مصرفيون عرب يحذرون من تزايد القلق الاقتصادي العالمي

حاكم مصرف لبنان: حرب العملات تعكس تحول العالم من الانفتاح إلى الحمائية

البنك المركزي اللبناني («الشرق الأوسط»)
TT

أجمع مصرفيون عرب على التحذير من صعود موجة القلق الاقتصادي في المنطقة في ظل ما تشهده من تغييرات غير مسبوقة في حجمها وسرعتها، بموازاة موجة مماثلة تنتجها الاختلالات الاقتصادية والصعوبات المالية في العديد من أكبر الاقتصادات والأسواق الدولية. فيما تتعزز المخاوف من تنامي التوجه للتخلي عن مفاهيم الحرية الاقتصادية واستعادة مشهد تعدد مراكز الاستقطاب الدولي على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية.

وحذر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في افتتاح أعمال المؤتمر المصرفي العربي الذي بدأ أعماله أمس في بيروت، من تراكم المعطيات التي تكرس الابتعاد عن سياسات الانفتاح وعودة الاقتصاد العالمي إلى نهج الحمائية، التي تعكس حرب العملات أحد أهم مظاهرها في الأسواق الدولية.

ولفت إلى تعدد «الأسباب المؤدية إلى القلق على المستقبل الاقتصادي والمالي عالميا وفي المنطقة، ومن أهمها أزمة الديون السيادية في أوروبا والانكماش في التسليف في هذه القارة، إذ إن المصارف الأوروبية مطالبة بتخفيض رافعتها المالية بين تريليونين و3 تريليونات دولار أميركي، ومحاولة الولايات المتحدة مرة أخرى لرفع سقف مديونيتها، والتراجع في النمو لدى الدول الناشئة. إضافة إلى فقدان الدول العربية غير النفطية احتياطياتها من العملات الأجنبية وانزلاقها نحو النمو الاقتصادي السلبي».

واعتبر رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، الدكتور جوزيف طربية، أن «نتائج الربيع العربي في حلوها وفي مرها لا تزال في جزء كبير منها في مرحلة المخاض، ولن تتخذ مفاعيلها النهائية إلا بعد مسيرة يشوبها الكثير من الحذر وعدم اليقين. وسيزداد الوضع تعقيدا بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية التي تحط بثقلها على مجريات الأحداث في منطقتنا».

وأشار إلى أن «الأزمات الاقتصادية تحط بثقلها على بلدان كثيرة في العالم كدول أوروبا المتعثرة اقتصاديا على غرار اليونان وإسبانيا، وبعض دولنا العربية الغارقة تحت وطأة الحروب والانقسامات. إلا أنه، وعلى الرغم من ضبابية المشهد وعدم وضوح الرؤية في الوقت الحاضر، تجدنا مدعوين للتضامن والعمل على إحداث تغييرات حقيقية في مجتمعاتنا واقتصاداتنا».

وقال طربية «في الواقع أن تاريخنا يكتب في خضم هذه التغيرات، ومصارفنا العربية موجودة في صميم المشكلات الكبرى التي تتخبط فيها المنطقة العربية، ومنها ضعف النمو الاقتصادي والبطالة وعدم الاستقرار والفساد. ومن نافل القول إن نجاح المصارف العربية في أداء دورها يتطلب رسم استراتيجيات تتعامل بمرونة مع مجريات الأحداث الحاصلة على الساحات الدولية والإقليمية والمحلية. ولا تنقصنا في العالم العربي لا الكفاءات البشرية ولا الإمكانات، وإنما تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي كي تمهد لمناخات الاستثمار في عالمنا العربي ولتفعيل العلاقات الاقتصادية البينية».

واختار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي منصة المؤتمر لتسليط الضوء على الأوضاع المحلية، فاعتبر أن «لبنان يعيش وسط تحولات عربية وعالمية، لكن نسبة النمو لا تزال إيجابية مع الحفاظ على مستوى منخفض نسبيا من التضخم. ورغم تأثر لبنان سلبا بالأحداث في المنطقة والعالم فإنه كان من أقل الدول تعرضا لتأثيرات الأزمة المالية العالمية، وكان قطاعه المصرفي أكثر مناعة».

وأوضح أن «الحكومة تقوم بدراسة خطط عمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تتمحور حول تدعيم الإطار الاقتصادي ومساعدة القطاع الخاص وإعادة تأهيل البنى التحتية والعمل على الإصلاح المؤسساتي. كما عملت على عدة صعد اقتصادية والكثير من المشاريع التي أقرت، ومنها قانون الأسواق المالية، وقانون مكافحة تبييض الأموال، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتعديل قوانين بعض المؤسسات الرقابية. كذلك تعمل الحكومة على إصلاح منهجية إعداد الموازنة وإنشاء هيئة لإدارة الأصول العامة وإصدار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وعمدت إلى تشكيل هيئة إدارة قطاع البترول، كما يتم تفعيل النقل البري والبحري عبر توسيع المرافئ».

وفي البعد اللبناني أيضا، أكد حاكم البنك المركزي «تجاوز المصارف مرحلة الشك بالتزام واحترام القواعد الدولية لمكافحة تبييض الأموال كما الالتزام بتطبيق العقوبات التي أقرت في الأمم المتحدة أو في الجامعة العربية أو إفراديا في دول نتعامل بعملاتها أو مع مصارفها. فيما يعمل مصرف لبنان أيضا على تعزيز وتحفيز التسليف بهدف زيادة الطلب الداخلي حيث ستنمو التسليفات بنسبة 10 في المائة هذا العام وذلك إدراكا منا لأن النمو وفرص العمل يأتيان من النجاح في توسيع حجم الاقتصاد اللبناني».

وفي تصريح منفصل نقلته «رويترز»، أشار حاكم البنك المركزي إلى أن «البنوك اللبنانية في سوريا خسرت 400 مليون دولار خلال الصراع الدائر هناك منذ 20 شهرا». وذكر أن الحكومة تعتزم مبادلة 1.5 مليار دولار من السندات العالمية عندما يحل أجلها في 2013، كما ستصدر أيضا سندات عالمية جديدة.

ومن جهته، اعتبر طربية أنه «لا اقتصاد من دون أمن، ولا أمن من دون تشاور وحوار وتضافر جهود». فيما تواصل مصارف لبنان أداءها الجيد على الرغم من الظروف الداخلية وظروف المنطقة الصعبة. فقد سجلت قاعدة الودائع نموا بنسبة 5.4 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، بالمقارنة مع 6 في المائة للفترة المماثلة من عام 2011. أما قاعدة التسليفات فقد سجلت نموا نسبته 7.4 في المائة مقارنة بنسبة 11 في المائة للفترة المماثلة من عام 2011. وسجل احتياطي المصرف المركزي بالعملة الأجنبية المستوى الأعلى له متخطيا عتبة 35 مليار دولار في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.