فرنسا تنقل جزءا من صناعاتها إلى المغرب في إطار اتفاقية «التوطين المشترك»

الاشتراكيون الفرنسيون سيرفعون من وتيرة تعاونهم الاقتصادي مع المغرب وحكومته «الإسلامية»

العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله رئيس الحكومة الفرنسية جان مارك آيرو (إ.ب.أ)
TT

وقع المغرب وفرنسا على اتفاقية جديدة في مجال التعاون الاقتصادي بهدف تشجيع نقل جزء من الصناعات الفرنسية إلى المغرب في إطار مشاريع مشتركة بين صناعيين مغاربة وفرنسيين، وذلك خلال الاجتماع رفيع المستوى بين حكومتي البلدين، ترأسه الاشتراكي جان مارك ايرو، رئيس الوزراء الفرنسي و«الإسلامي» عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية أمس (الخميس) في الرباط.

وتضمن الاتفاق إنشاء فريق عمل سيدرس الإمكانات المتاحة لتحقيق هذا الهدف، سيقدم خلاصاته وتوصياته للحكومتين خلال الربع الأول من العام المقبل.

وتهدف الاتفاقية الجديدة إلى استثمار مجالات التكامل الممكنة بين البلدين في القطاعات الصناعية والخدماتية من أجل بلوغ تنافسية أكبر في الأسواق العالمية. وأطلقت الحكومة الفرنسية على الاتفاقية الجديدة اسم «التوطين المشترك»، وذلك لتمييزها عن عملية «إعادة توطين الشركات» التي أصبحت تواجه معارضة قوية في فرنسا، حيث تعتبر بعض الأوساط السياسية أن ذلك يعني نقل فرص العمل ومعدلات النمو الاقتصادي إلى خارج فرنسا.

وقالت نيكول بريك، وزير التجارة الخارجية الفرنسية، إن مفهوم «التوطين المشترك» الذي أطلقته الحكومة الفرنسية ينطلق من مبدأ تكاتف الجهود وتشارك الموارد والمؤهلات بين شركات البلدين من أجل خدمة اقتصاد بلديهما بشكل أفضل. وأضافت «نحتاج إلى عمل بيداغوجي كبير لتفسير هذا المفهوم الجديد في فرنسا، وإقناع جانب من الرأي العام بأن توطين الشركات الفرنسية جزء من إنتاجها في المغرب لا يعني إضعاف الاقتصاد الفرنسي بل بالعكس سينتج عنه تحسين أداء الشركات الفرنسية والرفع من تنافسيتها وقدرتها على غزو الأسواق الخارجية وإنتاج الثروة في بلدها وخلق فرص عمل أكبر».

وقالت الوزيرة الفرنسية أيضا «التوطين المشترك هو هذه الشراكة المتميزة من أجل تنافسية متقاسمة، وهو يعتبر الرد على الذين ينادون عندنا إلى التقوقع والانغلاق، والذي سيؤدي بنا في نهاية المطاف إلى الوهن والضعف الاقتصادي».

وزادت قائلة «من خلال هذا المفهوم نريد أن تتكامل ميزاتنا التنافسية وتتكاتف قدراتنا ومواهبنا من أجل أن ننتج معا منتوجات ذات جودة عالية تتطلب كفاءات عالية، وبالتالي بذل مجهودات كبيرة في مجال التكوين المهني وتقاسم الكفاءات والمهارات التكنولوجية، وخلق فرص عمل في ضفتي المتوسط».

وأشارت نيكول بريك إلى أن فرنسا تسعى لاقتراح «ميثاق للتوطين المشترك» على صعيد المنطقة المتوسطية. وقالت إنها منذ إطلاقها لهذا المفهوم الجديد خلال زيارتها للمغرب في يوليو (تموز) الماضي شكلت لجنة لدراسة الموضوع بتفصيل وتحديد القطاعات الإنتاجية ومجاملات التكامل الصناعي وفرص التوطين المشترك للصناعات، وذلك بهدف إعداد تقرير ستقدمه فرنسا لشركائها المتوسطيين بداية العام الحالي.

وقالت بريك إن المغرب يحتل مركز الصدارة في هذه الخطة الفرنسية الجديدة اعتبارا لرصيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وحجم الاستثمارات الفرنسية في المغرب، وتوفره على بنية تحتية من المطارات والموانئ تجعله منصة تجارية مهمة في المنطقة، إضافة إلى الإصلاحات النوعية التي يعرفها، ووجود استراتيجيات قطاعية طموحة وتوجهات اقتصادية واضحة. كما أن المغرب يتوفر على عدة تجارب رائدة في مجال «التوطين المشترك» خاصة في قطاع صناعة الطائرات والسيارات، التي مكنت كبريات الشركات الفرنسية في هذا المجال، من خلال الاستثمار في المغرب وبالتالي المساهمة في التنمية والتشغيل في المغرب، من تحسين تنافسيتها في الأسواق العالمية وتطوير أنشطتها وقدراتها على المساهمة في التنمية والتشغيل في فرنسا.

وأضافت بريك أن الحكومة الفرنسية لن تنتظر انتهاء الدراسات للدخول في هذا النمط الجديد من التعاون والشراكة مع المغرب. وقالت «في انتظار ذلك أرى أن نبدأ من خلال إطلاق بعض المبادرات الأولية». ووضعت بريك على رأس هذه المبادرات تعزيز التنسيق بين وكالتي ترويج الصادرات في البلدين، ودعم الاستثمارات البينية، ودعم المغرب في مفاوضات التجارة الحرة الشاملة والعميقة التي يجريها مع الاتحاد الأوروبي.

وأكد رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرو، خلال كلمة ألقاها في منتدى الأعمال المغربي الفرنسي الذي جمع 400 رجل أعمال من البلدين مساء أول من أمس بالدار البيضاء، تمسك الحكومة الفرنسية وإصرارها على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب التي قال إنها قوبة ومتينة، مشيرا إلى أن المغرب يستورد 14 في المائة من وارداته من فرنسا ويوجه إليها 20 في المائة من صادراته، كما تعتبر فرنسا أول مستثمر في المغرب، إذ توجد به 750 شركة فرنسية من بينها فروع 36 من بين الأربعين مجموعة اقتصادية فرنسية المدرجة في مؤشر «كاك 40» لبورصة باريس. وأضاف جان مارك ايرو يقول إن المغرب الذي اختار مبكرا الانفتاح والارتباط بالتحاد الأوروبي، معني بشكل مباشر بما يحدث في فرنسا والاتحاد الأوروبي، ومدى قدرة فرنسا على مواجهة المشكلات والأزمات التي تمر بها.

وبخصوص السياسة الفرنسية في مواجهة الأزمة قال ايرو إن سياسة التقويم التي اعتمدتها الحكومة تهدف إلى تقليص المديونية، والحد من البطالة، والرفع من تنافسية الشركات، وتعتمد الحوار الاجتماعي والتشاور مع جميع الفعاليات المجتمعية، وتتضمن إجراءات استعجالية وإصلاحات عميقة.

وقال «تمكنا من تخفيض العجز في الميزانية إلى 4.5 في المائة في يوليو الماضي، ونهدف بلوغ 3 في المائة في 2013 دون التخلي عن تمويل الاستثمارات في المجالات ذات الأولوية وهي التعليم والتكوين والسكن والطاقة والعمل». وأشار إلى أن الحكومة الفرنسية أطلقت «ميثاق التنافسية» الذي يتضمن 30 إجراء منها تقليص تكلفة العمل بنحو 20 مليار يورو، وهو ما يعادل نسبة 6 في المائة من كتلة الأجور.

