لاغارد تدعو للمضي في برنامج إصلاح الإدارة بصندوق النقد.. والبنك الدولي يتحول لمصرف الحلول

مديرة الصندوق: مستويات الدين للدول الغنية باتت قريبة من زمن الحرب

انطلقت أمس الاجتماعات المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين في العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)
TT

دعت كريستين لاغارد، أمس، إلى المضي قدما في تنفيذ برنامج إصلاح حصص الدول في رأس مال الصندوق ومجلس الإدارة، وذلك بمنح البلدان الناشئة حصصا أكبر، من خلال منح 6 في المائة لصالح تلك الدول، حيث ستكون كل من البرازيل والصين والهند وروسيا ضمن الدول العشر الأولى بعد التغيير، مشيرة إلى أن ذلك سيوسع قاعدة المجلس التنفيذي من جميع الدول.

وقالت لاغارد، في كلمة لها في الجلسة المكتملة لاجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، إن العالم بات بحاجة إلى صندوق نقد يشبه المنزل من حيث الشكل، حيث يبحث العالم عن منزل دافئ ومريح، في إشارة منها إلى توزيع متساو بين أعضاء الصندوق في رأس المال ومجلس الإدارة، لافتا إلى أن ذلك يمثل نقطة حاسمة حول مستقبل الصندوق.

وتملك الولايات المتحدة الأميركية النصيب الأكبر في صندوق النقد الدولي، حيث تبلغ حصتها نحو 17.6 في المائة من إجمالي الحصص. وقالت لاغارد في كلمتها «إن الخبر السار هو أننا حققنا تقدما كبيرا نحو هذا الإصلاح، حيث حصلنا على 75 في المائة من مجموع التصويت، عبر أكثر من 120 دولة»، لافتا إلى أن الصندوق بحاجة إلى 85 في المائة من حقوق التصويت للدول الأعضاء البالغ عددها 188 دولة لإجراء التغيير. وزادت «يمكننا أن نرى خط النهاية قريبا، واليوم هنا في طوكيو فإنني أحث مرة أخرى الأعضاء للوصول إليه».

وحذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي من أن الديون العامة المتراكمة على الدول الغنية اقتربت من مستويات زمن الحرب، مشيرة إلى أن هذه تعتبر عقبة لن يتم تجاوزها إلا بالطريق الصعب، مشيرة إلى أن العقبة الأكبر أمام نمو الاقتصاد العالمي ستكون بلا شك الإرث الكبير الذي ستخلفه الديون العامة، حيث بلغ الآن متوسط الديون 110 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في الدول المتقدمة، وهو المستوى الذي يقترب من مستويات زمن الحرب. وأشارت إلى صعوبة التصدي لهذه الديون بنمو قليل، داعية إلى إيجاد الوتيرة المناسبة لخفض العجز، وأضافت «إنه طريق صعب وطريق طويل».

وجددت دعوتها إلى إصلاح النظام المالي الذي وصفته بأنه «ليس أكثر أمانا مما كان عليه عند إفلاس مصرف (ليمان براذرز) الأميركي عام 2008، والذي تسبب في حدوث الأزمة المالية»، مشيرة إلى أن التجاوزات مستمرة، وهي تكشف أن الثقافة المالية لم تتغير بشكل فعلي. وأوضحت أن النظام «ما زال بالغ التعقيد، والنشاطات لا تزال تتركز أكثر مما ينبغي في مؤسسات كبرى»، مضيفة أن شبح المصارف «الأكبر حجما من أن يُسمح بإفلاسها» ما زال «يخيم» على القطاع.

ولفتت إلى أنه يجب استكمال جدول أعمال إصلاح القطاع المالي، من خلال التنظيم الأفضل، وتحسين الإشراف ودقة أفضل، إضافة إلى تقديم الحوافز المعقولة في المؤسسات المالية، وتكافؤ الفرص لهذا القطاع، مؤكدة أنهم يحرزون تقدما، وبشكل خاص في «بازل 3»، مبدية خشيتها من خسارة هذا الزخم من الإصلاحات، عبر عدم الالتزام في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، وعلى إحراز المزيد من التقدم في مجالات مثل المشتقات، والخدمات المصرفية في الظل.

وقالت إن أوروبا تمر أيضا بعملية تاريخية من حيث التكامل، حيث تخضع الآن لتجربة قاسية في منطقة اليورو، مشددة على المضي قدما في تنفيذ مبادرات السياسة التي أعلنت، وزادت «لكن ينبغي لنا أن ندرك أيضا ضرورة إيجاد تكامل أعمق للقطاع المصرفي والمالي، إلى جانب عمق الجذور في الإصلاحات الهيكلية، وتحصين المؤسسات الاقتصادية، ووضع الأساس لاتحاد أقوى وأكثر مرونة في المستقبل».

