مصر: ارتباك في سوق المال والبنوك والصرف مع تصاعد المخاطر الاقتصادية

قرار رئاسي لمحاولة السيطرة على خروج الدولار من البلاد

فقدت البورصة المصرية أمس نحو 2.5 مليار جنيه ليصل إجمالي ما فقدته منذ بداية تعاملات الأسبوع إلى نحو 6.5 مليار جنيه
TT

حالة من الارتباك داخل مصر سببتها النظرة السلبية لاقتصاد البلاد خلال الفترة الماضية، وزادها تخفيض «ستاندر آند بورز» للتصنيف الائتماني المصري، أول من أمس، أدى إلى ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري، وتراجع مؤشرات البورصة مع اتجاه كبير من قبل المستثمرين المحليين للبيع في السوق، واتجاه من قبل الأفراد لسحب أموالهم وودائعهم من البنوك، على أثر شائعات تتحدث عن عدم قدرة البنوك المصرية على سداد أموال المودعين، وهو ما نفاه البنك المركزي.

وتراجع الجنيه المصري، أمس، بنحو 0.1 في المائة ليصل إلى 6.178 للشراء، وبنسبة 1.3 في المائة على أساس شهري، و2.4 في المائة، على أساس سنوي، وفقدت البورصة، أمس، نحو 2.5 مليار جنيه، ليصل بذلك إجمالي ما فقدته منذ بداية تعاملات الأسبوع إلى نحو 6.5 مليار جنيه.

وترى الحكومة أن سعر صرف الدولار لا يزال عن مستويات طبيعية، وقال الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، أمس، إن حجم التراجع الذي شهده الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي خلال الأسبوعين الماضيين لا يتجاوز 6 قروش، وهو معدل انخفاض طفيف لا يتعدى 1 في المائة، ولذا فإن التذبذبات في سعر الصرف لا تزال في مستويات طبيعية في ظل الظروف السياسية والاضطرابات التي تعيشها البلاد، وانعكاساتها السلبية على الوضع الاقتصادي. وشدد رئيس مجلس الوزراء على أهمية الاستقرار السياسي والأمني خلال الفترة المقبلة، من أجل عودة المستثمرين الأجانب مرة أخرى للسوق المصرية، واستعادة التدفقات السياحية التي تسهم في دعم أرصدة الاحتياطي الأجنبي وسد العجز في ميزان المدفوعات.

وقال متعاملون في السوق إن هناك تهافتا من قبل الأفراد على البنوك وشركات الصرافة لتغيير العملة، في ظل مخاوف من ارتفاع كبير للعملة الأجنبية مقابل الجنيه المصري، وهو مؤشر على عودة السوق السوداء، في ظل محدودية الموارد بالعملة الأجنبية.

وساهمت الأنباء السلبية السيئة عن الاقتصاد المصري في زيادة سعر صرف العملة الأميركية، وأرجعه الخبير المصرفي أحمد آدم إلى تعطيش السوق في الأيام الماضية من قبل البنك المركزي في وقت يجب فيه التدخل، وأشار إلى أن هناك تحفظا شديدا من البنوك في إتاحة الدولار أمام العملاء الأفراد، بحدود لا تتجاوز 3 آلاف دولار للعميل الواحد، في حركة السحب النقدي أو تبديل «الكاش» من الجنيه إلى الدولار.

وقال آدم إن البنوك تواجه صعوبة شديدة في تدبير الدولار، بينما يتحفظ البعض الآخر عن التفريط فيما في حوزتها من السيولة الدولارية، خصوصا مع ظهور السوق السوداء لتداول الدولار بشكل خطير، واتساع الفجوة بين أسعار تداول الدولار داخل السوق المحلية.

ويرى خبراء أن تصاعد الأنباء السلبية، سواء السياسية أو الاقتصادية، أدى إلى زيادة توجه المواطنين إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار، وأدى الضغط المتزايد إلى نقص في المعروض.

وعلى صعيد متصل، أصدر رئيس الجمهورية مساء أول من أمس قرارا، سبب حالة من الارتباك في السوق المصرفية، ويشمل القرار نصين؛ الأول يقضي بأن إدخال النقد الأجنبي إلى البلاد أو إخراجه منها مكفول لجميع المسافرين في حدود 10 آلاف دولار أميركي، أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى، بعدما كانت القانون يسمح بتجاوز هذا المبلغ بشرط الإفصاح عن الهدف من ذلك. ويقضي النص الثاني بحظر إدخال النقد الأجنبي، أو إخراجه من خلال الرسائل والطرود البريدية.