وأشاد ايرو بالسياسات التنموية القطاعية في المغرب والإصلاحات العميقة التي عرفها في المجال السياسي في سياق الربيع العربي الذي وصفه بأنه فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة من خلال إبراز تطلعاتها الديمقراطية. ومن جهته عبر عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، حرص المغرب على تمتين علاقاته الراسخة والعريقة مع فرنسا. وأشار إلى أنه أكد مرارا للمسؤولين الفرنسيين، خاصة خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مالطا، أن وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في المغرب لن يغير شيئا في جودة العلاقات بين البلدين. وقال «صحيح أننا من توجه سياسي لم تألفوه. غير أن المغاربة لم ينتخبونا بسبب لحيتنا وإنما لاعتقادهم أننا سنكون أفضل في إدارة الشأن العام». وعبر ابن كيران عن ثقته وتفاؤله بقدرة فرنسا على تجاوز الأزمة.

وأضاف أن المغرب استطاع أن يجتاز مرحلة الربيع العربي بحكمة وذكاء، وبفضل جرأة الملك محمد السادس الذي تجاوب بشكل سريع مع مطالب الإصلاحات التي رفعتها الاحتجاجات. وقال «الإصلاح لم يكن شيئا جديدا في المغرب، لقد بدأ مع الملك الراحل الحسن الثاني، لذلك وجد عندنا الربيع العربي مشكلات أقل من دول أخرى، فكانت النار كافية لتسخين الإناء وليس لحرق ما فيه». وأكد ابن كيران أن حكومته تقوم بإصلاحات كبيرة وعميقة من أجل تسهيل أمور رجال الأعمال. وقال «السياسة والديمقراطية جميلة، لكن الاقتصاد ضروري. والاقتصاد ليس من اختصاصنا نحن السياسيين بل هو دوركم ومهمتكم أنتم رجال الأعمال. لذلك فنحن سنقوم بكل ما يلزم لنجعل حياتكم أسهل».

يشار إلى أن ملتقى أعمال مغربي فرنسي الذي انعقد أول من أمس في الدار البيضاء ركز على أن آجال الأداء ومشكلات العقار والضرائب وتأخر تنفيذ الأحكام القضائية هي أبرز العوائق التي تعرقل الاستثمار الأجنبي في المغرب. وتعهد مسؤولون حكوميون مغاربة شاركوا في الملتقى الذي نظم على هامش زيارة رئيس الوزراء الفرنسي للمغرب بالإسراع بإنجاز الإصلاحات المتعلقة بهذه المواضيع.

وفي مجال آجال الأداء، أشار نزار بركة، وزير المالية، إلى أن الحكومة اعتمدت أخيرا قانونا يحدد آجال الأداء في 60 يوما، ويمكن تمديدها إلى 90 يوما باتفاق بين الطرفين المتعاقدين. وأضاف أن القانون فرض زيادات رادعة تصل إلى 10 في المائة من قيمة الفاتورة في حالة التأخير. وقال بركة إن رئيس الحكومة شكل خلية برئاسة وزير المالية لاستقبال رجال الأعمال الذين يشتكون من تأخر أداء قيمة الصفقات التي أنجزوها لصالح الدولة بهدف دراستها وتسريع أداء مستحقاتهم.

وبخصوص مشكلات استرجاع مستحقات الشركات من الضريبة على القيمة المضافة، أشار بركة إلى أن الحكومة قررت تسريع إجراءات استرداد هذه الضريبة من طرف الشركات، وذلك على الرغم من الضائقة المالية التي تعرفها خزينة الدولة. وقال إن حجم الضريبة على القيمة المضافة التي استردتها الشركات هذه السنة ارتفعت بنسبة 30 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، وبلغت 75 في المائة من المبالغ المستحقة. وأضاف بركة أن الحكومة بصدد إصلاح نظام الضريبة على القيمة المضافة لوضع حد لهذه المشكلة بصفة نهائية.

ويطالب رجال الأعمال المغاربة بتعديل القانون الحالي للضريبة على القيمة المضافة، بحيث يتم تحصيلها مباشرة على أساس القيمة المضافة التي أنتجتها الشركة وليس على أساس رقم المعاملات أو المشتريات كما يتم حاليا.

