شقير: الاقتصاد والنمو في وضع خطر بعد خسارة 80% من موارد السياحة

رئيس اتحاد الغرف اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: هيبة الدولة وحدها تعيد الثقة

محمد شقير
TT

لا يجد رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير أي مسوغ يمكن أن يبرر للحكومة رفع العجز المالي للموازنة من 4 إلى 6.5 مليار دولار، أي ما نسبته 60 في المائة دفعة واحدة، بهدف تغطية سلسلة الزيادات في الرواتب لموظفي القطاع العام، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من انكماش حقيقي يهدد مصادر الدخل بفعل الانقسام الداخلي وتداعيات الأزمة السورية.

وفي رأيه أن «الأولى أن تعلن الحكومة حالة الطوارئ الاقتصادية، وهذا ما سنقوله صراحة خلال الحوار الذي دعانا إليه الرئيس نجيب ميقاتي، والذي نتوقعه خلال الأسبوع المقبل.. فقد وصلنا إلى شفير الهاوية، ولم تعد المعالجات والإجراءات العادية تنفعنا، لأن المطلوب سلوك مسار يتماشى مع قوة الأزمة وحراجتها. هناك معاناة شديدة في أغلب القطاعات وإفلاسات حقيقية في بعضها، والسياحة تلقت ضربات موجعة، مما أدى لانحدار النمو من 3 أو 4 في المائة إلى نحو 1 في المائة فقط، بينما التضخم يتجه إلى 10 في المائة هذا العام، وعجز ميزان المدفوعات وصل إلى 1.8 مليار دولار في 8 أشهر».

ويؤكد شقير في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» أن «المخاطر الاقتصادية قائمة وقابلة لمزيد من التفاقم، وأبرز تجلياتها أظهرتها الضربات الأليمة التي تعرض لها القطاع السياحي بفعل أحداث أمنية في الشمال في وقت بدء الموسم السياحي وعمليات خطف في عز الموسم الصيفي. والأخطر أن تداعيات هذه الضربات ستستمر طويلا ما لم نعمل جميعا، حكومة وقطاعا خاصا، لإعادة تصحيح رسالتنا ومشاعرنا الحقيقية للجميع، وخصوصا لإخواننا في الخليج بأن ما حصل غيمة مضت، وأنهم يحلون بين أهلهم وأصدقائهم في لبنان الذين يتمنون أن يبقى مقصدا مفضلا لهم للسياحة والاستثمار والاستشفاء والتعليم».

صحيح أن الأوضاع الداخلية وانعكاسات الأزمة السورية أدت إلى تراجع الاقتصاد، لكن الأسوأ، وفق شقير، كان ظهور المسلحين والخطف وقطع الطرقات.. «وهذا ما يوجب العمل بشكل سريع لاستعادة الثقة قبل أي شيء آخر.. فالاضطرابات التي أساءت إلى هيبة الدولة لا يمكن محو مفاعيلها إلا بعودة الدولة إلى بسط سيطرتها ومرجعيتها، والقيام بدورها في حماية المواطنين والزائرين».

وأضاف أن «القطاع السياحي ومعه الاقتصاد يستفيدان من ثلاثة موارد أساسية تعرضت لأضرار بالغة، وهي السياحة الخليجية، وسياحة المؤتمرات والمعارض، وشغف المغتربين اللبنانيين لقضاء عطلاتهم في بلدهم الأم. والتقلص الحاد لهذه الموارد هذا العام أدى إلى ضرب الموسم السياحي الذي يشكل 50 في المائة من الناتج المحلي وبدوره أثر على الوضع الاقتصادي العام».

ويلفت إلى مرارة الوضع الناشئ عن مجموعة مواقف وتصرفات غير مسؤولة، حيث يقول «خسرنا أعداد الزوار الوافدين برا، وخسرنا معهم جزءا مهما من نشاط الترانزيت والتصدير إلى بلدان المنطقة وخارجها بفعل تطورات الأزمة وأخطارها في سوريا لكونها الممر البري الوحيد للبنان إلى العالم العربي والخارجي. بدأنا منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي نخسر حركة الوافدين جوا عبر مطار بيروت نتيجة أعمال الخطف والتهديد لمواطني بعض الدول والإقفال المتكرر للطريق الرئيسي من المطار وإليه».

ويضيف: «لسنا نبالغ إذا وصفنا يوم الخطف وإقفال طريق المطار باليوم الأسود للسياحة والاقتصاد اللبناني.. فالنتائج كارثية ليس على القطاع السياحي وحده بل على مجمل أنشطة القطاع الخاص وتاليا على التدفقات المالية والاستثمارية. عدديا نتوقع أن يكون التراجع بحدود نصف مليون سائح هذا العام، لكن العدد أقل أهمية إذا ما قارناه بفقدان نحو 80 في المائة من الإيرادات الإجمالية التي ينفقها السياح والزوار الخليجيون. لكن يبقى الأهم من العدد والإنفاق ألا نخسر ميزتي الأفضلية والخصوصية اللتين يحوزهما لبنان كمقصد سياحة وأعمال واستثمار للخليجيين».

