رئيس «سيمنز»: نستثمر مليارات في مشاريع خليجية وجذورنا في المنطقة تمتد إلى 150 عاما

بيتر لوشر لـ «الشرق الأوسط»: قررنا نقل مقرنا الرئيسي للنفط والغاز إلى أبوظبي لخوض المشاريع في مراحلها المبكرة

افتتاح أحد مشروعات الشركة في المملكة العربية السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

لشركة «سيمنس» الألمانية تاريخ حافل في المنطقة في كثير من المجالات، تقول إنه جذوره تمتد إلى نحو 150 عاما، ولديها استثمارات عريضة في مجالات الطاقة والصناعة وبرامج تبادل خبرات مع بعض الجامعات العربية. وفي السنوات الأخيرة حققت الشركة تعاقدات طموحة لبناء محطات الطاقة في منطقة الخليج مثل محطة رأس الزور في المملكة العربية السعودية ومحطة «الشويحات 3» في أبوظبي. ثم أقدمت الشركة على خطوة جريئة في عام 2010 بنقل مقرها الرئيسي لأعمال النفط والغاز إلى أبوظبي. وتعمل الشركة في 190 بلدا حول العالم، وهي من أكبر الشركات الصناعية الألمانية متعددة الجنسيات، ويقع مقرها الرئيسي في ميونيخ. وكانت الشركة قد تأسست في برلين في عام 1847 وبلغ حجم إيراداتها في العام الماضي 73.5 مليار يورو، ويعمل بها 370 ألف شخص في أنحاء العالم.

«الشرق الأوسط» أجرت هذا اللقاء في ميونيخ بألمانيا مع رئيس الشركة ومديرها التنفيذي بيتر لوشر للتعرف على جوانب نشاط الشركة في المنطقة، واستراتيجيتها للعمل في منطقة الخليج خصوصا بعد قرارها بنقل إدارة أعمال النفط والغاز في الشركة إلى أبوظبي:

* لماذا قررت الشركة نقل المقر الرئيسي لأعمال النفط والغاز إلى أبوظبي؟

- كان قرار نقل المقر الرئيسي خطوة استراتيجية للاقتراب من عملائنا في هذا الجزء المهم من العالم في مجال النفط والغاز. ويساعدنا وجود الإدارة في الشرق الأوسط على الانخراط في المشاريع في مراحلها المبكرة لنتمكن بالتالي من توظيف أحدث منتجاتنا وتقنياتنا لتشكيل النهج المستخدم في هذا القطاع. لذا كان لافتتاح مقرنا الرئيسي في أبوظبي في أول أكتوبر (تشرين الأول) 2010 رسالة قوية لأكبر شركات النفط في المنطقة. وبالتوازي مع ذلك، قام فريقنا الإقليمي المختص بالنفط والغاز بالانتقال من دبي إلى أبوظبي، مما وفر قوة بشرية مهمة تعمل كمنصة لمزيد من النمو بالتماشي مع توقعاتنا الاستراتيجية.

* هل لدى شركة «سيمنس» مخططات لمزيد من المشاريع في المملكة العربية السعودية بعد افتتاح منشأة تصنيع التوربينات الغازية فيها؟

- نحن نتطلع دائما إلى الفرص المحتملة لتوسيع بصمتنا والانخراط في الأسواق الرئيسية. وبشكل طبيعي فإن المملكة العربية السعودية تقع دائما في دائرة اهتمامنا بصفتها أكبر اقتصاد في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط ككل. ولذلك نحن متنبهون على الدوام لأي فرصة قد تنشأ في أي من القطاعات التي نعمل فيها؛ سواء كان ذلك في مجال الطاقة أو الرعاية الصحية أو الصناعة أو البنى التحتية والمدن.

* ما أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لشركة «سيمنس» وفي أي المجالات تنشط الشركة في تقديم المساعدة؟

- إن الشرق الأوسط ككل منطقة مهمة للغاية بالنسبة لنا في جميع القطاعات التي نعمل بها. وكما ذكرت، فإن المملكة العربية السعودية هي إحدى الأسواق الرئيسية لنا لكونها أكبر اقتصادات المنطقة. إلا أننا وبشكل عام نرى الفرص في جميع دول الشرق الأوسط، فجميعها تواجه تحديات متشابهة مثل الزيادة المطردة في التعداد السكاني، والحاجة لإيجاد فرص عمل بالإضافة إلى الحاجة لبناء بنى تحتية في مجالات الرعاية الصحية والنقل والطاقة والأتمتة وغيرها الكثير. كما أن «سيمنس» حاضرة في كل بلدان المنطقة وتدعم التطور الجاري في مجالي التنمية الاجتماعية والأعمال. ويوجد لدينا محفظة من الخدمات المتنوعة، ومع استمرار دول الخليج في تحقيق عائدات مرتفعة من النفط والغاز، فإنها تقوم أيضا باستثمارات كبيرة ومتعددة.

