصة نيويورك وشريطا إلكترونيا يبرز الهبوط الحاد في أسعار الأسهم. يعرض السرد أصوات معلقين من السوق. ويضيف: «اعتماد جامح على وول ستريت.. أعلى نقطة تسجل هبوطا... هبوطا حادا.. هؤلاء الرفاق كانوا يراهنون.. رهانات سيئة.. لم يدركوا الوقت الذي يتعين عليهم فيه التراجع.. مراهنة، تلك هي خطة عضو الكونغرس ديني ريبيرغ للضمان الاجتماعي».

لدى جوش مانديل، أمين الخزانة الجمهوري بولاية أوهايو، الذي يخوض السباق للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي بوصفه شخصا من خارج واشنطن، إعلان يهاجم أعضاء الكونغرس من الحزبين لدعمهم حزمة الإنقاذ.

يقول مانديل في الإعلان، متحدثا بلهجة غاضبة إلى مجموعة من عمال المصانع: «كل عضو ديمقراطي أو جمهوري أخذ الدولارات التي ندفعها في صورة ضرائب واستغلها في إنقاذ بنوك وول ستريت جانبه الصواب تماما» وأضاف: «كان ذلك عملا غير مسؤول من الناحية المالية. كان إجراء خاطئا تماما».

إضافة إلى ذلك، فقد وجه مرشحو الرئاسة انتقادات إلى بعضهم البعض على الصلات التي تربطهم بوول ستريت. استهدفت الإعلانات الخاصة بحملة الدعاية الانتخابية للرئيس أوباما إدارة رومني لشركة «باين كابيتال»، شركة الأسهم الخاصة التي افتتحها. ومن خلال تركيزه على الأسهم الخاصة – التي تمثل جزءا خاصا من القطاع المالي – تجنب أوباما بشكل كبير انتقادا أوسع نطاقا لوول ستريت، حيث جمع ملايين الدولارات. وفي يوم الاثنين، أعلنت حملة أوباما عن إعلان جديد يربط باين بوظائف أميركية تدخل في نطاق خدمات التعهيد.

في الوقت نفسه، يصور الجمهوريون أوباما على أنه رهان لقطاع الخدمات المالية. يسلط إعلان من مؤسسة «صندوق المستقبل الأميركي» المحافظة يحمل عنوان «وول ستريت أوباما» الضوء على تصويت أوباما لصالح برنامج إغاثة الأصول المتعثرة، وقتما كان عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي يخوض سباق الانتخابات الرئاسية ويقول إن حكومته تضم كثيرا من الخبراء الماليين. ويشير إعلان آخر يحمل عنوان: «عدالة للبيع» إلى أن مساهمات الحملة من القطاع المصرفي تفسر عدم مقاضاة الإدارة المزيد من المسؤولين التنفيذيين فيما يتعلق بسلوكهم إبان الأزمة المالية.

يتحدث المعلق قائلا: «في عهد أوباما، يستمر وول ستريت في تحقيق مكاسب، ويستمر أوباما في الاستحواذ على تلك المكاسب. قولوا لأوباما أن يتوقف عن تأمين المتبرعين لحملته في وول ستريت».

إن روثفوس، المرشح الجمهوري في بنسلفانيا، يخوض سباقا صعبا مع منافسه الديمقراطي مارك كريتز. وقد واجه الإعلانات الهجومية بمقاطع إعلانية ساخرة مدتها 30 ثانية تحمل عنوان «كيث روثفوس شخص عادي». وفي أحد المقاطع الإعلانية، يظهر وهو يزرع في حديقة منزله المتواضعة، ويقود السيارة مصطحبا أطفاله في جولة حول المدينة ويصلح دراجة ابنته.

وكرد على هذا، أنتج الاتحاد الأميركي لموظفي الولايات والمقاطعات والبلديات إعلانا يبدأ بعبارة: «شخص عادي؟ قول يصعب تصديقه. كيث روثفوس محام مليونير، يعمل لحساب أحد بنوك وول ستريت».

تملأ الشاشة عناوين الصحف الرئيسية التي تتناول حزمة الإنقاذ المقدمة لبنك «نيويورك ميلون» التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار.

لقد عمل روثفوس، الذي يقيم في سويكلي بولاية بنسلفانيا مع زوجته وأطفاله الستة، محامي شركات منذ تخرجه في كلية الحقوق بجامعة نوتردام في عام 1980. وعلى مدار الخمسة عشر عاما الماضية، تدرب بشركة «يوكيفيتش، ماركيتي، ليكر آند زانغريلي»، وهي شركة تضم 12 محاميا. وقد جنى نحو 125 ألف دولار في العام الماضي. وتشكل مهامه ببنك «نيويورك ميلون» جزءا ضئيلا من إجمالي الوظائف التي يشغلها، التي تركز على الشركات الصغيرة والمتوسطة.

قال روثفوس، مشيرا إلى التزامات الدين المضمونة برهن عقاري، أدوات الرهن العقاري المعقدة التي ساهمت في الانهيار الأخير للنظام المالي: «لم أقم قط بأي عمل مرتبط بالأوراق المالية لحساب بنك (ميلون)، ولم أقترب مطلقا من التزامات الدين المضمونة برهونات عقارية المشار إليها». وأضاف: «لم أجر مطلقا عملية طرح أولي لأسهم في اكتتاب عام».

وقال متحدث باسم المؤسستين اللتين تقفان وراء الإعلانات الهجومية الموجهة ضد روثفوس – لجنة العمل السياسي الخاصة بالغالبية الديمقراطية بمجلس النواب وشركة «أفسكم» - إنهما وقفتا وراء الإعلانات الهجومية.

على الرغم من الراتب المتواضع الذي يحصل عليه روثفوس – يتقاضى كبار محاميي وول ستريت رواتب ضخمة – يعتبر لقب مليونير دقيقا في وصفه.

يأتي هذا مجاملة لزوجته – ابنة رجل أعمال في بيتسبرغ. واستنادا إلى آخر تصريح مالي له، يتراوح إجمالي قيمة أصول روثفوس، بما فيها أصول زوجته، من 5.1 إلى 13.9 مليون دولار.

يبدو روثفوس، بمظهره المنمق ونظارته ذات الإطار المعدني، محاميا محافظا بوول ستريت. لكنه يسارع بالإشارة إلى أنه يفضل الملابس الجاهزة على أنواع الملابس التي تصمم وفقا لطلب الزبائن ويفضل ربطات عنق «لاندز إند» على ربطات عنق «هيرميس».

قال: «بالطبع، كان هناك أشخاص في وول ستريت يتسمون بالتهور وخانوا ثقتنا. لكني لم أكن واحدا منهم».

*خدمة «نيويورك تايمز»