منطقة اليورو لا تزال صامدة.. لكن إلى متى؟

أزمة التكتل النقدي لم تعد تتصدر الأخبار

منطقة اليورو وعملتها الموحدة على المحك
TT

هل تتذكرون أزمة منطقة اليورو؟

منذ بضعة أشهر فقط، كانت هذه الأزمة تتصدر الصفحات الأولى للصحف. هل ستنهار منطقة اليورو؟ هل ستشهر أكثر دول جنوب أوروبا إفلاسها ولن تكون قادرة على الاقتراض بأي سعر فائدة معقول؟ هل سيؤدي هذا إلى حدوث موجة جديدة من الكساد العالمي؟ مع ذلك لم يتم ذكر اليورو خلال المناظرة الخاصة بالسياسة الخارجية بين الرئيس أوباما وميت رومني. ولم تُذكر أوروبا إلا مرة واحدة في سياق لا يتعلق بالاقتصاد من قريب أو من بعيد، حيث أشار رومني إلى اليونان، لكن فقط بقوله إننا نواجه خطر السير في طريقها إذا لم نغير أساليبنا. أكثر ما يفاجئ المرء هو الاعتقاد أن الوضع الأوروبي تحت السيطرة. ويكون هذا صحيحًا إذا كان كل ما يثير القلق هو حصول أصحاب سندات الخزانة على مستحقاتهم. ويعد هذا غير حقيقي، إذا كانت نظرتك إلى الوضع أكثر شمولا.

عند النظر إلى الماضي سنجد أن التركيز خلال العامين الماضيين على تكلفة الاقتراض بالنسبة للدول الهامشية في منطقة اليورو كان غير موفق، فدائمًا ما كان من الواضح أن أوروبا ككل قادرة على حل هذه المشكلة إذا رغبت في ذلك. ويستطيع البنك المركزي الأوروبي، مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، طبع النقود، وهذا ما فعله أخيرا. مع ذلك كانت القضية الحقيقية، ولا تزال، هي قدرة الدول الهامشية على التحول إلى دول ذات اقتصاد ناجح في منطقة اليورو. فيما يتعلق بهذا الأمر، كان التقدم بطيئا إلى حد مؤلم.

كتب بوب برينس من شركة «بريدجواتر أسوسيتس» خلال الأسبوع الحالي: «كان لإجراءات البنك المركزي الأوروبي وصناع السياسة الآخرين في أوروبا تأثير في سد ثغرات مالية كبيرة في القطاع المصرفي بالدول الهامشية والأموال السيادية، لكنهم لم يفعلوا كثيرا، لوضع حد لاختلال التوازن بين هذه الاقتصادات فيما يتعلق بالتنافسية».

وتتردد المصارف في الإقراض. وأوضح تقرير البنك المركزي الأوروبي عن نشاط الإقراض خلال شهر سبتمبر (أيلول) يوم الخميس تراجع بنسبة 1.4 في المائة في القروض الممنوحة إلى شركات القطاع الخاص والأفراد في منطقة اليورو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وكتب كل من فرانسوا كباو وفيليب غودين من مصرف «باركليز كابيتال» في بيان موجه إلى العملاء: «هذه الأرقام أكثر اتساقًا مع الصورة القاتمة التي ترسمها الاستطلاعات في مجال الأعمال والتي تشير إلى استمرار الانكماش».

ولو كانت الدول الهامشية فرضت سعر صرف ثابت بدلا من عملة موحدة، كانت لتخفض قيمة عملاتها منذ مدة طويلة. هذه هي الوصفة السليمة للدول التي تعاني من أزمة مالية. إذا أضفنا إلى ذلك التقشف يمكن أن تنتعش الدول سريعًا مع زيادة الصادرات وتراجع الواردات. أما وأن الحال كما هو عليه الآن، فالمؤكد هو أن العملية ستطول وتكون مؤلمة، في حين أن نجاحها لن يكون مؤكدًا. ومع تعثر وتباطؤ أوروبا، هناك رغبة في الولايات المتحدة بتحويل أنظارنا إلى أماكن أخرى مثل آسيا، لأسباب اقتصادية، وإلى الشرق الأوسط، لأسباب سياسية. وحاول رومني إضافة أميركا الجنوبية إلى هذا الخليط. ولم ترغب حملة رومني الانتخابية أو حملة أوباما في التحدث كثيرًا عن أوروبا وهو أمر لاحظته أوروبا وإن لم تعره اهتمامًا.

