الاتحاد الأوروبي على محك أزمة موازنته وديونه السيادية

وسط توقعات بغرق منطقة اليورو في ركود بتداعيات عالمية

TT

انعقدت الأربعاء ببروكسل جولة جديدة من المحادثات بين المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي حول ملف موازنة العام 2013، محادثات وصفت بأنها الفرصة الأخيرة لتسوية الخلافات بين المجلس الوزاري الأوروبي والبرلمان والمفوضية الأوروبية، وكانت الأخيرة قدمت اقتراحا جديدا بشأن موازنة الاتحاد الأوروبي لعام 2013 يقضي بأن تصل إلى 137.8 مليار يورو بعد عشرة أيام من انهيار مفاوضات بين المجلس الذي يمثل حكومات التكتل الذي يضم 27 عضوا والبرلمان الأوروبي. وكان المجلس رفض القبول بزيادة قدرها تسعة مليارات يورو في موازنة الاتحاد الأوروبي للعام المقبل.

وكان الاقتراح السابق الذي قدمته المفوضية الأوروبية يقضي بتخصيص 134.9 مليار يورو للموازنة. وقال المتحدث باسم لجنة الموازنة في الاتحاد الأوروبي باتريسيو فيوريلي للصحافيين «ليس هناك فرق كبير عن اقتراحنا الأصلي وهو نفسه بنسبة 99 في المائة». وعزا المتحدث التشابه بين الاقتراحين إلى سببين أحدهما أن «الطريقة التي نصيغ بها اقتراحاتنا للموازنة تستند إلى تقديرات الدول الأعضاء للعام المقبل وتقديرات تلك الدول الأعضاء لم تتغير» مشيرا إلى أن السبب الثاني يتعلق بفشل المفاوضات بين المجلس والبرلمان. وشدد على «أننا نعمل مع المجلس والبرلمان لتضييق هوة الخلافات. وحسب مصادر أخرى تعثرت المفاوضات حول ميزانية 2013 حتى قبل أن تبدأ بسبب طلب للمساهمة في سد نقص يبلغ 8.9 مليارات يورو في ميزانية السنة الحالية أثر على عدة برامج خصوصا برنامج المنح للطلاب (إيراسموس) والصندوق الاجتماعي الأوروبي وأكدت مصادر برلمانية أن البرلمان الأوروبي ترك المفاوضات إزاء عدم الاتفاق بين الدول الـ27 حول سبل جمع الأموال الضرورية لتفادي العجز في عدة برامج أوروبية مثل إيراسموس والتي تعد الميزانية المخصصة لها في 2012 غير كافية. وعقب عدم التوصل لاتفاق بين الدول الـ27 والنواب الأوروبيين، طرحت المفوضية بديلا جديدا سيخفض بموجبه مليار و500 مليون يورو من تسعة مليارات يورو إضافية طلبت بشكل مبدئي من الدول لتغطية احتياجات الدورة الحالية. ويطالب البرلمان الأوروبي الدول الـ27 بإقرار تعديل ميزانية 2012 مقابل قبول استقطاعات في ميزانية عام 2013 في إجراء يمكن تعديله.ووافقت 20 دولة أثناء المفاوضات على إقرار تسعة مليارات و670 مليون يورو إضافية وفي أواخر الشهر الماضي رفض البرلمان الأوروبي إجراء خفض في موازنة الاتحاد الأوروبي لعام 2013 على النحو المقترح من قبل مجلس الوزراء الأوروبي وأيد دعوة المفوضية الأوروبية لزيادة الموازنة بنسبة 6.8 في المائة للعام نفسه. وقال بيان للبرلمان الأوروبي إنه «من أجل تعزيز النمو وفرص العمل فقد عكس البرلمان التخفيضات المقترحة بقيمة 1.9 مليار اليورو والمقترحة في يوليو (تموز) من قبل المجلس الذي يمثل حكومات الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي». ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من انتهاء القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل بالفشل، وكانت تناقش موازنة الاتحاد الأوروبي طويلة المدى 2014 - 2020 وعلق رئيس الوزراء السويدي فريديريك رينفيلد قائلا: «نحن بحاجة إلى المزيد من المباحثات الجانبية إذا كنا نرغب بالحصول على موافقة جميع دول الاتحاد ولا أستغرب تأجيل القرار إلى مطلع العام المقبل فالميزانية تدخل حيز التنفيذ في عام 2014 ولدينا حتى ذلك الحين متسع من الوقت». وبينما اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه «لا يوجد ما يدفع إلى التسرع في التوصل إلى اتفاق» قال الرئيس الفرنسي إن هذه القمة «كانت مفيدة». وهناك تعليق آخر على القمة جاء فيه «لم أجد أحدا من القادة يفكر من أجل أوروبا، أنهم يفكرون في المصالح الوطنية، وهذا من حقهم، ولكن عليهم أيضا أن يدركوا جيدا، أن الحفاظ على المصالح الوطنية يمكن أن يتم في إطار أوروبا قوية»، هذا ما قاله هانز سوبودا رئيس ثاني أكبر الكتل الحزبية داخل البرلمان الأوروبي، وهو تكتل الديمقراطيين والاشتراكيين، في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، وأضاف المسؤول الأوروبي بالقول: «أن فشل القمة يعني توجيه رسالة سلبية للغاية إلى المواطن الأوروبي»، وظهر واضحا من خلال البيان الختامي عدم استخدام كلمة الفشل، ولكن على هامش القمة استخدمها عدد من المسؤولين للتعبير عن تخوفهم من الفشل بسبب التصلب البريطاني في المواقف، وهو ما ذكره رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز.