ولدى «سيمنس» تاريخ طويل في المنطقة يزيد على 150 عاما. ونظرا لمحفظتنا الواسعة من الأنظمة والحلول، فإننا في موقع يمكننا منه أن نكون الشريك والمحرك الرئيسي في تحقيق أهداف المنطقة الطموحة، سواء للمشاريع المتعلقة بالبنى التحتية عالية المستوى، مثل الاستعدادات لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، أو بناء محطات طاقة عالية الكفاءة، أو توفير رعاية صحية متطورة، أو أنظمة وحلول للمياه.

* ما الذي تحتاجه منطقة الشرق الأوسط لتستفيد من التحول التقني والمعرفي الذي تطرحه «سيمنس»؟

- لقد حددت دول منطقة الشرق الأوسط مجموعة واضحة من الأهداف المستقبلية. وتقع على عاتق مزودي التقنيات مثل «سيمنس» مسؤولية تلبية هذه المتطلبات، وذلك بفضل تاريخها الإقليمي العريق وفهمها العميق للمنطقة.

ويتعين على المعنيين في المنطقة التعاون لتحقيق هذا التحول المعرفي والتقني. حيث لا يمكن لأي تحول تقني ومعرفي حقيقي ومستدام أن يتحقق في جميع القطاعات إلا بتعاون جميع الأطراف في تطوير المعرفة الفنية والخبرات لتأسيس إطار عمل للشركات والمؤسسات.

وتعمل «سيمنس» على تحقيق هذا الهدف عن طريق الانخراط بشكل وثيق مع جميع شركائها في المنطقة، وتوسيع وجودها القوي على الأرض، وتوفير الخدمات لعملائها أينما كانوا، بالإضافة إلى تحقيق القيم الأساسية للشركة المتمثلة في التميز التقني والابتكار والجودة والموثوقية.

* ما المشاريع الأخرى التي تعمل عليها الشركة في الشرق الأوسط؟ وما الحجم التقريبي لإجمالي عملياتكم في العالم العربي؟

- نظرا لتنوع وعمق محفظتنا، فإن مشاريعنا في الشرق الأوسط تتراوح بين طلبات لأعمال بقيمة بضعة آلاف من الدولارات في قطاع الأتمتة الصناعية إلى صفقات تزيد قيمتها على المليار دولار في مجال محطات الطاقة، مثل رأس الزور في المملكة العربية السعودية أو الشويحات 3 في أبوظبي.

ومن أهم مشاريعنا مؤخرا في الدوحة، حصولنا على عقد بمئات الملايين من الدولارات من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لبناء نظام الترام الأكثر توفيرا للطاقة على مستوى المنطقة. ويتضمن المشروع تزويد الترام بأنظمة تخزين طاقة هجينة يمكنها العمل دون خط تماس رأسي، بالإضافة إلى تميزها من ناحية الاقتصاد في استهلاك الطاقة وكونها صديقة للبيئة.

أما فيما يتعلق بعملياتنا في المنطقة، فإن «سيمنس» توظّف أكثر من 8000 شخص في الشرق الأوسط، منهم نحو 2000 في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط مسؤولة عن حصة كبيرة من الطلبات التي تردنا، وظهر ذلك جليا في الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية.

* كيف تنقل الشركة معرفتها وخبراتها إلى الشباب المحلي؟

- شركتنا مدركة تماما لأهمية وضرورة نقل المعرفة والخبرات الفنية. وهذا أمر نعمل عليه مع شركائنا المحليين في الشرق الأوسط بشكل فعّال، كما هو الحال في باقي أنحاء العالم.

كما أننا ندرك حاجة المنطقة لخلق فرص عمل للشباب، ونلتزم بلعب دور فعّال في معالجة هذه المسألة وتقديم يد العون في بناء قاعدة قوية من رأس المال الفكري والبشري، وذلك ليس لكونه الأمر الصحيح فحسب، بل ولأنه منطقي تجاريا بالنسبة لنا على المدى الطويل. كما أننا نعمل على تأسيس قدرات بحث وتطوير في المنطقة، ونتطلع إلى توظيف الكوادر الوطنية المؤهلة والمتعلمة والمدركة لأوضاع السوق المحلية. كما تعمل «سيمنس» على تقديم فرص تنمية مهنية «سريعة» لخريجي الدراسات العليا الجدد لتمكينهم من تنمية مهاراتهم الإدارية عن طريق برنامج «سيمنس» للخريجين.

