المجموعات المصرفية الأوروبية تواجه صعوبات.. وفرنسا تنزلق نحو الركود

مؤتمر في ميلانو يبحث آثار الأزمة المالية على الحالة الصحية والعقلية للمواطنين

جانب من باريس («الشرق الأوسط»)
TT

قال البنك المركزي الفرنسي إنه يتوقع انزلاق ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو نحو الركود مع نهاية عام 2012، وهو سيناريو يمكن أن يزيد من الصعوبة التي تواجهها الحكومة في تحقيق أهدافها بشأن تقليص العجز في العام المقبل.

وقال البنك - الذي كان قد توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.‏0 في المائة في الربع الثالث - أمس (الجمعة) إنه يتوقع الآن انخفاضا بنفس النسبة أيضا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012.

وذكر خبراء في الاقتصاد أن هذه الأنباء تظهر أن الحكومة الاشتراكية أفرطت في التفاؤل حين توقعت نموا بنسبة 8.‏0 في المائة للعام المقبل خاصة أنها تأمل أيضا في أن تؤدي أكبر تخفيضات للموازنة منذ الحرب إلى خفض نسبة العجز إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من عجز مقدر بنسبة 5.‏4 في المائة هذا العام.

وقال ميشيل مارتينيز الخبير الاقتصادي ببنك «سوسيتيه جنرال» إنه سيتعين على الحكومة الاستجابة للتراجع الاقتصادي حتى وإن كان أقل حدة منه في دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا.

وأضاف أنه «اختيار سياسي.. سيجدون أنفسهم أمام خيارين: إما أن يتخلوا عن خفض الميزانية ويفقدون هذا الهدف، وهو ما قد يضر بصورة فرنسا أمام الأسواق، وإما أن يقوموا بتصحيح الموازنة».

وتتوقع الحكومة الاشتراكية بقيادة الرئيس فرنسوا هولاند نموا بنسبة 8.‏0 في المائة في عام 2013 بعد 3.‏0 في المائة في 2012 وتأمل في أن تساعدها وفورات بقيمة 30 مليار يورو - من خلال خفض الإنفاق بمقدار 10 مليارات يورو ورفع الضرائب بقيمة 20 مليار يورو - على الوفاء بالتزاماتها الأوروبية بشأن تقليص العجز.

وأشار متوسط توقعات خبراء اقتصاديين استطلعت «رويترز» آراءهم إلى أن التقديرات الرسمية للربع الثالث التي ستنشر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) ستظهر انعدام النمو مجددا.

من جهة أخرى، تواجه مجموعات المصرفية الأوروبية صعوبات مالية، وقد اتفقت كل من فرنسا وبلجيكا على ضخ 5 مليارات و500 مليون يورو إلى مصرف «دكسيا» الفرنسي - البلجيكي للمرة الثانية، وفي ظل تفاقم الأزمة في عدة دول منذ بدايتها في اليونان وانتقالها بعد ذلك إلى آيرلندا والبرتغال، وبعد ذلك طلب إسبانيا الحصول على مساعدات لإنقاذ القطاع المصرفي، ووصول وفد «الترويكا» الدولي إلى قبرص التي تحتاج إلى 15 مليارا لمساعدتها على تجاوز الظروف الصعبة، وانطلقت بالفعل المحادثات بين الجانبين، بدأ الحديث عن الآثار النفسية والصحية للأزمة على المواطن الأوروبي، وفي هذا الصدد تنطلق اليوم (السبت) أعمال مؤتمر في ميلانو حول هذا الملف.

وتواجه المجموعات المصرفية الأوروبية المعروفة صعوبات، استدعت تدخل الحكومات لإنقاذها من خلال تخصيص مبالغ مالية لمواجهة تلك الصعوبات، والتي أدت إلى لجوء البعض منها إلى الاستغناء عن موظفيها أو بيع بعض الأصول. فرنسا وبلجيكا اتفقتا على ضخ 5 مليارات و500 مليون يورو إلى مصرف «دكسيا» الفرنسي - البلجيكي للمرة الثانية. «دكسيا» سجلت خسائر كبيرة في ربعها المالي الثالث تعادل مليارا و230 مليون يورو، نتيجة شطبها لأصول كثيرة. أما مجموعة «آي إن جي» المصرفية الهولندية فتعتزم إلغاء 2350 وظيفة بعدما سجلت تراجعا في أرباحها في ربعها المالي الثالث بمعدل 64 في المائة. المجموعة تتعرض لضغوط كبيرة لبيع أسهم في فرعها للتأمين منذ تلقيها لحزمة إنقاذ حكومية منذ نحو أربع سنوات. وفي أغسطس الماضي جرى الإعلان عن أن المصرف الهولندي «ING» يعتزم بيع فروعه للتأمين في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وقيل إن عملية بيع الفروع الآسيوية ستتم بصفقات متفرقة ليتمكن من تأمين ما يعادل 7 مليارات دولار. البنك كان قد تلقى حزمة إنقاذ عامة بقيمة 10 مليارات يورو في عام 2008، وهو يبيع بعض أصوله ليتمكن من تسديد ديونه للدولة الهولندية.

