تعهد أوروبي باتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة التوترات في الأسواق المالية

قادة الاتحاد اتفقوا على تطبيق الرقابة المصرفية العام المقبل

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برفقة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند (رويترز)
TT

أكد قادة الاتحاد الأوروبي على الالتزام الراسخ باتخاذ إجراءات حازمة لمعالجة التوترات في الأسواق المالية واستعادة الثقة وتحفيز النمو وفرص العمل، وجاء ذلك في البيان الختامي لقمة أوروبية اختتمت الجمعة ببروكسل، واستغرقت يومين، وجاء في البيان أن المناقشات عرفت استعراض ما جرى تحقيقه على طريق تحقيق النمو وخلق فرص العمل ورحبوا بالتقدم المحرز حتى الآن ولمكن طالبوا في الوقت نفسه بتسريع وتيرة العمل في هذا الصدد، وتعهد القادة الأوروبيون ببدء تطبيق الرقابة المصرفية في منطقة اليورو اعتبارا من العام 2013 ما سيشكل محطة أساسية في استراتيجيتهم للخروج من الأزمة الخانقة التي تعاني منها المنطقة. وتوصل رؤساء الدول والحكومات الـ27 في ختام الاجتماعات في بروكسل إلى تسوية حول هذا الموضوع الذي كان يثير توترا في العلاقات بين باريس وبرلين منذ أسابيع. المفوضية وبعض الدول بينها فرنسا ضغطت من أجل بدء العمل بالية الرقابة المصرفية فيما سارعت ألمانيا إلى إبداء تحفظات معتبرة أن الجدول الزمني غير واقعي. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «ما هو مهم بالدرجة الأولى هو ترتيب الأمور ليكون أولئك الذين يراقبوننا واثقين مما نقوم به من تغيرات»، ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين تعتبر الرقابة المصرفية الشرط من أجل التوصل إلى إقرار عملية إعادة رسملة مباشرة للمصارف من قبل آلية الاستقرار الأوروبية، الهيئة الجديدة لحماية منطقة اليورو من الأزمات من دون زيادة عبء الديون على الدول. وهذه الآلية يفترض أن تمنع تحول الأزمات المصرفية إلى أزمات ديون. وبعد الاتفاق على تفعيل هيئة موحدة للإشراف المصرفي بمنطقة اليورو خلال اليوم الأول. من القمة، ناقش القادة الأوروبيون خلال جلسات اليوم الثاني استراتيجيات استعادة التنمية الاقتصادية، ومستجدات الوضع الدولي، وطالب المشاركون في القمة بسرعة تطبيق الإجراءات المتفق عليها في لقاءات سابقة لدفع عملية تنشيط الاقتصاد وخلق الوظائف بالمنطقة. وكان زعماء الدول الـ27 قد توصلوا فجر الجمعة إلى اتفاق بشأن إقامة هيئة للإشراف المصرفي الموحد قبل نهاية هذا العام وتفعيلها تدريجيا على مدار 2013 وقرر القادة أن يتم الاتفاق على إطار تشريعي للهيئة بنهاية هذا العام، يليه تنفيذ تدريجي لإعادة رسملة البنوك المتعثرة العام المقبل، وقال رئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروسو: «لقد كان النقاش طويلا ومعمقا وثريا وصريحا. الرقابة الجديدة ستمكن من التدخل كلما اقتضت حاجة البنوك في منطقة اليورو إلى ذلك. وهي ستشمل دولا من خارج منطقة اليورو تريد الانضمام إلى الآلية، في حدود قانونية، ومصداقية السوق الواحدة سيتم احترامها». وكانت انتقادات بعض الدول تفيد بأن الجدول الزمني لتفعيل الآلية غير واقعي، إذ تقول ألمانيا إن تطبيق الرقابة سيستغرق وقتا. ويقول البعض من المراقبين إن «وصف اجتماع المجلس الأوروبي هذا بقمة المرحلة، وهي طريقة للقول إنه لا شيء ملموسا تقرر، إنما هناك وعود. واستغرق الأمر ساعات من النقاش ليتم تأكيد قرار بشأن الاتحاد البنكي، كنا نعتقد أنه اتخذ منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي».