كان ريتشارد لامبرت، مستشار بجامعة «ووريك» في بريطانيا، ورئيس التحرير السابق لصحيفة «فاينانشيال تايمز» والمصرفي السابق في البنك المركزي، في نيويورك الأسبوع الحالي في محاولة منه لإقناع الأميركيين بضرورة الاهتمام وتوقع صمود اليورو. وقال في خطاب بجامعة نيويورك: «لدى الاتحاد الأوروبي القدرة على ترتيب أموره إذا كانت لديه الرغبة السياسية في القيام بذلك. إنها أزمة تتعلق بانعدام التوازن داخل منطقة اليورو أكثر مما تتعلق بصدع بينها وبين باقي العالم». إن هذا لأمر جدير بأن نتذكره. ميزانية منطقة اليورو ككل أقل من ميزانية الولايات المتحدة، وعجز الحساب الجاري لديها أقل من العجز الأميركي. وإذا كان الحديث عن دولة واحدة، لكتبت مقالات عن مناطق تعاني من مشاكل، لا عن انهيار. مع ذلك أنها ليست دولة واحدة. إنها تسير بخطى مترددة في هذا الاتجاه، من بينها توحيد الإشراف على المصارف، لكن لن يكون هناك اتحاد سياسي، فاسم أنجيلا ميركل لن يكون في أي صندوق اقتراع خارج ألمانيا. كذلك لن يكون هناك حركة تنقل للعمال بسهولة في أرجاء أوروبا رغم أن هذا مضمون الآن، فالاختلافات الثقافية واللغوية تؤكد ذلك.

هناك مناطق تعاني من مشاكل مالية داخل الولايات المتحدة، وإن شهدت تغيرات، حيث انتقلت ولاية تكساس من مرحلة ازدهار إلى مرحلة ركود عند انخفاض سعر النفط إلى حد كبير في بداية الثمانينات، وحدث تحويل للأموال من منطقة إلى أخرى. ولا يحدث تحويل للأموال بشكل ذاتي في أوروبا، لكن هناك عدة برامج يعتمدها البنك المركزي، فضلا عن خطط الإنقاذ، تشبه التحويل النقدي من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة.

لم يكن من السهل حث الألمان على الموافقة على هذه البرامج، ولا يزال الغموض يلف مستقبل التحويلات كوسيلة لإقناع الدول التي تعاني من مشكلات مالية بالالتزام ببرامج التقشف التي تطالبها بها أوروبا. كان من المهم أن ترغب المستشارة الألمانية ميركل في الموافقة على أحدث برنامج من البنك المركزي الأوروبي رغم اعتراضات البنك المركزي الألماني. ولطالما نظر إلى آيرلندا باعتبارها نموذجا ناجحا لدولة هامشية وقد كانت بالفعل كذلك، إذ انخفضت تكلفة الوحدة المنتجة ويبدو أنها باتت قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية. كذلك نجحت في خفض الأسعار من خلال خفض الأجور في القطاعين العام والخاص وخفض إعانات البطالة ورفع سن التقاعد. وتزداد صادرات الدولة وكذلك وارداتها وهو أمر غير معتاد في الدول الهامشية.

تجاوزت هذه التضحيات الخطيئة التي تمثلت في فقاعة الإسكان التي حطمت المصارف في تلك الدولة، ومن بعدها الحكومة التي حاولت دعم هذه المصارف.

