دراسة: على المصارف الخليجية تعلم معايشة الظروف بعيدا عن الدعم الحكومي

موجة النمو الأخير للقطاع المصرفي الخليجي في خطر

TT

تشير النتائج المالية والأرقام الفصلية في المصارف الفردية والقطاع المصرفي بمنطقة الخليج العربي بشكل عام، إلى عودة إلى الزيادة في الأرباح والتحسن في الأداء، لكن كل تلك المؤشرات الإيجابية لا تطغى على ما يوصف بـ«خطوط الصدع» الرئيسية التي تعوق عمليات تطوير القطاع المصرفي في المنطقة ما لم يتم اتخاذ إجراءات وحلول لتفادي هذه التحديات والتهديدات المتزايدة.

جاء ذلك في دراسة حديثة صادرة عن «أليكس بارتنرز» المتخصصة في الخدمات الاستشارية. الدراسة ترى أنه في ظل ما يشهده القطاع المصرفي الخليجي من عمليات نمو في الوقت الحالي، فإن هناك حالة عدم استقرار في بيئة عمل الاقتصادات الضخمة، إلى جانب مخاطر في القطاع باتت تتطلب إيجاد الحلول لضمان استدامة ما يشهده القطاع من تزايد معدلات التنمية والربحية مؤخرا.

وتشير الدراسة إلى أن عوامل الخطورة في بيئة العمل تتطلب تبني مؤشرات مضادة فعالة من جانب مديري المصارف، يبرز في مقدمتها تعافي هوامش الفائدة في القطاع المصرفي (نسبة الفرق بين عائدات الفوائد التي تجنيها المصارف وما تصرفه من فوائد لدائنيها، وقيمة أصولها التي تجني هذه الفوائد)، التي يؤكد التقرير أنها تعافت نتيجة الاستثمارات الحكومية في مشاريع البنية التحتية، مما يشير للعلاقة الوثيقة بين أداء القطاع المصرفي وأسعار النفط.

وأشارت إلى أن المشاركة الحكومية الواسعة في مثل تلك المشاريع تسهم في ضمان توفر رؤوس الأموال الحرة والمقترنة بحماية الاستثمارات الوطنية، والأثر الإيجابي لتحقيق عائدات آمنة ومستقرة للمصارف. وتحث الدراسة المصارف الخليجية الساعية لتحقيق نجاح وتنافسية عالمية، على ضرورة تعلم معايشة ظروف مغايرة دون النظر إلى الضمانات وعوامل الحماية التي تتاح لها حاليا.

أما العامل الثاني فهو عمليات التمويل المنخفضة التي تقدمها المصارف الخليجية للقروض، والتي دعمها انسحاب وتوقف عدة بنوك غربية عاملة في المنطقة من منح القروض، بالإضافة لوجود سوق تعاملات مصرفية مالية ما زالت في مراحل تطورها المبكرة.

ومن بين عوامل الخطورة المهمة التي تتهدد البنوك؛ بحسب الدراسة «التباين الكبير بين قاعدة رأس المال الكبير في القطاع المصرفي ومعدلات التصنيف الائتماني، والديون المعدومة للمصارف الخليجية في بعض الدول وما يناقضها من ممارسات منح قروض شخصية وقروض أعمال، يدعمها التدخل الحكومي، مما يؤدي لتوزيع غير كفء للأصول ضمن أفضل الحالات، ويدعم تزايد المخاطر الافتراضية في أسوئها». وتكشف الدراسة أن تركيز بعض المصارف الخليجية على عدد من المناطق الجغرافية المحددة والدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة، قد يحد بشكل كبير من فرص تحقيق عائدات وثروات مستقبلية.

وقال كلوديو سكاردوفي، المدير في شركة «أليكس بارتنرز» ومعد الدراسة: «تبقى بعض البنوك المحددة غارقة في مستنقع ضعف السوق العقارية، ويظل القلق حول جودة الأصول ومرحلة ما بعد فقاعة ازدهار العمليات الائتمانية. ومن الضروري لتلك البنوك النظر بجدية لعملية إجراء إعادة هيكلة في أقرب فرصة. وبشكل مساو، فإن معظم المصارف في المنطقة الخليجية باتت تعاني من عدد من قضايا التركيز التي يؤكدها الاعتماد الزائف على أسعار النفط المرتفعة»، وحول معادلة تغير موازين القوى في المنطقة، أوضح سكاردوفي: «إن عمليات تغير موازين القوى التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد أعادت توزيع الثروات عبر الدول وبين الشركات والأفراد، التي ستؤدي في النهاية لدفع القطاعات المصرفية لتبني حلول وخدمات جديدة لإدارة الثروات والاستثمارات. كما أثرت عمليات التغير على المشهد الاقتصادي في المنطقة، التي أسهمت في خلق العديد من الفرص للمصارف الخليجية لاختيار التوقيت المناسب والاستراتيجية الأفضل لتحرير رؤوس الأموال المرتبطة بأسعار النفط».

وتظهر الدراسة «العصور الزمنية الثلاثة» للقطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأ ثالثها في عام 2010. ويُنظر لتلك الفترة على أنها ممثل للعصر ما قبل الماسي للقطاع المصرفي، وعلى الرغم من أن أسعار النفط الخام ستواصل مساندة المعدلات الحالية من رؤوس الأموال الحرة للمصارف، فإن هناك حاجة لتلك المصارف الخليجية لتوسيع أعمالها خارجيا بشكل أكبر، والتوجه نحو مصادر جديدة تحقق لها النمو المربح والمستدام. وتشمل تلك المصادر أصول الإقراض وهوامش الفائدة الصافية، بالإضافة للدخل المتأتي من الخدمات والرسوم. وقد تبرز بعض النتائج غير المتوقعة من تجدد عمليات نمو الأصول بطريقة غير محكمة، مما قد يكون نتيجة اتباع استراتيجيات وإجراءات تنفيذ غير صارمة وقاطعة.

وتؤكد الدراسة أن العوامل التي تؤدي للدخول في العصر الماسي لازدهار العمل المصرفي، تكمن في استعداد صناع القرارات وإدارات المصارف لمناقشة مختلف التحديات والبحث عن أفضل الحلول التي تسهم في بناء مرحلة جديدة للقطاع المصرفي الخليجي.

وتوجز الدراسة تلك العوامل في أربعة أهداف استراتيجية تشمل، أولا: النظر لعمليات الاندماج على أنها واقع يمكن تحقيقه عبر مجالات الاستحواذ والتكامل، أو عبر دمج الوحدات المشتركة في مهام متساوية، وثانيا: تنفيذ المزيد من عمليات التطوير التي يمكن أن تؤدي لتحقيق المزيد من الكفاءة في العمل، ما يسمح بتزايد عمليات البيع وتبادل البضائع والخدمات لمجموعات أكبر من الأسواق والعملاء، وثالثا، تصعيد وتيرة الإنتاجية عبر زيادة كمية ونوعية المخرجات المطلوبة، والمحافظة على معدل المدخلات نفسه، ورابعا وأخيرا: تبني الممارسات الإبداعية التي تقوم بتسخير مجالات تحقيق الربحية الحالية، والقيام في الوقت ذاته بإيجاد مجالات ربح جديدة عبر مفاهيم الأعمال الجديدة.

وأكدت الدراسة أيضا على أن التنويع العالمي والمبادرة بتنفيذ عمليات الهيكلة الداخلية عند الضرورة، يمكن أن يسهم في التغلب على العديد من العوائق والتغيرات التي تواجه المصارف الخليجية الساعية لتشكيل أسس جديدة للأسواق والمجتمعات الخليجية.