في السياق نفسه، تعتزم مجموعة «إيريكسون» السويدية للاتصالات اللاسلكية الاستغناء عن 1550 موظفا في السويد لتتمكن من مواجهة تراجع المبيعات في ظل المنافسة القوية التي تتعرض لها وتباطؤ النمو الاقتصادي الأوروبي، ومصرف «يو بي إس» السويسري يعتزم الاستغناء عن 10 آلاف موظف في إطار خطة إعادة هيكلة يركز فيها على الأعمال المصرفية والاستثمارات المحدودة عوضا عن التداولات المالية. الخطة تهدف إلى توفير 3 مليارات و600 مليون دولار. الموظفون المستغنى عنهم احتجوا على القرارات المتخذة، وقال أحدهم: «سياسة المصرف المعتمدة هي تحميل الموظفين ثمن جميع الخسارات، حتى الخسارات الصغيرة». خطوة المصرف تتزامن مع فرض قيود صعبة على التداولات المالية لخطورتها، حيث إنها أدت إلى خسارته 50 مليار دولار خلال الأزمة مما دفعه إلى التوجه نحو الأعمال الاستثمارية والمصرفية. أحد المحللين قال: «سنشهد مزيدا من الخسائر، جميع المصارف ستستغني عما يتراوح بين 10 و15 في المائة من قوتها العاملة في السنوات الأربع المقبلة، لأن التداول المالي يصعب حاليا». الأعمال المصرفية التي سيركز عليها المصرف تواجه صعوبات أيضا نتيجة الحد من السرية المصرفية السويسرية، لكنها أمنت أرباحا للمصرف في الربع المالي الثالث فاقت 7 مليارات فرنك، يأتي ذلك بعد أن توقع البنك المركزي الأوروبي أن يبقي فوائده بمعدل 0.75 في المائة في اجتماعه الخميس، وعوضا عن ذلك فقد يباشر بشراء سندات للدين فور مطالبة إسبانيا بذلك. وإعلان البنك المركزي الأوروبي عن استعداده لشراء سندات للدين الشهر الماضي طمأن الأسواق المالية، لكن منطقة اليورو ما زالت مهددة بحصول انكماش اقتصادي في الربع المالي الرابع، وحسب تقارير إعلامية أوروبية، فإن منطقة اليورو والمستثمرين يضاعفون ضغوطهم على إسبانيا لطلب حزمة إنقاذ، لكن إسبانيا ما زالت تمانع ذلك، وقد اشترت هذا الخميس سندات للدين متوسطة وطويلة الأمد بما يعادل 4 مليارات و800 مليون يورو، ما يفوق القيمة التي توقعتها.

وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي: «القرار يعود لإيطاليا وإسبانيا لا للبنك المركزي الأوروبي لاتخاذ قرار بشأن سندات الدين الإسبانية. أكرر، الآلية المالية لشرائنا لسندات للدين فعالة»، لكن رئيس الوزراء الإسباني يطالب بضمانات كشرط أساسي لطلب مساعدة. أما بالنسبة لليونان، فرحب دراغي بتصويت برلمانها على خطة تقشفية جديدة، وقال: «البنك المركزي الأوروبي والمجلس الحاكم يرحبان بنتيجة التصويت، الحكومة اليونانية والشعب اليوناني اتخذا خطوة مهمة». البنك المركزي الأوروبي استبعد تقديم مساعدات مالية جديدة لليونان، موضحا أنه لا يملك صلاحية تقديم مساعدات مباشرة لها.

وفي قبرص بدأت «الترويكا»، الجهات الدائنة، الجمعة، في نيقوسيا، جولة جديدة من المفاوضات مع الحكومة القبرصية بشأن خطة التقشف المطلوبة من الأخيرة مقابل حصولها على حزمة المساعدات الدولية التي تحتاجها. وتعد هذه ثالث جولة مفاوضات يجريها الجانبان في محاولة لتسوية الخلافات، والتوصل لاتفاق حول قيمة المساعدات التي تحتاجها قبرص لإنقاذ اقتصادها. وبدأ فريق من «الترويكا»، المؤلفة من البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، المحادثات في مقر البنك المركزي لقبرص. وتبرز من بين القضايا الأساسية التي ستتم مناقشتها خلال اللقاءات المساعدات التي يحتاجها قطاع المصارف القبرصي المتعثر من أجل إعادة رسملته، إلى جانب نظام الإشراف على المؤسسات الائتمانية، وهو محل خلاف بين الجانبين. واجتمع فريق من ممثلي «الترويكا» مع كبار مسؤولي المالية بقبرص، لإجراء أول نقاش للمالية العامة للبلاد. وبحسب وزير الاقتصاد القبرصي، فاسوس شارلي، فإن نقاط الخلاف مع «الترويكا» تشمل أيضا برنامجا من عمليات الخصخصة، يقترحه الخبراء الدوليون وتعارضه حكومة نيقوسيا. وكانت السلطات القبرصية قد بدأت مفاوضاتها مع «الترويكا» منذ خمسة أشهر، بعد أن باتت قبرص في 25 يونيو (حزيران) الماضي خامس دول منطقة اليورو التي تطلب مساعدة مالية من شركائها في تكتل العملة الموحدة. ووفقا لتقديرات وكالة «استاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، فإن قبرص قد تحتاج لنحو 15 مليار يورو (83 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي) لتحقيق التعافي لاقتصادها وقطاعها المصرفي.

وفي روما رأى عالم نفسي إيطالي أن تفاقم الأزمة المالية يؤدي إلى زيادة كبيرة في المعاناة الصحية والعقلية، مستشهدا بدولة اليونان والتي تضاعفت فيها حالات الاكتئاب بين الشباب تحت سن الـ35 لثلاث مرات خلال فترة الأزمة. الدراسة للعالم الإيطالي هي أحد الأبحاث التي يناقشها مؤتمر في ميلانو، يعقد من السبت وحتى الثلاثاء وتنظمه الرابطة العالمية للتأهيل النفسي والاجتماعي، ومن المتوقع أن يجتذب نحو 1500 خبير من 70 بلدا، وحسب رئيس المؤتمر أنجيلو بارباتو، من معهد ماريو نيغري للبحوث الدوائية في ميلانو، فإن «تأثير الأزمة على الحالة النفسية يعتمد على الخدمات الصحية التي يمكن أن تقدمها الدولة» لمواطنيها.