الإخفاقات لا تثني مليارديرا جريئا عن الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة

فينود خوسلا استثمر ملايين الدولارات في القطاع المتعثر

فينود خوسلا.. من مؤسسي التكنولوجيا النظيفة («الشرق الأوسط»)
TT

تباهى فينود خوسلا بإنجازات صناعة الطاقة النظيفة العام الماضي. وطرح أسهم ثلاثة مشروعات جديدة للوقود الحيوي ضمن أعماله في رأس المال المخاطر للاكتتاب العام، وارتفعت أسعار الأسهم بشكل كبير فور طرحها. وقال خوسلا، خلال مؤتمر صحافي مفندا الانتقادات «أتحدى أي شخص يزعم أن التكنولوجيا النظيفة تعاني من كارثة. لقد حققنا أرباحا أكثر من أي شخص آخر».

وأخذ خوسلا، مؤسس «خوسلا فينشرز»، يشاهد منذ ذلك الحين الكثير من تلك الأرباح الورقية تتبخر أمام ناظريه، مع تلقي صناعة الطاقة النظيفة ضربة قوية، إذ انخفضت أسعار أسهم «أميريس» و«جيفو» و«كيور»، وهي شركات منتجة للوقود الحيوي، بنسبة تتراوح بين 70 و90 في المائة. وتقدر حاليًا قيمة حصصه، التي وصلت ذات يوم إلى 1.3 مليار دولار، بنحو 378 مليون دولار. وغرق المستثمر الملياردير في دوامة من الفشل.

وتشهد أسهم الشركات التي تعمل في الوقود الحيوي والطاقة الشمسية وطاقة الهواء مصاعب في ظل الضغوط التي تمر بها الصناعة. ولا يزال سعر الغاز الطبيعي منخفضا. وتراجعت أوروبا في ما تقدمه من حوافز، ويتم النظر في الدعم الأميركي بعد إشهار شركة «سوليندرا» التي تنتج الألواح الشمسية لإفلاسها. وتعد الصين منافسا كبيرا في هذا المجال نظرا للتكلفة المنخفضة. وقال بافيل مولكانوف، المحلل في شركة «ريموند جيمس آند أسوسيتس» للسمسرة «لم يعد هناك إقبال على قطاع الطاقة النظيفة بأكمله. من الصعب أن أجد شركة فاق سعر أسهمها سعرها عند طرحها للاكتتاب الأولي». مع ذلك يبدو أن خوسلا يسير عكس التيار بتمسكه بموقفه، حيث يضخ أموالا في مشروعات جديدة. وزادت مؤسسة «خوسلا فينشرز» استثماراتها في «لايت سيل إنيرجي» التي تم تأسيسها منذ ثلاث سنوات بغرض توفير تخزين منخفض التكلفة للطاقة. كذلك يتمسك خوسلا بشركاته التي تم طرح أسهمها للاكتتاب العام، حيث لا تزال شركته على سبيل المثال تمتلك حصة نسبتها 54 في المائة من «كيور». ويقول أندي بيتشتولشيم، الذي شارك في تأسيس «صن مايكرو سيستمز» مع خوسلا منذ ثلاثين عاما ويشاركه منزل في بيغ سور بساحل كاليفورنيا «إنه صاحب رؤية يحب أن يراهن كثيرًا على الأفكار التي يمكن أن تغير العالم. أعتقد أنه راهن رهانا كبيرا على التكنولوجيا النظيفة الصديقة للبيئة أكثر من أي شخص آخر».

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك على المدى القصير في الأسواق، يظل التفكير الاستثماري على المدى الطويل كما هو من دون أن يطرأ عليه تغيير. وتدفع الحكومات حول العالم باتجاه العثور على مصادر بديلة للطاقة في محاولة للحد من الاعتماد على الوقود الحفري الذي ربما يضر البيئة. وقال خوسلا في مقابلة تلفزيونية أجريت عام 2007 «قد تحل مصادر الطاقة السائدة محل نحو 80 في المائة من الطاقة القائمة على النفط. كان كوكب الأرض سيصبح ماضيا لولا هذه المصادر». وعادت قضية الاحتباس الحراري وظروف التغير المناخي لتتصدر المشهد بعد إعصار ساندي. وأقر خوسلا في تدوينته مؤخرا على الموقع الإلكتروني لمجلة «فوربس» بالتحول الذي يحدث في توجهات السوق. وأوضح قائلا «مرت الطاقة النظيفة بأوقات اكتنفها الغموض، لكن الوضع لم يعد كذلك الآن. يشهد مناخ التمويل اليوم بالنسبة لشركات التكنولوجيا النظيفة صعوبات». مع ذلك يشير إلى أنه من المتوقع أن يشهد تحسنا من خلال الحد من عدد الشركات الخاسرة.

منذ تأسيس خوسلا لشركته التي تعمل برأس مال مخاطر عام 2004، أصبح واحدا من أهم داعمي الابتكار في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة، حيث اشترى حصصا في نحو 60 شركة ناشئة في هذا المجال. وبيعت شركة «أوزرا» التي تعمل في مجال الطاقة الشمسية والتي حصلت على دعم قيمته 130 مليون دولار، عام 2010، إلى «أريفا» الفرنسية، التي تعمل في مجال إنشاء المفاعلات النووية، مقابل 250 مليون دولار تقريبا بحسب أحد التقديرات في هذا المجال. واشترت شركة «أدفانسيد مايكرو ديفايزيز» شركة «سي مايكرو»، المصنعة لمزودات خدمة تعمل بطاقة منخفضة، مقابل 334 مليون دولار، أي بقيمة أكبر من التي استثمرها الداعمون لها بخمسة أمثال، بحسب أحد مؤسسي «سي مايكرو» أندرو فيلدمان.

ولا يعد أداء تكنولوجيا الطاقة النظيفة في مشروعات خوسلا واضحا، حيث رفض الكشف عن عائدات الشركة أو التعليق على هذا الأمر. مع ذلك يوضح أحد صناديقه، الذي جمع مليار دولار لاستثمارها في تكنولوجيا الطاقة النظيفة ومشروعات رائدة أخرى، تحقيق أرباح نسبتها 30 في المائة منذ إنشائه عام 2009 بحسب التقارير التي قدمها صندوق كاليفورنيا لتقاعد العاملين وهو أكبر صندوق لأصحاب المعاشات. وذكر خوسلا في تدوينته على موقع «فوربس» أن الاشتراكات في صندوق حديث، جمع نحو 1.05 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، فاقت الحد، وأن أداء شركته بوجه عام منذ عام 2006 تجاوز الأداء المتوقع من صناديق رأس المال المخاطر. وبلغت نسبة إجمالي عائدات صناديق رأس المال المخاطر السنوية في تلك الفترة 7.25 في المائة بحسب البيانات المتوافرة في هذا المجال. وينبع التزام خوسلا من العمل لمدة ثلاثة عقود في هذه التكنولوجيا المتطورة.

حصل خوسلا، ذو الأصول الهندية، الذي يبلغ من العمر 57 عاما، على درجة الماجستير في الهندسة الطبية الحيوية من جامعة «كارنيغي ميلون» وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة «ستانفورد» عام 1980. وبعد تأسيسه لشركة «دايزي سيستمز» التي تعمل في مجال جعل التصميم أوتوماتيكيا عام 1982، شارك في تأسيس «صن مايكرو سيستمز» التي حققت نجاحا في مجال التكنولوجيا آنذاك. وقدم الدافع والرؤية من خلال شركة «صن مايكرو سيستمز»، لكن تمت إقالته من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة بعد عامين بسبب ما يُعرف عنه من صراحة وحدة، وغادر الشركة بعد ذلك بفترة قصيرة.

وانضم عام 1986 إلى شركة «كلينر بيركينز كوفيلد آند بايرز» وهي شركة رأس مال مخاطر. وحقق خوسلا على مدى العقدين التاليين عائدات هائلة برهانه على نمو شبكات الألياف الضوئية. وتم بيع شركتين هما «سيرينت» و«سيارا سيستمز» مقابل 15 مليار دولار في أوج فقاعة الإنترنت أو فقاعة تكنولوجيا المعلومات التي حدثت في نهاية التسعينيات. وكان خوسلا يبحث في «كلينر بيركينز» عن وسائل تكنولوجية بديلة للوقود عندما عرفت خطة عمل لشركة لإنتاج الإيثانول طريقها إلى مكتبه عام 2003. وكتب خوسلا في مقال لمجلة «وايرد» عام 2006 «لقد ظلت الخطة قابعة على مكتبي لنحو 18 شهرا حين كنت أقرأ قدر استطاعتي عن البنزين وبدائله».

