الصين تنشئ مانهاتن جديدة على بعد 100 ميل شرق بكين

تضم 47 ناطحة سحاب بنيت على مسطحات ملحية

جانب من مانهاتن بنيويورك (أ.ف.ب)
TT

الصين مليئة بالرهانات الكبرى في أن النمو الاقتصادي الهائل سيواصل المضي قدما بنفس وتيرته، لكن عددا قليلا من الأماكن يفوق ضخامة منطقة يوجيابو هنا.

تلقب المدينة، التي تضم 47 ناطحة سحاب بنيت على مسطحات ملحية مهجورة وتقع على بعد 100 ميل جنوب شرقي بكين، بمانهاتن الصينية. تم تمويل المدينة بقروض ضخمة من المصارف المملوكة للدولة، وتعد مشروعا عاما ضخما، يرتبط بشكل وثيق بزيهانغ غاولي، سكرتير الحزب الشيوعي غير الشهير في تيانجين، والذي اختير ضمن الأعضاء السبعة للجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الأسبوع في ختام المؤتمر الثامن عشر للحزب.

برز زيهانغ على أنه الرجل الأجدر للتعامل مع الإدارة اليومية للاقتصاد الصيني، بعد موافقة مؤتمر الحزب الشيوعي في مارس (آذار)، متفوقا على وانغ كيشان، الذي يمتلك خلفية أعمق في صناعة السياسة المالية والاقتصادية، وكان ينظر إليه على أنه قد يتصادم مع رئيس الوزراء القادم، لي كيقيانغ، وربما يطغى عليه. فلم ينس القادة الصينيون كيف تمكن زيهو رونجي، الذي تمتع بخلفية اقتصادية مماثلة، من الهيمنة على عملية صناعة السياسة الاقتصادية من منصبه كنائب لرئيس الوزراء في منتصف التسعينات.

أثناء بداية مشروع يوجيابو وقف زيهانغ مدافعا عن الاستثمارات الحكومة الضخمة الموجهة، باعتبارها الطريقة التي تتلاءم بشكل كبير وطموحات مسؤولي الحزب الشغوفين بالترقي داخل السلطة. في الوقت ذاته يقول الخبراء والأفراد الذين يعرفونه إنه وضع نفسه في قالب رجل المهمة البيروقراطي الصارم، والسياسي القادر على إنجاز الأعمال مستخدما في ذلك مصالح الشركات القوية عوضا عن الصدام معها.

ويقول جان لوك تشارلز، المدير العالم لشركة تجميع طائرات «إيرباص A320» والذي لم يجد شيئا سوى مدح زيهانغ: «إنه رجل قوي للغاية، فهو يحدد الهدف والأفراد يبدأون في تنفيذه».

لكن زيهانغ يمتلك بعض السمات الشخصية المثيرة للدهشة، فسعى في توسيع تجارة التجزئة والخدمات الأخرى كوسيلة لخلق مزيد من فرص العمل غير أعمال البنية التحتية وأعمال البناء. كما دافع أيضا عن بيئة الشركات وحقوق العمال بهدف تحسين حياة المواطن الصيني.

وبعد سلسلة من الزيادات خلال رئاسة زيهانغ للحزب في المدينة، تفوق الأجر الأسبوعي للعامل في المدينة على نظيره في بكين بأربعة في المائة. ورغم الإجراءات القمعية التي اتخذتها المدينة تجاه مظاهرات العمال في صيف 2010، لكن السلطات المحلية أنشأت منذ ذلك الحين نقابة للعمال المهاجرين، الذي لا يحظون في العادة بالكثير من الحماية القانونية.

يقول جيوفري كروثال، المتحدث باسم منظمة، تشينا لابور بوليتن، غير الربحية في هونغ كونغ تعنى بشؤون النقابات المستقلة في الصين: «تفاوضت نقابة العمال المهاجرين للحصول على قدر كبير من الحماية للعمال في المدينة».

تحدث سكان تيانجين عن مظاهرتين اجتاحتا شوارع المدينة كانت أحدهما ضد مشروع بقيمة 1.7 مليار دولار لتوسيع مصنع للكيماويات والأخرى ضد صاحب شركة تطوير عقاري متهم بسرقة أموال مشترى الوحدات السكنية. تعاملت السلطات بسرعة مع المتظاهرين ولجأت إلى التفاوض للتوصل إلى تسوية في كلتا الحالتين، فأرجأت الإنشاءات الجديدة في مصنع الكيماويات، على الرغم من قيام شركة «سينوبك»، إحدى أضخم الشركات المملوكة للدولة، بأعمال التطوير. فيما تعقبت صاحب شركة العقارات وطالبته برد المبالغ التي حصل عليها. لم تلجأ المدينة إلى قوات مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين، مثلما يفعل بعض رؤساء الإدارات المحلية في مناطق أخرى في الصين.