ولفتت إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمر هي الأخرى بعملية تحول، والطريق أمامها سيكون محفوفا بالصعوبات، إلا أنها أكدت أنه في حالة الالتزام بالدعم الخارجي فإن وعود التحول ستلمع في الدول العربية وستكون منارة للأمل، مضيفة أنها تحدثت للرئيس المصري محمد مرسي، الذي أكد لها عزمه على مواصلة الإصلاحات الاقتصادية الطموحة، والتي ترتكز على مؤسسات قوية وديمقراطية.

وأشارت إلى أن التحديات كبيرة، ومن ضمنها الانتعاش الاقتصادي العالمي الذي لا يزال ضعيفا جدا، وفرص العمل لملايين من البشر لا تزال نادرة جدا، إضافة إلى أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء لا تزال واسعة جدا.

وبحسب محللين فضلوا عدم ذكر أسمائهم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإن اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين لم تخرج بقرار حاسم، وإنها جاءت ضمن سياق الدفع بما ذكر سابقا، في إشارة إلى عدم الوصول إلى مفاصل المشاكل التي يعانيها الاقتصاد العالمي.

من جهته، أعلن جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، للمساهمين في البنك أنه يرغب في أن يصبح البنك الدولي بنكا للحلول بمقدوره العمل مع الشركاء والمساعدة في «ثني قوس التاريخ» للتخلص من الفقر المدقع. وقال كيم في كلمته في الجلسة الأولى في الاجتماعات المشتركة يوم أمس «حينما أقول إننا سنصبح بنكا للحلول، فإنني لا أعني أن لدينا حلولا جاهزة لكل مشكلة من مشكلات التنمية. فنحن لسنا كذلك، وليست هذه غايتنا». وأضاف «لقد علمتني عقود من العمل في مجال التنمية أن أفضل الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية تكمن في الغالب في أيدي الأفراد والمجتمعات المحلية التي تواجه هذه التحديات في حياتها اليومية. فهم أعظم المعلمين لي. ولذا يجب أن نستمع إلى أفكارهم ونتصرف على أساسها».

وأضاف خلال حديثه أمام محافظي مجموعة البنك الدولي ومجلس محافظي صندوق النقد الدولي في الاجتماعات السنوية للبنك والصندوق في طوكيو «تتوافر المعرفة في كل مكان، فهي تتدفق من أصحاب مشاريع العمل الحر في دلهي إلى المواطنين في ريف المكسيك، وإلى المجتمع المدني في لاغوس، وإلى واضعي السياسات في سراييفو». وتابع أن «مجموعة البنك الدولي بما لديها من إمكانيات للتواصل العالمي في وضع مثالي للتواصل مع العديد من أصحاب المصلحة المباشرة الرئيسيين من شتى أنحاء العالم وجمعهم، والتوسط في تبادل المعارف الذي لا يقف عند الحدود المؤسسية». وأكد أن حلول البنك ينبغي أن تكون أكثر تركيزا على التنفيذ وتحقيق النتائج من أي وقت مضى، وفي وقت يتسم بضيق الموارد وتتخلله تحديات جسام، مؤكدا أن هذا هو ما يطلبه المانحون والبلدان المتعاملة مع البنك. وأفاد كيم بأن أوضاع عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي السائدة في أوروبا لا تزال تُعرّض للخطر النمو والوظائف في البلدان النامية، كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يضع ضغوطا على ميزانيات أشد البلدان فقرا. وبدأت بلدان كثيرة في الشرق الأوسط السير في تنفيذ أهم تحولات تشهدها في عدة أجيال.

وحذر رئيس البنك الدولي من أن هذه البيئة الصعبة قد تجعل المساندة المقدمة للتنمية تخبو في مواجهة أولويات أخرى، مشددا على أنه مع عيش أكثر من مليار نسمة في فقر مدقع ووجود 200 مليون عاطل، ليس هذا وقت أن يسير كل امرئ على هواه، أو أن يُركِّز على مصالحه الضيقة. وأشار كيم بوضوح إلى أن «هذا العالم الذي يشهد تحولات مهمة يحتاج إلى أن تكون مجموعة البنك الدولي قوية وتتيح، من خلال ما تقدمه من قروض ومعارف وقدرتها على جمع الأطراف، حلولا إنمائية متكاملة من أجل التصدي للتحديات التي نواجهها اليوم وغدا».