وقال مصرفيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن هذا القرار الغرض منه الحفاظ على الموارد الدولارية للدولة، بعدما فقد الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية أكثر من 22 مليار دولار خلال العامين السابقين، ولكنهم رأوا فيه أيضا تقييد دخول الدولارات إلى البلاد، مما يضر بحركة السياحة والسيولة الدولارية التي توفرها، وأكدوا أن القرار لم يصل إلى البنوك أو المطارات حتى ظهر أمس.

وأشاروا إلي أن القرار قد يكون الهدف منه هو الحفاظ على الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بمصر، الذي انخفض بشدة خلال العامين الماضيين، مع عدم وجود مصادر بديلة لتوفير العملة الأجنبية، في ظل تراجع إيرادات السياحة والصادرات بشكل كبير.

وعن إمكانية قيام الأفراد باستخدام تحويلات البنوك كبديل للخروج بالعملة الصعبة، حتى لا يخضعوا للتعديلات الجديدة، أوضح مصرفيون أن هذا ليس حلا، لأن البنوك تضع شروطا شديدة على التحويلات البنكية، ولا تسمح بتحويل أكثر من 100 ألف دولار كحد أقصى في التحويلات البنكية للفرد خلال العام. وقد يكون الهدف منه هو مواجهة عمليات غسل الأموال التي تحدث في السوق، وتكرر في أحاديث الساسة الفترة الماضية.

وكانت البنوك المصرية قد سحبت ملياري جنيه من أرصدتها المستثمرة في الخارج في أول 3 أشهر من العام المالي الحالي، مع تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، ليصل إجمالي تلك الأرصدة لنحو 74.582 مليار جنيه في نهاية سبتمبر (أيلول)، بعد أن كان 75.905 مليار جنيه في الربع السابق. في ظل احتياج محلي كبير للعملة وعدم القدرة على الاستثمار في الخارج.

من جانبه، قال رئيس أحد البنوك الخاصة في مصر رفض ذكر اسمه، إن هناك حالة إقبال كبير على سحب الأموال، سواء من خلال شباك الصرف في صالات البنوك أو عبر ماكينات الصراف الآلي، مشيرا إلى أن الأموال موجودة ومحافظ عليها بشكل جيد من البنوك.

وأضاف أن يوم أمس كان أكثر هدوءا من أول من أمس، حيث طلب عدد من العملاء من البنوك كسر أوعيتهم الادخارية أو الاستفسار عن حقيقة ما أثير عن أن مدخراتهم غير آمنة. وفسر رئيس البنك ما يحدث بأنه انعكاس لحالة من الشائعات مرتبطة بحالة الارتباك السياسي الكبير في الشارع المصري، مشيرا إلى أن ذلك تم تدعيمه بقوة مطلع الأسبوع الحالي، عقب ما أثير من أجهزة حكومية بإقالة محافظ البنك المركزي فاروق العقدة، وهو ما تم نفيه بعد ذلك، مع عدم القطع بحقيقة الموقف حتى الآن. ومع النظرة السلبية التي عكستها أول من أمس مؤسسة «ستاندر آند بورز»، قال محللون إن التصنيف الائتماني، يعتبر جزءا من صورة قاتمة للأوضاع الاقتصادية للبلاد، ولكن هذا التصنيف لا يعني أن تكون البلاد على حافة الإفلاس؛ فمصر لديها موارد متجددة، كما أن مؤشرات وزارة المالية تشير إلى زيادة في الإيرادات الحكومية، وإن كان أغلبها من الضرائب إلا أن الإيرادات تتدفق، وأضاف أن مصر أيضا لم تتخلف عن سداد ديونها الخارجية ولم تؤجلها أيضا، وحجم ديونها الخارجية ضئيل، وبالتالي فإن إفلاسها أمر مستبعد، وتبقى أزمتها فقط في احتياطي النقد الأجنبي وتنميته ووصوله إلى مستويات آمنة وهذا يتعلق باستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.

وتراجعت أمس مؤشرات البورصة المصرية بعد أن فقد رأسمالها السوقي نحو 2.42 مليار جنيه، وخسر مؤشرها الرئيسي «EGX30 1%» ليغلق عند 5318.85 نقطة، كما تراجع مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة «EGX70» بنحو 1.36 في المائة ليغلق عند 469.61 نقطة، وقال محللون إن هذا الهبوط سببه الرئيسي تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد.