«أبل» تخطط لإعادة بعض وظائف تصنيع منتجاتها إلى الولايات المتحدة

في تحول ملحوظ للشركة الأميركية العملاقة

تماما مثل شعارها (التفاحة المقضومة) حصة «أبل» في السوق تتعرض للقضم مع تزايد المنافسين (أ.ف.ب)
TT

تنوي شركة «أبل» الانضمام إلى عدد صغير لكنه متزايد من الشركات التي تعمل على إعادة بعض الوظائف الخاصة بتصنيع منتجاتها إلى الولايات المتحدة، مدفوعة بالتنامي الذي يشهده الاقتصاد والمزايا السياسية للإنتاج داخل سوقها المحلية. وكشف الرئيس التنفيذي للشركة تيموثي كوك، الذي كان مهندس عملية بناء شبكة تصنيع «أبل» عالية الكفاءة في آسيا، يوم الخميس الماضي عن نية الشركة استثمار 100 مليون دولار في إنتاج بعض أجهزة كومبيوتر «ماكنتوش» الخاصة بها داخل الولايات المتحدة، بخلاف أنشطة التجميع التي تتم هناك بالفعل، إلا أنه لم يقدم تفاصيل تذكر عن كيفية إنفاق هذه الأموال أو عن نوعية العمال الذين قد يستفيدون من هذه الخطوة.

وقد تعرضت شركة «أبل»، التي ظلت لفترة طويلة تصنع أجزاء الأجهزة داخل الولايات المتحدة لكنها توقفت عن ذلك منذ 10 سنوات تقريبا، لضغوط متواصلة من أجل توفير المزيد من الوظائف هنا بالنظر إلى قوتها السوقية، حيث بلغت مبيعاتها من أجهزة «آي بود» و«آي باد» و«ماكنتوش» وغيرها 237 مليون جهاز خلال العام المنتهي في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وصرح كوك لمجلة «بلومبرغ بيزنس ويك»: «لا أظن أن من واجبنا أن نخلق نوعية معينة من الوظائف، لكنني أرى أن من واجبنا حقا أن نخلق الوظائف».

ويحدو بعض المحللين الأمل في أن تحدث هذه الخطوة من جانب شركة ضخمة ومبتكرة مثل «أبل» نهضة أوسع نطاقا في مجال التصنيع الأميركي، إلا أن عددا من الخبراء يظلون متشككين في إمكانية حدوث ذلك. ويقول إندري شارون، وهو أستاذ في «جامعة بوسطن» ومدير «مركز الابتكار الصناعي» التابع لمؤسسة «فراونهوفر»: «أرى أنه من الصعب معرفة كيف ستعود شبكات التوريد التي تحرك عملية التصنيع إلى هنا. لقد فقدنا الكثير جدا من الخبرة العملية لصالح آسيا، ولا يوجد سبب ملح لعودتها. من الرائع أن تعلن شركة رغبتها في خلق وظائف للأميركيين، لكنها لن تفيد البلاد حقا إلا إذا كانت تلك الوظائف تصلح هنا أو أحدثت رد فعل متسلسلا أو كانت جزءا من تحول اقتصادي أكبر».

وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، أعلنت الشركات في مختلف القطاعات، مثل قطاعات الإلكترونيات والسيارات والأجهزة الطبية، أنها «تعيد تدعيم» الوظائف بعد عقود من شحنها إلى الخارج. وقد تم وضع جميع العوامل في الاعتبار عند اتخاذ هذه القرارات، مثل انخفاض تكلفة الطاقة في أميركا، وارتفاع الأجور في البلدان النامية مثل الصين والبرازيل، والمشكلات المتعلقة بالرقابة على الجودة، والرغبة في إبقاء شبكات التوريد قريبة من القاعدة الضخمة للمستهلكين الأميركيين. وتقول ديان سوونك، وهي كبيرة الخبراء الاقتصاديين في «شركة ميسيرو للخدمات المالية»: «لقد كانت الشركات تتجه إلى الخارج سعيا وراء تقليص التكاليف، ثم تبين أن هناك الكثير من التكاليف التي لم يكن محسوبا حسابها. لقد أصبحت أميركا تبدو أكثر تنافسية بكثير في الآونة الأخيرة».