ورأى رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي أن هناك «مؤشرات كافية توحي بالتوصل إلى اتفاق مطلع المقبل» على الموازنة الأوروبية للفترة ما بين 2014 - 2020 ونفى رئيس حكومة التكنوقراط الإيطالية إمكانية تأثير فشل القادة الأوروبيين في قمتهم الاستثنائية بالتوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة على فرضية توافقهم في وقت لاحق، وقال: «ليس من المستغرب عدم التوصل إلى نتائج، فهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة» ولقد تمخض عن القمة الاستثنائية الأوروبية التي استمرت يومين بيان مقتضب أشار إلى تكليف كل من رئيس الاتحاد هيرمان فان رومبوي، ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، متابعة التنسيق مع الدول الأعضاء من أجل البحث عن حلول وسط تؤدي إلى الاتفاق على الموازنة للفترة المذكورة وفي هذا السياق، وصف كل من فان رومبوي وباروسو المفاوضات بـ«المعقدة والصعبة ولكنها البناءة»، معبرين عن تصميمهما الاستمرار في العمل لإقرار موازنة تركز على دعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل ومن المقرر أن يعود زعماء الدول الأعضاء إلى الاجتماع مطلع العام المقبل لبحث مسألة الموازنة مجددا.

وفي لشبونة، وافق البرلمان البرتغالي على إجراءات تقشفية غير مسبوقة ضمن موازنة عام 2013، يتوقع أن تضع البلاد أمام ضرورة تلقي مساعدة مالية دولية للنهوض بماليتها العامة.

وقد تبنى البرلمان قانون المالية بفضل أصوات الغالبية المطلقة التي تدعم حكومة يمين الوسط برئاسة «بيدرو باسوس كويهلو»، بينما عارضه الاشتراكيون في المعارضة وهددوا باللجوء إلى المجلس الدستوري. وتسعى الحكومة إلى جعل العجز العام في مستوى أربعة فاصل خمسة في المائة من إجمالي الناتج المحلي الخام نهاية العام المقبل، بدلا من 5 في المائة هذا العام. كما تسعى الحكومة إلى جمع أكثر من 5 مليارات يورو تتأتى جلها من زيادات جديدة للضرائب على المداخيل. وتتراوح الزيادة بين نحو 14 في المائة تقريبا و48 في المائة، كما سيتم تقليص منح تخص البطالة والصحة. وقالت مظاهرة: «في السلطة التنفيذية نجد السيد النبيل رئيس الوزراء ووزير المالية وهما يقوضان حياتي تدريجيا، وإذا تمت الموافقة على الميزانية فسوف نموت جوعا. وهذه أول مرة أشارك في مظاهرة». من جانبه قال الأمين العام لإحدى النقابات «أرمينيو كارلوس»: «بقدر ما يقول رئيس الوزراء إننا نسير في الطريق السليم، فإن كل واحد بمن فيهم الأعضاء في حزبه يرون أن ذلك هو الطريق الخطأ». وأمام البرلمان في العاصمة لشبونة تجمع آلاف المتظاهرين تلبية لدعوة النقابات للاحتجاج ضد سياسة التقشف، وطالبوا باستقالة الحكومة، رافعين لافتات حملت عبارات: «تجميد الرواتب مستقبل مرتهن»، و«البطالة في البرتغال عار وطني». وتنفذ سياسة التقشف في هذا البلد في إطار خطة مساعدة مالية منحها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي إلى البرتغال خلال العام الماضي، وقد تؤدي تلك السياسة إلى تفاقم الانكماش الذي يفترض أن يبلغ 3 في المائة. وفي باريس ارتفع عدد العاطلين عن العمل في فرنسا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) ليتخطى ثلاثة ملايين شخص، ما يشكل أعلى معدل منذ أربعة عشر عاما. وزير العمل حذر من استمرار ارتفاع المعدل ومن تأخر فعالية الإجراءات المالية المتبعة. الأرقام هذه تزيد الضغوط على حكومة الرئيس فرنسوا هولاند الذي وعد بتخفيض معدل البطالة. وأظهرت بيانات رسمية أوروبية أن قطاع الخدمات في الاتحاد الأوروبي سجل ارتفاعا بنسبة 7 في المائة خلال عام 2011 ليصل حجم صادرات التكتل الذي يضم 27 دولة من الخدمات لبقية العالم إلى 604 مليارات يورو مقابل 567 مليارا في 2010. وأضافت البيانات التي أصدرها مكتب الاتحاد الأوروبي للإحصاءات (يوروستات) أن واردات التكتل من الخدمات من بقية العالم زادت أيضا بنسبة 4 في المائة لتصل إلى 483 مليار يورو في 2011 مقابل 464 مليارا في 2010. وأشارت البيانات إلى أن تلك الأرقام دفعت الاتحاد الأوروبي لتسجيل فائض تجاري في قطاع الخدمات بلغ 121 مليار يورو في عام 2011 مقابل 103 مليارات في 2010. وعزا (يوروستات) تسجيل فائض في عام 2011 بشكل أساسي إلى ارتفاع حجم الأعمال التجارية والخدمات المهنية والتقنية والخدمات المالية وخدمات الكومبيوتر والمعلومات وخدمات النقل والتشييد وخدمات التأمين.