الشركات الخليجية تتطلع للأسواق الناشئة لتحقيق النمو

بعد عقود من الاستثمار في الدول المتقدمة

جانب لأكبر بنوك دبي «إن بي دي» الذي يسعى للاستثمار في أفريقيا (رويترز)
TT

تتطلع الشركات الخليجية والمستثمرون المدعومون من الحكومات والذين يتمتعون بوفرة في السيولة ويواجهون خيارات محدودة للنمو في أسواقهم المحلية إلى الأسواق الناشئة في أفريقيا وآسيا للحصول إلى موطئ قدم في قطاعات رئيسية مثل البنوك والاتصالات.

ومنذ سنوات يضخ مستثمرون من الخليج أموال النفط في أسواق متقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. والتركيز المستمر على بلدان أقل تقدما أمر جديد وربما يكون له آثار كبيرة على الاقتصادات التي ستتدفق عليها هذه الأموال.

ويعد بنك الإمارات دبي الوطني أكبر بنوك دبي أحد النماذج على هذا التوجه إذ قال المدير التنفيذي للبنك ريك بودنر لقمة «رويترز» للاستثمار في الشرق الأوسط هذا الأسبوع، إن البنك يسعى إلى عمليات استحواذ محتملة في مناطق بينها أفريقيا. وأضاف بودنر: «إذا ما كانت هناك فرصة جيدة للاستفادة من ضعف أسعار الأصول في المنطقة فيجب عليك أن تدرسها».

وتظهر بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات بداية هذا التوجه. فقد ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول العربية ومعظمها من الخليج 24 في المائة إلى 6.‏24 مليار دولار العام الماضي بينما قفزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من كافة دول العالم 17 في المائة إلى 69.‏1 تريليون دولار. وكانت الزيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر العربي، لافتة إلى أنها حدثت خلال انتفاضات الربيع العربي والتي ربما كان من المتوقع أن تكبح التدفقات مع إحجام معظم الشركات عن المخاطرة.

ويقف حافزان رئيسيان وراء تدفق الاستثمارات الخليجية على الأسواق الناشئة. يتمثل الحافز الأول في أن نمو الشركات الخليجية تجاوز استيعاب أسواقها المحلية وتضطر إلى التوجه للخارج حتى تستطيع مواصلة النمو. فقطر على سبيل المثال لديها 20 بنكا تخدم نحو مليون نسمة هم كل سكان البلاد. ويجري بنك قطر الوطني وهو أكبر بنوك الدولة الخليجية بقيمة سوقية تزيد على 25 مليار دولار مفاوضات في مرحلة متقدمة لشراء البنك الأهلي سوسيتيه جنرال الذراع المصرية لبنك سوسيتيه جنرال. ووافقت شركة اتصالات قطر (كيوتل) المملوكة للدولة في يونيو (حزيران) على مضاعفة حصتها إلى المثلين في آسياسيل ثاني أكبر شركة لخدمات الهاتف الجوال في العراق إلى 60 في المائة مقابل1.47 مليار دولار. وربما تسعى للحصول على حصة في اتصالات المغرب بعد أن قالت «فيفندي» الفرنسية الشهر الماضي إنها تلقت أربعة خطابات لإبداء الاهتمام بعملية البيع المحتملة لحصتها في الشركة المغربية التي تبلغ 53 في المائة.

أما الحافز الآخر فأكثر إيجابية، إذ تعتقد الشركات الخليجية أن مهاراتها وخلفياتها تمنحها ميزة تنافسية في اقتناص بعض الفرص في الأسواق الناشئة. ومن بين المجالات التي تعتزم الهيمنة عليها قطاع المصارف الإسلامية المتوقع أن ينطلق في شمال أفريقيا بعد الإطاحة بأنظمة شمولية هناك العام الماضي.

وقال جمال عبد الملك، رئيس مجلس إدارة مصرف التجارة والتنمية الليبي: «نجد اهتماما كبيرا من البنوك الخليجية والإقليمية التي ترغب في دخول السوق الليبية خاصة تلك التي تعمل وفقا لإحكام الشريعة الإسلامية». وتمنع دول مثل السودان المنكوب بالحروب والفقر وصراع يمتد لعشرات سنوات مع جنوب السودان المستثمرين الأجانب، لكنه يبدو سهل المنال بالنسبة للخليج بسبب الروابط الثقافية والسياسية. وذكر فادي الفقيه، المدير العام لبنك الخرطوم، أن المستثمرين في البنك الذي تمتلك بنوك خليجية معظمه بينها بنك دبي الإسلامي ومصرف الشارقة الإسلامي، يعتزمون زيادة رأسمالهم. وقال لقمة «رويترز» للاستثمار في الشرق الأوسط، إنه ستتم زيادة رأس المال خلال عامين إلى مليار جنيه سوداني (225 مليون دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي) من 300 مليون جنيه مما يتيح للبنك توسيع مشاريعه المالية والزراعية والتعدينية في البلاد.

وقال بودنر المدير التنفيذي لبنك الإمارات دبي الوطني إن وضع دبي كمركز مالي وتجاري يربط الكثير من المجموعات الرئيسية من الأسواق الناشئة يجعل من المنطقي أن يفكر البنك في الاستثمار في هذه الأسواق.

وتابع: «تتمثل استراتيجيتنا في الأمد الطويل في الاستفادة من النفوذ المتنامي لدبي فيما يتعلق بمواقع تسهيل التجارة وتدفقات رأس المال بين أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا نعتقد أن دبي في موقع نموذجي للربط هذه التدفقات معا».

وتباطأت الشركات الأجنبية في دخول الأسواق الآسيوية مقارنة بأسواق أفريقيا لكن كثيرا من المصرفيين يعتقدون أن الاتجاه إلى آسيا مسألة محسومة وقد تبدأ قريبا. وفي فبراير (شباط) من العام الماضي استكمل بنك قطر الوطني الاستحواذ على حصة أغلبية في بنك كيساوان الإندونيسي.

ومع ارتفاع أسعار النفط يتمتع الخليج بمزيد من الأموال لاستثمارها في الخارج أكثر مما يمكن أن ينفق في الاستحواذ على الشركات والاستثمارات وبالتالي بدأت بعض أموال الخليج السائلة في التدفق على سندات الأسواق الناشئة. وبشكل تقليدي يصب مستثمرو السندات في الخليج تركيزهم على المنطقة. لكن في سبتمبر (أيلول) اشترى مستثمرو الخليج نحو 60 في المائة من أول إصدار تركي لصكوك إسلامية بما إجماليه 5.‏1 مليار دولار. واعتبر هذا مؤشرا على استعداد الصناديق الخليجية للمغامرة في غير أسواقها المعتادة وربما يعقب ذلك استثمارات خليجية في سندات تعتزم إصدارها دول شمال أفريقيا الساعية لإصلاح مالياتها العامة بعد الربيع العربي.