غضب شعبي يعم أوروبا احتجاجا على إجراءات التقشف الحكومية

خلافات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي حول خفض موازنتها

مواجهات بين متظاهرين والشرطة اليونانية وسط العاصمة أثينا (رويترز)
TT

في الوقت الذي خرجت فيه مظاهرات غاضبة في عدة عواصم أوروبية للتعبير عن السخط والغضب بسبب السياسات المالية والاقتصادية الأوروبية، ومنها خطط التقشف والاستغناء عن العمال في عدد من الشركات والمؤسسات وارتفاع مستويات البطالة، فشلت المؤسسات الأوروبية في بروكسل في إنهاء الخلافات حول موازنة العام المقبل، وأصبح الأمل الآن معقودا على اجتماع استثنائي وزاري يوم 20 من الشهر الحالي، يسبق قمة استثنائية على مستوى قادة الدول الأعضاء لاتخاذ قرار بشأن موازنات التكتل الأوروبي الموحد.

من جانبها، أكدت منظمة العمل الدولية أن أكثر من 70 في المائة من العمال بكل أنحاء العالم ليست لديهم إمكانية للحصول على تأمين ضد بطالة أو أي نوع آخر من الحماية حال فقدان وظائفهم. وكما هو الحال في عدة عواصم أوروبية، فقد خرجت مظاهرة في بروكسل ظهر أمس الأربعاء شارك فيها مائتا شخص من أمام السفارة الإسبانية، وضمت وفدا يمثل مختلف النقابات العمالية توجه إلى داخل السفارة لتسليم رسالة تتضمن التعبير عن القلق بسبب سياسات التقشف الأوروبية، وتوجهت المظاهرة بعد ذلك إلى السفارة الألمانية، وقام المتظاهرون بإلقاء البيض على مبنى السفارة، والتقوا في الطريق بتجمع آخر من العمال من نقابات مختلفة انطلقوا من أمام السفارة اليونانية، وتوجه الجميع إلى منطقة شومان حيث توجد المؤسسات الأوروبية، واستعملوا الطبل والصفير والهتافات وحاول البعض منهم إثارة غضب رجال الشرطة الذين أشرفوا على حراسة وتأمين المظاهرة.

جاء ذلك بينما توقفت حركة القطارات في بلجيكا بشكل كامل أمس الأربعاء، فيما بدأ عمال وموظفو العديد من القطاعات إضرابات واعتصامات تجاوبا مع دعوة النقابات الأوروبية لتحرك عام احتجاجا على إجراءات التقشف التي قررتها العديد من الحكومات الأوروبية، وتم تسجيل اضطراب واضح في حركة القطارات الدولية التي تربط بروكسل بالعديد من العواصم الأوروبية، مما تسبب في إرباكات كبيرة في حركة النقل في البلاد. وأشارت النقابات في بلجيكا إلى أن هناك العديد من القطاعات استجابت للدعوة للإضراب «هناك إضراب في العديد من المؤسسات التعليمية والصحية، بالإضافة إلى اضطراب وتباطؤ في حركة حافلات النقل العام البري في جنوب وشمال البلاد»، وفق النقابات. وأضافت أن الإضراب في بلجيكا لم يصل إلى مستوى الإضراب العام «إلا أن التحرك النقابي سيشمل أيضا توزيع منشورات في العديد من الشركات وتوقفا مرحليا عن العمل لعدة ساعات»، وفق تعبيرها.

وكانت إدارة مطار بروكسل الدولي قد أعلنت عن إلغاء العديد من الرحلات المتجهة إلى إسبانيا والبرتغال بسبب الإضراب العام والشامل في هذين البلدين. ويأتي هذا التحرك في الوقت الذي تتعرض فيه العديد من الدول الأوروبية لإجراءات تقشفية غير مسبوقة. وتتحضر الحكومة البلجيكية لفرض مزيد من الضرائب والتدابير «القاسية» لتصحيح موازنة الدولة، وفشلت اجتماعات وزراية في بلجيكا استمرت طوال الأيام العشرة الماضية في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الخطوات المطلوبة لإقرار الموازنة حتى لا تتعدى نسبة العجز المقررة أوروبيا. وجاءت الإضرابات والمظاهرات بعد أن دعت النقابات العمالية في إسبانيا لثاني إضراب عام خلال العام الحالي ضد السياسة الاقتصادية للحكومة. ويأتي هذا الإضراب العام الذي تمت الدعوة له أيضا في البرتغال في إطار يوم «العمل والتضامن» في جميع أنحاء أوروبا. ويعد هذا هو ثالث إضراب عام في البرتغال، التي تخضع لشروط خطة إنقاذ مالي منحت في مايو (أيار) من العام الماضي، خلال 16 شهرا من الحكومة المحافظة.