ويوضح أنه «عندما يتراجع الإنفاق السياحي يتمدد الضرر إلى أغلب القطاعات. نحن نتحدث عن زائر خليجي ينفق بسخاء، ويشمل إنفاقه مجالات عديدة. كذلك الأمر بالنسبة للمغترب اللبناني. لذا بدأنا نشعر بحركة إفلاسات تدق أبواب مؤسسات القطاع الخاص، خصوصا في قطاعي السياحة والتجارة، وهناك مؤسسات عريقة وضعها بات على المحك. كما أن آلاف العمال مهددون بالصرف من عملهم».

وفي لغة الأرقام، يورد شقير أن «نظرة سريعة على بعض الأرقام المسجلة تظهر شدة الضربة التي تلقاها الاقتصاد، فالحجوزات في الفنادق انخفضت 90 في المائة حيث لم تتجاوز نسبة الحجوزات 20 في المائة في العاصمة خلال عطلة العيد، لتنخفض إلى ما بين 10 و15 في المائة في المناطق. أما الأسواق التجارية فحركتها انخفضت نحو 50 في المائة، وفي المناطق التراجع وصل إلى حدود 90 في المائة، بينما المواسم الزراعية بقيت مكدسة لدى المزارعين بعد تعذر تصديرها إلى الخارج. وكذلك القطاعات الأخرى وضعها ليس أفضل، ولا سيما على مستوى الاستثمارات التي تلقت هي أيضا ضربة كبيرة في ظل التراجع الكبير للتدفقات الاستثمارية الخارجية، وخصوصا العربية والخليجية منها».

ويؤكد شقير أن «هذا الوضع لم يعد يمكن السكوت عليه، فمصير مئات المؤسسات وآلاف العمال، لا بل مصير الاقتصاد برمته، بات على المحك، ودقة المرحلة تستدعي من الجميع قول الحقيقة من دون مواربة بهدف تشكيل قوة ضاغطة لتصحيح مسار العمل السياسي، باتجاه تحييد لبنان عن كل ما يجري من حولنا، ووضع مصلحته ومصلحة شعبه فوق كل اعتبار».

وحول الرفض المطلق الذي تبديه الهيئات الاقتصادية لإقرار الحكومة زيادات الرتب والرواتب في القطاع العام والوعد بإحالة مشروع القانون إلى المجلس النيابي، يقول شقير: «هذه الصيغة لن تمر. موقفنا واضح ومبني على رأي خبراء أن هذه السلسلة خراب على البلد وليس منطقيا ما تقوم به الحكومة، إذ إن العجز اليوم هو 4 مليارات دولار ومع هذا المشروع سيصبح العجز 6.5 مليار دولار. والمثير للدهشة أنه بينما تعمل دول العالم كله على خفض نفقات الرتب والرواتب، يتجه لبنان لمنح زيادات غير مدروسة افتتحها بزيادات مماثلة للقضاة وأساتذة الجامعة الرسمية، وهذا خطأ جسيم يتوجب على الحكومة الرجوع عنه».

ويدعو إلى تحكيم لغة العقل، حيث إنه «في فرنسا حاولت الحكومة فرض ضرائب جديدة توازي 0.8 في المائة من الناتج الوطني فاعتبرها القطاع الخاص صدمة مؤلمة يمكن أن تؤدي إلى إفلاس مؤسسات، فما هو المنطق الذي يبرر إعطاء زيادات استثنائية وترقيات لموظفي القطاع والمتقاعدين، والنظر في فرض ضرائب جديدة تبلغ حصيلتها 4 مليارات دولار، أي ما يوازي 10 في المائة من الناتج المحلي دفعة واحدة؟!».

ويضيف شقير: «كهيئات اقتصادية، نعول على وعي الرئيس ميقاتي وتفهمه للمصاعب التي يعانيها القطاع الخاص الذي يعمل به 1.2 مليون شخص، بينما يبلغ حجم القوة العاملة في الدولة نحو 200 ألف. نحن مستعدون للجلوس معهم لنرى من أين سيتم تأمين التمويل.. لكن ينبغي أن يعلمونا كيف يمكن للمواطنين ولمؤسسات القطاع الخاص تحمل كل هذه الأعباء الضريبية التي يطرحونها، وكيف ستتحمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نحو 95 في المائة من مؤسسات القطاع الخاص هذه الأعباء، وما هي التأثيرات الأكيدة على الاستثمارات الوافدة وعلى المؤسسات الأجنبية التي تتخذ من لبنان مركزا إقليميا لها. إن الحديث عن توفر مصادر تمويل للسلسلة هو بمثابة شيك من دون رصيد، وقد حذر صندوق النقد الدولي من هذه الخطوة وقدم دراسات، وأتمنى أن تتحلى الحكومة بالشجاعة وتكشف عن هذه الدراسات».