من جانبه قال رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبي أن الدول الـ27 ترغب في إحراز تقدم سريع فيما يخص الإطار القانوني لتفعيل هيئة الإشراف المصرفي المشتركة، الأمر المرتقب خلال 2013. وأشار فان رومبي، في تصريحاته إلى أن الأمر العاجل حاليا يتمثل في تحديد آليات هيئة الإشراف المصرفي المشتركة للوقاية من المخاطر البنكية ومنع انتقالها لدول أخرى. ومن ثم فإن المجلس الأوروبي يطالب بإحراز تطورات سريعة، بهدف التوصل إلى إطار قانوني لنظام الإشراف البنكي الموحد مطلع يناير (كانون الثاني) 2013، على حد قوله. وأضاف المسؤول الأوروبي أنه بمجرد الاتفاق بشأن هذا الإطار القانوني، سيكون بالإمكان تفعيل هيئة الإشراف المصرفي الموحد على مدار 2013.. وبهذا الاتفاق أنهت دول الاتحاد خلافا بين فرنسا وألمانيا حول موعد تشكيل هيئة المراقبة المصرفية الموحدة، حيث كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يطالب بتشكيلها في الأول من يناير المقبل، بينما طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إرجاء المواعيد بسبب الانتخابات في بلادها وصرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه من المحتمل أن يكتمل إنشاء الجهة مصرفية الموحدة قبل بدء استخدام أي أموال الإنقاذ من آلية الاستقرار الأوروبي (ESM) الذي صمم لإعادة رسملة البنوك المتعثرة. وأضافت أن الإطار الزمني لهذا التكامل المالي الأوروبي سيتم تحديده في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في ديسمبر (كانون الأول). ولا تزال خلافات بين قادة الاتحاد الأوروبي حول الدور الإشرافي لهذه الوحدة فهل سيكون على جميع أو بعض المصارف البالغ عددها 6000 بنك في منطقة اليورو، والذي سيكون تحت إشراف البنك المركزي الأوروبي بحلول عام 2014. ويرى البعض أن إنشاء اتحاد مصرفي موحد هو مجرد خطوة أولى في طريق تحقيق التكامل والكفاءة المالية للبنوك الأوروبية، ويعتبر صندوق النقد الدولي بأن هذه هي خطوة رئيسية للتغلب على الأزمة في منطقة اليورو، وتفادي حصولها في المستقبل، وقال مصدر فرنسي إن الاتفاق على هذه الوحدة المصرفية يعني أن آلية الاستقرار الأوروبي (ESM) سوف تبدأ بضخ السيولة في البنوك الأوروبية المتعثرة في وقت مبكر من الربع الأول من عام 2013، إلا أن مصدرا ألمانيا أشار إلى أن هذه الاحتمالات «من المستبعد جدا» أن تحدث قريبا. وقال مصدر حكومي ألماني إن البنك المركزي الأوروبي سيكون مسؤولا عن الإشراف على البنوك ذات الأهمية النظامية في منطقة اليورو ويمكن أن يشرف على البنوك ذات الأهمية الأقل إذا لزم الأمر، وأكد المصدر أن إعادة الرسملة المباشرة للبنوك من خلال آلية الاستقرار الأوروبي لن تتم إلا في حال تم إقرار الوحدة المصرفية الإشرافية. ويرى المحللون أن النقطة الأساسية التي لا بد من التركيز عليها هو دور البنك المركزي الأوروبي في الإشراف على القطاع المصرفي الأوروبي لأنه سوف يفتح الطريق أمام تفعيل صندوق إنقاذ منطقة اليورو الدائم لحقن البنوك برأس المال مباشرة، دون إضافة أي قيود تقشفية على الحكومات الأوروبية ومن جهته، ربط رئيس الوزراء البلجيكي إيليو دي ريبو، الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها أوروبا بتصاعد التيارات الشعوبية والانفصالية ليس فقط في بلاده، بل في الكثير من دول التكتل الموحد وحث رئيس الوزراء البلجيكي، في تصريحاته صباح الجمعة، الدول الأعضاء في التكتل الموحد على البحث عن حلول سريعة وناجعة لمعالجة الأزمة، باعتبار «إنها الطريقة الوحيدة الكفيلة بتطويق تصاعد الانفصاليين والشعوبيين في أوروبا»، وشدد دي ريبو على أن التوجه نحو الخروج من الأزمة المالية كفيل بإعادة ثقة المواطنين بالحكومات، مشيرا إلى أن التيارات الانفصالية والشعوبية لا تتبنى النظرة نفسها بالضرورة، «ولكن لهما آثار ضارة على أوروبا ويجب تطويقها»، وكانت بلجيكا قد شهدت مؤخرا تصاعدا لحزب الاتحاد الفلاماني الجديد صاحب النظرة الانفصالية في شمالي البلاد الناطق بالهولندية وعلى هامش القمة أيضا فقال فان رومبوي «لقد كانت أولويتنا الرئيسية التقدم نحو الاتحاد المصرفي وأن العنصر العاجل الآن هو وضع آلية واحدة للرقابة لمنع نشوء المخاطر المصرفية وتنقلها عبر الحدود». وأضاف فان رومبوي «هذا هو السبب في أن المجلس الأوروبي دعا الليلة الماضية لإحراز تقدم سريع بهدف الاتفاق على الإطار التشريعي بحلول الأول من يناير 2013 وفور التوصل إلى هذا الاتفاق سيكون بالإمكان تفعيله في سياق عام 2013». ورأى أنه «من دون اتحاد نقدي مستقر لا يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي مستقرا وبالتالي هدفنا هو جعل اليورو مستقرا تماما ماليا واقتصاديا وسياسيا أيضا» مشيرا إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيلعب دورا محوريا في تأسيس آلية الرقابة. من جانبه توقع رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو في المؤتمر الصحافي نفسه أن يتابع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي القرار الذي اتخذه رؤساء الدول والحكومات والعمل على استكمال التفاصيل الفنية في أسرع وقت ممكن.