وفي اليونان، دعت الكونفيدرالية الرئيسية لنقابات العمال في القطاع الخاص أمس الأربعاء لإضراب خلال ثلاث ساعات. ودعت الكونفيدرالية العامة الإيطالية للعمل التي تمثل النقابة الرئيسية في البلاد بجانب نقابات أخرى إلى إضراب خلال أربع ساعات. ويسعى الإضراب للاحتجاج ضد ميزانية عام 2013 التي تطبقها حكومة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي. ودعت النقابات الخمس الرئيسية في فرنسا عمال القطاعين العام والخاص إلى الإضراب الأوروبي في جانب كبير من أقاليم البلاد بهدف منع تنسيق السياسات الاقتصادية. وفي بلجيكا، دعت قطاعات مثل قطاعي التعدين والسكك الحديدية إلى إضراب احتجاجا على إجراءات التقشف. ودعت الكونفيدرالية الألمانية للنقابات لعدة مظاهرات في عدد من مدن البلاد منها واحدة في برلين.

وفي بريطانيا، نظم «ائتلاف المقاومة» مظاهرة أمام مقر المفوضية الأوروبية بلندن حظيت بدعم كونفيدرالية النقابات البريطانية. وتعتزم النقابات الهولندية تنظيم مؤتمر للإعراب عن التضامن مع العمال الذين يعانون في جميع أنحاء أوروبا.

وفي ما يتعلق بملف الموازنة، قال المجلس الأوروبي ببروكسل إنه أحيط علما بانتهاء المفاوضات بين المجلس الوزاري والبرلمان الأوروبي حول الموازنة العامة لـ2013، من دون التوصل إلى اتفاق. وفي بيان صدر ببروكسل، أشاد المجلس بالجهود التي بذلتها الرئاسة القبرصية الدورية للاتحاد لإنهاء الخلاف، وفي الوقت نفسه قال المجلس إن الاجتماعات تمخضت عن اتفاق يظهر روح التضامن الأوروبية من خلال تخصيص مبالغ مالية لمساعدة الحكومة الإيطالية عقب التعرض لسلسلة من الزلازل خلال العام الحالي. وظل الخلاف قائما بين البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، الذي يمثل الدول الأعضاء حول الموازنة، وأصر كل طرف على موقفه.

وفي ظل استمرار الخلافات حول تقليص الموازنات، ستنعقد الآمال على اجتماع وزاري في العشرين من الشهر الحالي، يسبق قمة استثنائية مخصصة لهذا الملف يوم الثاني والعشرين من الشهر الحالي في بروكسل. وتبادل البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي الاتهامات بشأن المسؤولية عن انهيار محادثات ميزانية الاتحاد الأوروبي لعام 2013 التي كانت مقررة الليلة. وقال الوزير القبرصي المكلف بالشؤون الأوروبية أندرياس مافرويانيس، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي، في مؤتمر صحافي، إن «المجلس أحيط علما باستحالة التوصل إلى اتفاق مع البرلمان الأوروبي بشأن ميزانية عام 2013». وأضاف أن محادثات الميزانية فشلت، واتهم البرلمان الأوروبي بالافتقار إلى المرونة قائلا «نحن نشعر بخيبة أمل». وكان رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز قال في وقت سابق إن مفاوضي البرلمان لن يحضروا الاجتماع مع المجلس بشأن محادثات الميزانية لعام 2013 ليلة أول من أمس الثلاثاء، لأنه لا يوجد اتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول الميزانية التكميلية للعام الحالي. وقال آلان أماسور، الذي يرأس لجنة البرلمان الأوروبي للميزانية، في بيان منفصل، إن البرلمان على استعداد للتفاوض على الميزانية التي تحتاجها أوروبا لعام 2013، لكننا نريد التعامل أولا مع ما تراكم من عام 2012. يذكر أن البرلمان الأوروبي يرغب في زيادة الميزانية بنسبة 6.8 في المائة في عام 2013، إلا أن المجلس يريد الحد من الزيادة إلى نسبة 2.8 في المائة.