وفي ما يخص عمل البنك مع شركائه، فقد ناقش كيم التحديات التي تواجه البلدان المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة الدخل، والدول الهشة، وبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما ناقش الحاجة إلى مواصلة العمل على نحو أكثر استدامة. ودعا كيم البنك إلى تعزيز وحشد ما يتمتع به من معارف ومواهب للنهوض «بعلم تحقيق النتائج»، كما حدد أربعة إجراءات مبكرة لتسريع وتيرة هذه العملية، من خلال وضع معيار واضح وقابل للقياس، حيث إن رسالة مجموعة البنك الدولي هي القضاء على الفقر وبناء الرخاء المشترك، في الوقت الذي طلب فيه من جهاز إدارة البنك تحديد النتيجة النهائية في شكل غايتين طموحتين لهذين الهدفين.

وزاد «ثانيا العمل على تعزيز طرق التنفيذ والنتائج، وينبغي ألا يستغرق المشروع سنتين للتحول من مرحلة المفاهيم والتصورات إلى مرحلة التنفيذ، ونريد محاسبتنا لا على الإجراءات بل على النتائج. ولهذا سأعمل مع مجلس محافظي البنك الدولي على ترشيد إجراءاته، وتبسيط عملياته، وتقليص الوقت اللازم لإعداد المشاريع». وأضاف «ثالثا تزويد البلدان المتعاملة معنا بالحلول المتكاملة كي تحقق أكبر أثر ممكن. سوف يمكننا تعزيز ميزتنا النسبية بصفتنا المؤسسة الإنمائية الوحيدة في العالم التي يمكنها أن تساند بدرجة معقولة القطاعين العام والخاص، وتوفير القدرة على الوصول إلى موارد معرفية استثنائية، وعرض أدوات للتأمين ضد المخاطر من أجل تحفيز الاستثمارات. ولذلك، فقد طلبت من جهاز إدارة البنك وضع خطة لتحقيق قدر أكبر من التآزر والتنسيق بين فروع مجموعة البنك الدولي، بغرض الاقتصاد في النفقات وتحسين فاعلية عملياتها».

وأكد أن رابع تلك الإجراءات من خلال مواصلة الاستثمار في أدوات البيانات والأدوات التحليلية، والبناء على ما حققته مبادرة البيانات المفتوحة من نجاح. وقال «للبيانات أهمية حاسمة في تحديد الأولويات ووضع سياسات سليمة وتتبع النتائج. ومع ذلك، فإن الكثير من البلدان تعاني من ضعف قدراتها الإحصائية وتفتقر إلى بيانات محدثة يعتمد عليها الاقتصاد وأوضاع الفقر. ولهذا فإننا سنعمل مع شركائنا لضمان أن تتاح لكل البلدان النامية تقريبا بيانات دقيقة ومحكمة التوقيت، وسنقدم تقارير سنويا عما تحقق من تقدم في مكافحة الفقر وبناء الرخاء المشترك».

وأشار «حينما نجتمع مرة أخرى بعد ستة أشهر سأقدم لكم تقريرا عما أحرز من تقدم في ما نفعله، وأحيطكم علما بما أنجز وما يجب أن نسعى فيه جاهدين. وأرجو أن تحاسبونا أنتم ومديروكم التنفيذيون طوال هذه العملية لضمان أن نحدد أهدافا طموحة لأنفسنا ونعبئ الموارد لبلوغها».

واختتم رئيس مجموعة البنك الدولي حديثه بالتأكيد على أنهم غالبا ما يتحدثون عن الحلم بعالم خال من الفقر وهو الشعار الذي يزدان به مدخل مقر البنك «حيث حان الوقت أن ينتقل الأمر من الحلم بعالم خال من الفقر إلى تحقيق هذا الحلم». وقال «لقد حان الوقت لثني قوس التاريخ. ويمكننا تحقيق ذلك، بل يجب أن نعمل وسنعمل لتحقيقه، من خلال تضامن عالمي يدعمه سعي حثيث بلا هوادة من أجل القضاء على الفقر وبناء الرخاء المشترك».

من جهته، قال كوريكي جوجيما، وزير المالية الياباني، إن بلاده ستقدم 12 مليون دولار خلال ثلاث سنوات إلى صندوق خصصه البنك الدولي لمساندة الاقتصادات المتأثرة بانتفاضات الربيع العربي. وأضاف جوجيما، في حديث للصحافيين بعد اجتماع لوزراء مالية يشاركون في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في العاصمة اليابانية طوكيو «في إطار الجهود الرامية لمساندة اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعهدت اليابان بتقديم 12 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات لصندوق التحول (الديمقراطي) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن وزير المالية الإيراني أمس أن احتياطيات إيران من النقد الأجنبي في «وضع جيد» على الرغم من العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على البلاد. وأبلغ شمس الدين حسيني، وزير المالية والشؤون الاقتصادية، الصحافيين بأن الحكومة الإيرانية تأخذ خطوات لكبح المضاربة وإجراءات أخرى لمواجهة الهبوط الحاد في قيمة الريال الإيراني.