- ما مدى صعوبة امتثال الشركة لأهداف الاستدامة وهل تنوي نقل هذه «المعرفة» أيضا إلى شركائها؟

- نحن على خطى تحقيق أهداف الاستدامة للشركة. كما أننا ماضون في محفظتنا الصديقة للبيئة التي تساعد العملاء على تحقيق أهدافهم. وقد ساعدت خدماتنا وحلولنا الصديقة للبيئة العام الماضي في توفير أكثر من 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يشكل قرابة 1 في المائة من إجمالي انبعاثات هذا الغاز في العالم لعام 2010.

* بوصف «سيمنس» إحدى الشركات الرائدة عالميا، ما بصمتها الجغرافية؟ ومن هم شركاؤها الرئيسيون؟

- دعني أبدأ بالتأكيد على أننا ناشطون في أكثر من 190 بلدا حول العالم، ولدينا حضور محلي في معظم هذه الدول. كما أن للشركة أكثر من 285 موقع تصنيع، بالإضافة إلى المباني الإدارية والمخازن ومرافق البحوث والتطوير ومكاتب البيع في كل بلد. ولدينا ما يقرب من 360 ألف موظف حول العالم.

وهذه الشبكة العالمية تمكننا من التفاعل مع مختلف الشركاء، بدأ من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الكبيرة منها. وما يهمنا عند إبرام أي شراكة هو أن يكون شركاؤنا مثلنا روادا محليين وعالميين في الوقت ذاته. وهذا ما نفعله في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال قمنا بتأسيس شركات إقليمية في عدة دول بما فيها المملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان، وذلك للحفاظ على مراكزنا التقنية في الأسواق المحلية في قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والصناعة والبنى التحتية والمدن. ونتيجة لذلك تتمتع «سيمنس» بمركز ممتاز يخول لها تزويد عملائها بالحلول والأنظمة الهادفة والمصمّمة خصيصا لاحتياجاتهم.

كما أننا ناشطون في كثير من المواقع والدول عن طريق العمل بشكل وثيق مع الجامعات الرائدة. ففي المملكة العربية السعودية نعمل مع المعهد التقني السعودي لخدمات البترول، وفي مصر نعمل على إشراك الجامعات المنتشرة فيها في مسابقات صناعية وبيئية، كما نتعاون مع جامعة القاهرة.

* ما هي طموحات «سيمنس» للأعوام الـ5 المقبلة؟

- تتمتع «سيمنس» بمركز قوي حاليا وتهدف لمتابعة نمو أرباحها. وبشكل أساسي، تتضمن نقاط تركيزنا للأعوام الخمسة المقبلة ما يلي:

- متابعة توسيع أعمالنا في الأسواق الناشئة.

- التحول إلى رواد الصناعات الصديقة بالبيئة «الخضراء».

- التحول إلى رواد في تكنولوجيا المعلومات الرأسية.

- التحول إلى مركز لاستقطاب المواهب.

- متابعة تنمية أعمال الخدمات.

- تعزيز محفظتنا عن طريق النمو الداخلي وعمليات الاستحواذ.

* ما إنجازاتكم أو ابتكاراتكم التي تعد أكبر مصدر فخر لشركة «سيمنس» في السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بالمنتجات أو الحلول؟

- دعني أعطك مثالين؛ حققت منشآتنا الأحدث في مجال تصنيع توربينات الغاز معدلا في الكفاءة قدره 60.75 في المائة في تشغيل الدورة المركبة مع التوربينات البخارية، وهو رقم قياسي على مستوى العالم.

وفي قطاع الرعاية الصحية، قمنا بتطوير جهاز رسم حيوي يدمج ما بين تقنيتي التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي بالانبعاث البوزيتروني في نظام واحد. ويمكّن هذا النظام الأطباء من معاينة موقع العضو ووظائفه واستقلاب الخلايا في صورة واحدة ومن أول مرة، وهذا تطور مهم للغاية في مكافحة الأمراض الخطيرة مثل السرطان وتراجع القوى العقلية مع التقدم في السن.