عندما توسع خوسلا في أعماله عام 2004 استثمر ملايين في شركة «سلينول» لإنتاج الإيثانول. وسرعان ما رسخ أقدامه كواحد من أكبر المستثمرين في مجال رأس المال المخاطر في التكنولوجيا النظيفة وجذب مستثمرين بارزين مثل بيل غيتس، مؤسس «مايكروسوفت». وانضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، إلى الشركة بصفته مستشارا بارزا. وبمرور السنوات حصل خوسلا على نصيبه من الانفجار.

وأشهرت شركة «رينغ فيولز»، التي تحول رقائق الخشب إلى إيثانول، والمدعومة من خوسلا، إفلاسها في سبتمبر (أيلول) عام 2011، بعد حصولها على منحة قيمتها 44 مليون دولار من وزارة الطاقة، وقرض قدره 33 مليون دولار بضمان وزارة الزراعة. عندما انتقدت صحيفة «وول ستريت جورنال» في مقالها الافتتاحي «رينغ فيولز» باعتبارها من ممارسات رخاء الشركات، ورد خوسلا بقوله إن الكتاب يسكنون «برجا عاجيا» لا يوجد به سوى أشخاص لا يفهمون التكنولوجيا.

كان على شركات خوسلا أحيانا الانحراف عن خططها الأصلية والتركيز على أسواق جديدة. على سبيل المثال تم تأسيس شركة «كاليرا» عام 2007 بهدف استخدام العوادم الناتجة عن المصانع في صناعة الإسمنت. وأطلق خوسلا على هذه التكنولوجيا «تغيير اللعبة» عام 2008. مع ذلك واجهت الشركة بعض المصاعب، حيث أرجأت خططا للإنتاج على المستوى التجاري عام 2010، وعلقت إجراء المزيد من الأبحاث، وسرحت في ما بعد عمالها الـ145، وأخرجت منتجات أخرى مثل حشوات للورق والبلاستيك. ويخاطر خوسلا، شأنه شأن المستثمرين الآخرين في مجال رأس المال المخاطر، بتسديد ثلاث ضربات مثلما يحدث في لعبة كرة القاعدة الأميركية أملا في العودة إلى القواعد سالما. ولطالما قال مرارا «استعدادي للفشل هو ما يمنحني القدرة على النجاح». ويمكن أن تتسم الاحتمالات في مجال التكنولوجيا النظيفة بالقسوة، فكثيرا ما تتطلب المشروعات رأسمالا ضخما، وقد يصل تمويل مصنع للوقود الحيوي إلى 200 مليون دولار أو أكثر. كذلك قد تحتاج المشروعات لسنوات حتى تؤتي ثمارها على حد قول سام شيلتون، مهندس باحث في معهد جورجيا للتكنولوجيا.

على الجانب الآخر، لا تتطلب المشروعات الرائدة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي عادة سوى القليل من الأموال والعاملين. ويؤكد شيلتون اختلاف الاقتصادات تماما. يهدف خوسلا إلى الحصول على حصص عندما تكون الشركات لا تزال ناشئة بدلا من الانتظار حتى تنمو وتزداد قيمتها. لقد اشترى في البداية حصة في شركة «كيور»، التي تهدف إلى تحويل الرقائق الخشبية إلى غاز وديزل، عام 2007. وتعمل الشركة الآن على أول مصنع من ضمن خمسة في الميسيسيبي بقرض من دون فوائد من الدولة قدره 75 مليون دولار. ويوضح فريد كانون، الرئيس التنفيذي لشركة «كيور»، أن خوسلا دائما ما يفكر على مستوى مرتفع للغاية عن فرص نجاح الفكرة. وأضاف «لديه حاسة قوية تجاه توقيت التعامل مع الغاز».

يبدو خوسلا عازما على إدارة الدفة في كلا الاتجاهين بعد اقتحامه المبكر. وتشير الإفادات العلنية على مدى سنوات إلى أنه ضخ نحو 80 مليون دولار في شركة «كيور» وراكم حصة قدرها 54 في المائة. ورغم تراجع سعر السهم عن قمته واستمرار حذر مستثمري الاكتتاب العام الأولي، تقدر قيمة ما يملكه بـ356 مليون دولار، بما يعني تحقيقه مكاسب بمقدار ثلاثة أمثال الاستثمار الأصلي.

* خدمة «نيويورك تايمز»