من أسباب شك الأميركيين في احتمال بقاء وصمود منطقة اليورو صعوبة أن يتخيل المرء قبول هذا التوصيف عندما يكون تبني عملة جديدة (يتم خفضها سريعًا) بسهولة أقل إيلامًا حتى مع الوضع في الاعتبار ما قد يعقب ذلك من فوضى مالية لفترة زمنية قصيرة. ستتراجع ثروة الشعب، التي تقاس بالعملة الأجنبية، لكن لن يحدث هذا للرواتب الاسمية. ولن تزداد المدفوعات الثابتة مثل أقساط السيارات وقروض الرهن العقاري، فجأة كنسبة دخل مئوية، كما حدث مع خفض الأجور. مع ذلك لم يكن الاقتصاد يومًا وراء إنشاء منطقة اليورو، فقد كانت الأسباب السياسية التي تربط الدول الأوروبية ببعضها البعض هي الأهم ولا تزال كذلك.

وأوضح لامبرت خلال حديثه: «من الضروري إدراك قوة الترابط السياسي التي تعمل على تماسك المشروع. يريد جيل بأكمله من القادة السياسيين لهذا المشروع أن يستمر، ولديهم الموارد الاقتصادية اللازمة لتحقيق ذلك إذا كانت لديهم الرغبة».

وأوضح أن استطلاعات الرأي في اليونان، التي تبدو في مواجهة ركود لا نهاية له، لا تزال تشير إلى الدعم القوي لمنطقة اليورو. وهذا ما توضحه أيضا استطلاعات الرأي في فنلندا، التي انزعجت من الحاجة إلى دعم دول منطقة اليورو الهامشية. وإذا كانت الدول الهامشية غير قادرة على خفض قيمة عملاتها مقابل العملة الألمانية، هذا في حال بقائها في منطقة اليورو، فيجب عليهم في هذه الحالة التوصل إلى طريقة لخفض تكلفة الوحدة المنتجة بحيث تصبح مساوية لتكلفة الوحدة المنتجة في ألمانيا. وهناك حديث عن إجراء إصلاحات في سوق العمل وتم اتخاذ بعض الخطوات بالفعل، لكن بإيقاع بطيء. الفكرة الذكية التي طبقتها البرتغال كانت ما أطلقت عليه اسم «خفض القيمة المالية» والتي بموجبها يتم تعديل الضرائب بحيث تصبح مكافئة لتكلفة الوحدة المنتجة. واقترحت الحكومة خفض الضرائب على الرواتب بالنسبة للشركات، وزيادتها بالنسبة للعمال، حيث يؤدي هذا إلى خفض صافي الأجور التي تدفعها الشركات.

استشاط الناس غضبًا، وتراجعت الحكومة.

لم يقتصر التضخم على الدول الهامشية المتعثرة، وترتفع تكلفة الوحدة المنتجة بوتيرة أسرع عنها في ألمانيا على مدى العقد الماضي، مما يؤدي إلى مشكلة في التنافسية. وينسحب هذا على كل من إيطاليا وفرنسا. ويرى لامبرت أن القضية الأهم التي تواجه أوروبا هي ما إذا كانت فرنسا ستستطيع التعامل مع مشكلتها التنافسية أم لا. وسوف يكون التضخم الذي تشهده ألمانيا مفيدًا، وقد يكون هذا فائدة جانبية غير مباشرة لطبع البنك المركزي كمية كبيرة من النقود. يجب أن تتمتع الدول ذات الاقتصادات الهامشية، على المدى الطويل، بقدرة تنافسية مع دول الجوار، بحيث تستطيع الاعتماد على نفسها في تحقيق تقدم اقتصادي وإلا ستكون النتيجة «انقسام أوروبا الدائم إلى دول دائنة وأخرى مدينة، وستملي الدولة الدائنة شروطها على الدول المدينة» على حد قول لامبرت. ويقول إن هذا لن يكون مفيدًا من الناحية السياسية بمرور الوقت. منطقة اليورو ليست على وشك الانهيار، لكن من غير الواضح ما إذا كان من الممكن الحفاظ عليها على المدى الطويل أم لا.

*خدمة «نيويورك تايمز»