تبنت تيانجين الكثير من التشريعات الغربية الخاصة بمكافحة التلوث وشددت في بعض الحالات من هذه التشريعات، فانبعاثات الهواء والماء من مصنع «إيرباص» هنا تتم مراقبتها من خلال معدات التلوث المتصلة بحاسبات مراقبة حكومية تراقب المصنع على مدار الساعة.

بيد أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه السياسات تعكس التزام زيهانغ بانتهاج سياسات اشتراكية تقدمية أو ميله لوضع القواعد والتأكد من التزام الأفراد بها. ربما كانت الإجابة، كلا الأمرين معا. ويضيف تشارلز: «زيهانغ قوي للغاية فيما يتعلق بالتشريعات ويقوم بذلك وفق القواعد ولا يمزح».

واستشهد عمدة المدينة هوانغ شينغو، والرجل الثاني في ترتيب المسؤولية بعد زيهانغ في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، بالكثير من المتنزهات وجودة هواء المدينة على الرغم من بعض التقديرات بأنها أفضل هامشيا فقط من بكين في مؤتمر صحافي في بكين الأسبوع الماضي خلال مؤتمر الحزب. وأشار في الوقت ذاته إلى أن ما يستحوذ على تفكير إدارة المدينة بقوله: «نحن نأمل في أن تأتوا لتشتروا منزلا لدينا».

ويعد بيع العقارات وظيفة محورية للمدينة الغارقة في الديون، حيث ارتفع حجم الائتمان الكلي الذي صدر في تيانجين بصورة أسرع مما هو عليه في أي مكان آخر في الصين خلال برنامج التحفيز الاقتصادي في عام 2009 والذي أدى إلى تعافي البلاد سريعا من الأزمة المالية العالمية. والتساؤل الذي يشغل إدارة المدينة الآن هو هل ستتمكن الشركات المملوكة للمدينة من بيع أو تأجير ما يكفي من المباني لتفادي وقوع كارثة مالية.

وتتوقع «جونز لانغ لاسال»، شركة خدمات عقارية عالمية، ارتفاع حجم العقارات التجارية المعروضة في وسط تيانجين إلى الضعف خلال السنوات الأربع المقبلة. وستحظى المباني الإدارية الـ12 الأولى في المنطقة المالية الجديدة التي تقع على بعد 30 ميلا من وسط مدينة تيانجين، بمساحات واسعة للغاية، جعلت الكثير من مطوري هونغ كونغ العقاريين من أصحاب الاستثمارات في المدينة يبدون قلقا إزاء وفرة المساحات الإدارية.

ومن بين عوامل القلق الأخرى هنا في المدينة هو أن غالبية الإنشاءات تجري على الساحل الملحي وأن الوحدات السكنية فوق مستوى سطح البحر بالكاد وتعريضه للضرر إذا أدى تغير المناخ إلى زيادة في مستوى سطح البحر أو الأعاصير التي تصاحبها عواصف. وقال أحد السكان المحليين: «بعد فيضانات الربيع الماضي كان عليك أن تشمر سروالك وتخلع حذاءك كي تتمكن من السير في الشارع». ويرى مايكل هارت، المدير الإداري لمكتب «جونز لانغ سال» في تيانجين أن مثل هذه المخاوف تتلاشى في مواجهة المهمة الأكثر إلحاحا بشغل المباني الخالية في المنطقة. قد تدفع الشركات المملوكة للدولة مثل بنك الصين الزراعي التي تتولى مسؤولية عمليات محلية من قبل الحكومة المحلية لتأجير مساحات مكتبية بالمدينة.

المنطقة المالية الجديدة ليست صحراء مهجورة بشكل كامل كما قد يبدو، فقد أمر زيهانع بشكل شخصي بتخفيضات ضريبة دفعت الكثير من شركات صناديق الأسهم الخاصة إلى نقل الإقامة القانونية وبعض المكاتب إلى تيانجين، سواء إلى المنطقة المالية الناشئة أو المناطق القريبة، بحسب خبراء اقتصاد. خفض زيهانغ ضرائب الشركات على صناديق الأسهم الخاصة التي تعمل في تيانجين وخفض معدل ضريبة الدخل إلى النصف تقريبا للشركاء بنسب بسيطة في هذه الصناديق.

جذبت هذه التخفيضات الضريبية صناديق الأسهم الخاصة إلى تيانجين، وأثمرت نتائج سياسية قيمة للغاية، فقد تدافع أبناء وبنات كبار المسؤولين الصينيين إلى صناعة الأسهم الخاصة مستغلين علاقاتهم القوية في تأمين عقود حكومية هامة وقروض منخفضة الفائدة من البنوك المملوكة للدولة على استثماراتهم.

جدير بالذكر أن أبناء المسؤولين الصينيين برزوا كقوة سياسية هائلة. فثلاثة من بين الأعضاء السبعة في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي أبناء قادة سابقين للصين. والعضو الرابع متزوج من ابنة أحد هؤلاء القادة والخامس والد لزوج إحدى بنات هؤلاء القادة. هذه الطبقة مقربة من الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمن الذي لعب دورا قويا في اختيار أعضاء اللجنة الدائمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»