وبخصوص الرشوة أشار محمد نجيب بوليف، وزير الشؤون العامة للحكومة، إلى أن المغرب قد أطلق خلال الأسبوع الأخير حملة لمحاربة الفساد والرشوة. وأضاف أن المغرب قام بإصلاحات قانونية في هذا الاتجاه، وأبرزها التفريق بين الراشي والمرتشي، بعد أن كانا في السابق يؤاخذان معا بجريمة الرشوة. كما بسط إجراءات التبليغ عن الرشوة عبر فتح موقع على الإنترنت يمكن فيه للمواطنين أن يبلغوا دون الكشف عن هوياتهم وعلى أساس تلك التبليغات يتم فتح تحقيقات قضائية. وأضاف بوليف أن المغرب أصلح أيضا نظام حماية الشهود بحيث أصبح بالإمكان تغيير هوية الشاهد بهدف حمايته. وأدت هذه الإجراءات إلى ارتفاع عدد قضايا الرشوة والفساد المعروضة أمام المحاكم المغربية، والتي بلغت ثمانية آلاف قضية خلال هذه السنة.

وأشار بوليف إلى أن المغرب أطلق حوارا وطنيا من أجل إصلاح العدالة، والذي وضع ضمن أولوياته تحسين آجال وإجراءات تنفيذ الأحكام، التي تقدر الكلفة التي تتحملها الدولة نتيجة بطئها بنحو 8 مليارات درهم سنويا (نحو مليار دولار).

وتم تنظيم الملتقى من طرف نادي رجال الأعمال المغاربة والفرنسيين بهدف تحفيز الاستثمارات الفرنسية بالمغرب. وقال محمد الكتاني، رئيس النادي ورئيس مصرف التجاري (وفا بنك)، «اشتغلنا طيلة 18 شهرا في إطار لجان متخصصة حول ثمانية مواضيع تهم تحسين جاذبية الاقتصاد المغربي للاستثمارات الفرنسية. وأعددنا مجموعة من الاقتراحات والتوصيات العملية التي سيقدمها النادي لرئيسي حكومة البلدين، واللذان سيترأسان اختتام أشغال الملتقى».

وأضاف الكتاني أن 170 رجل أعمال فرنسيا شاركوا في الملتقى، ونظموا على هامشه لقاءات ثنائية مع رجال عمال مغاربة بهدف بحث فرص الشراكة وإبرام صفقات وإنجاز استثمارات مشتركة.

ومن جهته قال جان روني فورتو، رئيس النادي عن الطرف الفرنسي، إن الشركات الفرنسية مهتمة جدا بالمغرب وبربط شراكات مع الشركات المغربية بهدف تحسين تنافسيتها. وأضاف «جودة العلاقات المغربية الفرنسية لا تحتاج إلى برهان، ويكفي أن 36 شركة من بين الأربعين شركة المدرجة في مؤشر كاك للأسهم الفرنسية تملك فروعا في المغرب، وغالبا في إطار شراكة مع مساهمين مغاربة. والشركات الفرنسية تدرك أن شراكتها مع الشركات المغربية ستمكنها من تحسين تنافسيتها لغزو الأسواق الخارجية خاصة الأفريقية».

وحول المعارضة التي تصادفها الاستثمارات الفرنسية بالمغرب، قال فورتو «صحيح أننا دائما كنا نواجه معارضة من طرف السياسيين، فكنا نلجأ إلى الاستثمار سرا في الخارج. لكن اليوم هناك تغيير. والحكومة أصبحت واعية بأن من مصلحة فرنسا أن نستثمر في الخارج لرفع تنافسية شركاتنا. لكن إلى أي حد استطعنا أن نكسب الرأي العام لهذه القضية. ما زالت هناك معارضة، ويكفي أن نرى الضجة الإعلامية التي يثيرها في فرنسا أي إعلان للاستثمار في المغرب أو تونس. لكن الأمور تتجه نحو الأفضل».