ولكن على الرغم من هذا، فإن أثر ذلك على سوق الوظائف الأميركية ظل متواضعا حتى الآن، فمعظم الأعمال التي تمت إعادتها تتعلق بالإنتاج الآلي ذي القيمة المضافة العالية الذي يتطلب أقل القليل من العمال الفعليين، مما يمثل أحد الأسباب التي جعلت ارتفاع مستوى الأجور في أميركا لا يثني الشركات عن هذا التوجه. وقد شهد قطاع التصنيع الأميركي نموا كبيرا خلال العامين الماضيين، وإن كان لا يزال أقل بمقدار مليوني وظيفة من الحجم الذي كان عليه عند بداية الركود الاقتصادي في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2007. ويبدو أن قطاع التصنيع العالمي ينمو بسرعة أكبر بكثير، حتى بالنسبة للكثير من الشركات المملوكة لأميركيين والتي تتوسع في أوطانها، فشركة «جنرال إلكتريك» على سبيل المثال قامت بتعيين عمال أميركيين لتصنيع سخانات المياه والثلاجات وغسالات الأطباق والغسالات ذات الفتحة العلوية، إلا أنها مستمرة في زيادة أعداد الوظائف بالخارج أيضا.

ولم تكشف شركة «أبل» عن أي خطط لنقل الأجزاء المعقدة والتي تشهد نموا أسرع من خطوط إنتاجها، وتمثل أجهزة «ماكنتوش» حاليا جزءا صغيرا نسبيا من نشاط الشركة، حيث تشكل أقل من 20 في المائة من إيراداتها التي بلغت قرابة 36 مليار دولار في الربع السابق. وسوف يستمر تصنيع منتجات «الآي باد» و«الآي فون»، التي تقارب نسبتها 70 في المائة من مبيعات الشركة، في مراكز التصنيع منخفضة التكاليف مثل الصين، في الغالب من خلال التعاقد مع شركات خارجية مثل شركة «فوكس كون». وقد أوضح كوك في تصريحاته أن شركة «أبل» تنوي تصنيع المزيد من مكونات أجهزة «ماكنتوش» محليا ولكن من خلال شركاء، حيث أخبر مجلة «بلومبرغ بيزنس ويك» بأن هذه الخطة «لا تعني أن شركة أبل سوف تفعل ذلك بنفسها، لكننا سنتعاون مع أناس آخرين، وسوف يكون هذا استثمارا لأموالنا».

ويتوقف إسهام الخطة التي أعلنتها شركة «أبل» مؤخرا في خلق وظائف أخرى أعلى أجرا بالتوازي مع خط التوريد على طبيعة عملية التصنيع. وقد بدأت أنشطة تصنيع الكومبيوتر الأخرى في التوافد على الولايات المتحدة، بعد أن كانت قد انتقلت في معظمها إلى الخارج في تسعينيات القرن العشرين. وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرحت عملاقة أجهزة الكومبيوتر شركة «لينوفو» التي يقع مقرها في الصين بأنها ستشرع في تصنيع أجهزة الكومبيوتر التي تحمل ماركة «THINK» المميزة لها، مثل أجهزة «نوت بوك» وأجهزة الكومبيوتر الشخصية وبعض الأجهزة اللوحية، في مصنع تابع لها في مدينة ويتسيت بولاية نورث كاليفورنيا، وأكدت الشركة أن هذه الخطوة سوف توفر 115 وظيفة تصنيع جديدة في ذلك المصنع.

وأشار مارك ساتنتون، وهو مدير اتصالات شبكة التوريد العالمية لدى شركة «لينوفو»، إلى أن نقل الوظائف إلى الولايات المتحدة سوف يسمح للشركة بأن تمنح عملاءها في أميركا الشمالية فترات تنفيذ مهام أسرع مما توفره الأجهزة المقبلة من الخارج، مؤكدا أن الشركة لا تقوم على وجه الخصوص بخلق وظائف للأميركيين نتيجة أي ضغوط سياسية. وتابع قائلا: «نحن بالتأكيد لسنا غافلين عن الوضع الاقتصادي والبيئة السياسية. إنها ميزة إضافية، لكننا لم نتحرك من ذلك المنطلق، بل تحركنا من منطلق تجاري».