وعلى صعيد الدول التي شهدت إضرابات واعتصامات الأربعاء، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلي للبرتغال خلال الربع الثالث من هذا العام بواقع 3.4 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفع معدل البطالة بهذا البلد الأوروبي إلى 15.8 في المائة. ووفقا للبيانات الصادرة عن المعهد الوطني البرتغالي للإحصاء، فإن حدة الركود ارتفعت في الدولة الأوروبية التي يعاني مواطنوها من برنامج تقشف صارم واقتطاعات في الميزانية، بهدف الوفاء بشروط برنامج المساعدات المالية التي حصلت عليه البلاد. وقد سجل إجمالي الناتج المحلي للبرتغال خلال الربع الثالث من هذا العام انخفاضه الفصلي الثامن على التوالي، متراجعا بنسبة 0.8 في المائة مقارنة بالربع الثاني من 2012. وشهدت البرتغال إضرابا عاما احتجاجا على سياسة التقشف التي تطبقها حكومة لشبونة المحافظة.

وفي مدريد، سجل مؤشر سعر المستهلك في إسبانيا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) أعلى ارتفاع شهري منذ العام الماضي، وبلغ معدل التضخم بلغ في الشهر نفسه 3.5 في المائة بعد أن بلغ 3.4 في المائة في شهر سبتمبر (أيلول). وهذا الارتفاع يحبط الآمال في حصول انتعاش اقتصادي، فارتفاع الأسعار يؤدي إلى هبوط الطلب. وستقرر إسبانيا هذا الشهر ما إذا كانت ستزيد الرواتب لتواكب ارتفاع التضخم أم لا، لكن البنك المركزي الإسباني حذر من رفع الرواتب في ظل الركود الاقتصادي الإسباني. وفي باريس، أكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على ضرورة «إعادة التوجه نحو أوروبا» من أجل الخروج من نفق الأزمة المالية، متعهدا بخفض ديون بلاده واستعادة قدرتها التنافسية. وأوضح هولاند خلال خطاب شعبي أن بلاده «تعيش مرحلة ما هو أبعد من الأزمة، وهو تغير العالم بأسره». وأشار في مؤتمر صحافي هو الأول له منذ توليه الحكم قبل ستة أشهر «مهمتي هي استعادة النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة»، مطالبا الشعب بمساءلته عقب انقضاء فترة حكمه عما حققه في هذين الشأنين على وجه الخصوص. وأكد هولاند أنه منذ فوزه بمقعد الرئاسة على حساب سلفه نيكولا ساركوزي في الـ15 من مايو الماضي نجح في تنفيذ الكثير من وعوده الانتخابية. كما دافع عن موقف الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من مساعدة اليونان في أزمتها الراهنة.

من جانبها، أكدت منظمة العمل الدولية أن أكثر من 70 في المائة من العمال بكل أنحاء العالم ليست لديهم إمكانية للحصول على تأمين ضد بطالة أو أي نوع آخر من الحماية حال فقدان وظائفهم. وذكرت المنظمة في بيان أن «الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة ساعدت على إبراز أهمية التأمين ضد البطالة»، مشيرة إلى أن 72 فقط، من إجمالي 198 دولة تمت دراسة الأوضاع بها، توفر نوعا من الحماية للعامل الذي يفتقر لوظيفة. وفي ما يتعلق بالتأمينات ضد البطالة، أكدت منظمة العمل الدولية أن نسبة العاطلين الذي يفتقرون للحماية من هذا الوضع لا تزال مرتفعة، وإذا ضمت إليها نسبة العمال الذين لا يحظون بتأمين اجتماعي لفترة كافية، فإنها ستصل إلى 86 في المائة من العاطلين.. «ويعني هذا أن 86 في المائة من إجمالي 40 مليون شخص غادروا سوق العمل منذ عام 2008 ليس لديهم دخل منتظم»، وفقا لخبير الحماية الاجتماعية بمنظمة العمل، فلورنس بونيه.

ومن جانب آخر، أكدت المنظمة الدولية أن الشباب هم أكثر المتضررين من هذه المشكلة، لأنهم إذا فقدوا وظيفتهم بعد فترة قصيرة من دخولهم سوق العمل فربما لا يكونون قد سجلوا فترة كافية في التأمين الاجتماعي ليتمتعوا بالحق في الحصول على إعانة مالية من البطالة. وأشارت منظمة العمل إلى أن 16 من الدول التي تمت دراسة الأوضاع بها تقدم إعانة بطالة للشباب العاطلين الذين يبحثون عن أول فرصة عمل. وعن معدلات الحماية من البطالة، بينت منظمة العمل الدولية أنها تكون مرتفعة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية ووسط وشرق أوروبا، حيث تصل إلى 80 في المائة، بينما قد تقل عن 10 في المائة في أفريقيا، وعن 40 في المائة في أميركا اللاتينية والكاريبي، وعن 20 في المائة في الشرق الأوسط وآسيا.