المفوضية الأوروبية تؤكد تحقيق تقدم في مكافحة أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو

بريطانيا وهولندا على رأس الدول الرافضة لضريبة المعاملات المالية

شهدت العديد من المدن الأوروبية احتجاجات على الخطط التقشفية الأسبوع الماضي (أ. ف. ب)
TT

قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن دول منطقة اليورو حققت تقدما كبيرا في مكافحة أزمة الديون السيادية، وجاء ذلك في كلمة لمفوض الشؤون النقدية والاقتصادية أولي ريهن، ألقاها أمام الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي في طوكيو.

وخلال الكلمة التي نشرت في بروكسل السبت، أشار المسؤول الأوروبي إلى التقدم الذي أحرزته آيرلندا والبرتغال وإصلاح القطاع المصرفي الإسباني، إلى جانب انخفاض التوتر في الأسواق المالية، ووضع آلية دائمة للإنقاذ، وإعلان المصرف المركزي الأوروبي عن برنامج جديد للمساعدة في مواجهة الأزمة.

كما اعترف وزير الخزانة الأميركي تيموتي غايتنر بالتقدم الذي أحرزته أوروبا، مشيرا إلى دور المصرف المركزي الأوروبي والآلية الدائمة للإنقاذ في مساعدة الدول بشكل أفضل لإصلاح اقتصادها، كما نوه إلى الخطوات الأولى على طريق الاتحاد البنكي والتكامل المالي، واختتم بالقول إن النهج الأوروبي حاليا فيه وعود أكبر، ولكن المهم كيفية تنفيذ التدابير المطلوبة.

وجاء ذلك بعد ساعات من خروج الأوروبيين إلى الشوارع مجددا، اعتراضا على خطط التقشف التي تنتهجها بعض حكومات منطقة اليورو، لمواجهة أزمة الديون السيادية، وخرج مساء الجمعة ما يقرب من مائة ألف شخص في إيطاليا للتعبير عن اعتراضهم على سياسة التقشف، كما اعتادت العواصم الأوروبية منذ فترة على المظاهرات الاحتجاجية خلال عطلة نهاية الأسبوع للغرض نفسه.

وعرفت لشبونة ومدريد وبروكسل وأثينا وروما مظاهرات مماثلة، تأتي هذه التطورات فيما انقسمت الدول الأوروبية بشأن تطبيق آليات للتعامل مع أزمة الديون، ومنها ما يعرف بفرض ضريبة على المعاملات المالية.

وخلال الاجتماع الأخير لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، كرر الوزير البريطاني للمالية جورج أوزبورن، رفض انضمام بريطانيا إلى نظام ضريبة المعاملات وهو نظام وافقت عليه حتى الآن إحدى عشرة دولة أوروبية وتلزم موافقة من تسع دول في الاتحاد الأوروبي لكي ينفذ هذا النظام الضرائبي الخاص بالمعاملات المالية.

المفوض الأوروبي للضرائب الجيرداس سيميتا وخلال الاجتماع أعلن أن « المفوضية ستقدم اقتراحا للتعاون المعزز خلال الاجتماع المقبل لوزراء المالية الأوروبيين في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)».