وقد تعرض نموذج عولمة صناعة الإلكترونيات لهزة شديدة العام الماضي بفعل الانقطاعات التي تعرضت لها شبكات التوريد عقب وقوع فيضانات كبيرة في تايلاند. وواجهت صناعة السيارات تحديات مماثلة بعد موجة تسونامي التي ضربت اليابان، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعلن شركة «فورد» مؤخرا أنها تعمل على إضافة 1200 وظيفة جديدة في ولاية ميتشيغن، كما قامت شركات تصنيع السيارات ذات الملكية الأجنبية مثل «هوندا» و«فولكس فاغن» بالاستثمار في زيادة معدلات التعيين والتدريب في ولايتي إنديانا وتينيسي. ويبدو في المعظم أن الشركات تزيد من إنتاجها داخل الولايات المتحدة من أجل العملاء المحليين، في مقابل الصادرات، وذلك بحسب ما ذكره شاد موتراي، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في «الرابطة الوطنية للمصنعين» (وقد بدأت الشركات في نقل إنتاجها بالقرب من أماكن تواجد عملائها في أوروبا أيضا. فمنذ 5 أعوام، كانت شركة «هيوليت باكارد» (إتش بي) تحضر جميع أجهزة الكومبيوتر الشخصية التي تبيعها في أوروبا من الصين، أما اليوم فهي تقوم بتصنيعها بدلا من ذلك في جمهورية التشيك وتركيا وروسيا، وذلك طبقا لما ذكره توني بروفيت، وهو نائب الرئيس الأول لشؤون العمليات في قسم أجهزة الكومبيوتر الشخصية والطابعات بالشركة).

غير أن الولايات المتحدة قد بدأت تتحول هي الأخرى إلى مكان أكثر جذبا لتصنيع السلع الموجهة إلى الأسواق الخارجية، وعلى الرغم من أن «الرابطة الوطنية للمصنعين» وغيرها من المنظمات التجارية تشكو من وجود بيئة ضريبية وتنظيمية مثبطة للنشاط التجاري في أميركا، فإن تصنيفا دوليا من البنك الدولي عن «سهولة ممارسة النشاط التجاري» وضع الولايات المتحدة في مركز قريب من رأس القائمة، في حين وضع بلدانا مثل البرازيل والهند والفلبين في مراكز قريبة من ذيل القائمة. ويقول تورستين سلوك، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين الدوليين لدى شركة «دويتشه بنك للأوراق المالية»: «إذا سألت كم من الأيام يستغرقها الأمر لتأسيس مشروع والحصول على الكهرباء وأشياء مثل هذه، فسوف تدرك أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل البيئة التجارية هنا أفضل بكثير من أماكن يتصادف أن تكون العمالة فيها رخيصة».

ويوم الخميس الماضي، أعلن البيت الأبيض أنه من المشجع أن يرى المزيد من الشركات الأميركية الكبيرة وهي تعيد أنشطة التصنيع إلى الداخل. وعلق جين سبيرلنغ، وهو مدير المجلس الاقتصادي الوطني التابع للرئيس الأميركي، قائلا: «السياسة أمر مهم، وبلادنا تعمل على دفع سياسات تشجع أنشطة التصنيع والبحوث والتطوير والبنية التحتية والمهارات ودعم تنمية شبكات التوريد. أعتقد أن ما تحتاج إليه هو دورة تتسم بالتعزيز المتبادل، تحظى فيها الاتجاهات الاقتصادية الأساسية التي تجعل الولايات المتحدة أكثر تنافسية بالنسبة للتصنيع وإقامة شبكات التوريد بالتشجيع والدعم من خلال سياسات تعترف بأن تلك القرارات المتعلقة بالموقع لها آثار جانبية أوسع تفيد الاقتصاد بأكثر مما تفيد شركات بعينها».

*خدمة «نيويورك تايمز»