وفي منطقة اليورو نفسها تعارض عدة دول المشروع على غرار هولندا. وتستمر الخلافات بين الأوروبيين حول الجدول الزمني للمشروع الذي ينص على تكليف البنك المركزي الأوروبي بمهمة الإشراف وحول نطاق عمله. وبحسب كثير من المراقبين الأوروبيين: «لم تحدد حتى الآن كيفية صرف هذه الأموال الضريبية الخاصة بالمعاملات المالية، بينما تقترح المفوضية الأوروبية أن تضاف إلى ميزانيتها الجارية، تبدي الدول الأعضاء رغبة بأنها ستقرر بحسب أولوياتها». وسبق أن أعلن الاتحاد الأوروبي أن سبعا من دول الاتحاد أرسلت إليه خطابات تطلب فيها اقتراح فرض ضريبة على المعاملات المالية في الاتحاد الأوروبي، فيما تقترب أربع دول أخرى من اتخاذ الخطوة نفسها. وقال وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في بيان عقب اجتماعهم في لوكسمبورج، إن «بلجيكا وألمانيا واليونان وفرنسا والنمسا والبرتغال وسلوفينيا قد أرسلت خطابات تقترح فيها تطبيق ضريبة على المعاملات المالية» مضيفا أن «4 بلدان أخرى هي أستونيا وإسبانيا وإيطاليا وسلوفاكيا ستحذو حذوها قريبا». وكانت المفوضية الأوروبية اقترحت في عام 2011 تشريعا يهدف إلى تطبيق ضريبة المعاملات المالية في نطاق الاتحاد الأوروبي بيد أن مناقشة الاقتراح في مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي في 22 يونيو (حزيران) من العام الحالي كشفت عدم كفاية الدعم المقدم للاقتراح. من جانبه رحب رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز بهذا التطور قائلا إن «ضريبة المعاملات المالية تعد من قضايا العدالة» لافتا إلى ضرورة مساهمة القطاع المالي في احتواء أزمة الديون في الوقت الذي تبذل فيه أفقر قطاعات المجتمع تضحيات كبيرة. وأكد شولتز أنه «من غير المقبول أنه عندما يذهب الناس إلى السوق لشراء التفاح (على سبيل المثال) فإنهم يدفعون ضريبة القيمة المضافة، في حين تخلو المعاملات التي تتم في القطاع المالي من الضريبة المباشرة، واتفقت 11 دولة في منطقة اليورو يوم الثلاثاء الماضي على المضي قدما لتطبيق ضريبة مثيرة للجدل على المعاملات المالية تهدف لتحميل المتعاملين جزءا من تكلفة حل الأزمة التي هزت منطقة العملة الموحدة. واكتسبت المبادرة التي ترعاها ألمانيا وفرنسا بينما تعارضها بريطانيا والسويد وداعمون آخرون لحرية الأسواق قوة دافعة في اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، حين وافق عدد أكبر من الحد المطلوب وهو تسع دول على استخدام مادة في معاهدة أوروبية لإطلاق الضريبة. وتعرف هذه الضريبة بضريبة توبن بعد أن اقترح الاقتصادي الأميركي جيمس توبن الفائز بجائزة نوبل، تطبيقها عام 1972 كوسيلة لتخفيف التقلبات في الأسواق المالية. وأصبحت الضريبة رمزا سياسيا لرغبة واسعة النطاق في تحميل البنوك وصناديق التحوط والمتعاملين الأكثر نشاطا جزءا من تكاليف حل أزمة الديون. وقال أندرياس شيدر نائب وزيرة المالية النمساوية: «هذه خطوة صغيرة لأحد عشر بلدا لكنها قفزة هائلة لأوروبا».

الطريق الآن ممهد لإشراك القطاعين المالي والمصرفي بشكل عادل في تمويل أعباء الأزمة. وعزز الاتفاق إمكانية إطلاق مجموعة من الدول الأوروبية ضريبة مشتركة للمرة الأولى دون موافقة جميع دول الاتحاد السبع والعشرين، وهي خطوة قد تؤدي إلى تفتيت السوق الموحدة الأوروبية للخدمات المالية. وقالت المفوضية الأوروبية إن فرض ضريبة على تعاملات الأسهم والسندات والمشتقات بدءا من عام 2014 قد يجمع ما يصل إلى 57 مليار يورو (74 مليار دولار) سنويا إذا تم تطبيقها في كل دول الاتحاد الأوروبي وبالتزامن مع ذلك جاءت حملة تحت عنوان: «ضعوا المصرفيين خلف القضبان» ونظمتها منظمة «آفاز» الدولية التي جمعت مئات الآلاف من التواقيع للمطالبة بمحاكمة المصرفيين المسؤولين عن المبالغة باستغلال الأسواق. وهو رأي نحو التسعين في المائة من الذين استفتتهم منظمة «آفاز» في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وقال جوليان بايو الناشط في «آفاز» للإعلام الأوروبي: «عقوبة السجن على الجرائم المالية قد تصل في الولايات المتحدة إلى أربع عشرة سنة، فيجب أن ننتهي من هذه اللهجة التسامحية مع القطاع المصرفي». بريطانيا التي يتم فيها عمل نحو الثمانين في المائة من النشاط المالي الأوروبي بدأت بتطبيق عقوبات على الجرائم المالية. من جانبها قالت آرلن ماكارثي نائبة رئيس اللجنة المالية في البرلمان إن المشكلة تعاني منها بلدان مثل بلغاريا وسلوفينيا التي تفتقر إلى قوانين بهذا المجال كما في بريطانيا. العريضة سلمت إلى البرلمان الأوروبي قبل يوم واحد من التصويت على إعادة النظر بالتشريعات الخاصة بالجرائم المالية.