إنعاش الاقتصاد.. الاختبار الحقيقي لنجاح رئيس الوزراء الياباني

الين في أدنى مستوياته منذ أبريل 2011

الأسهم اليابانية تحقق ارتفاعا ملموسا وتنتظر المزيد من الانتعاش بعد أعياد الميلاد (أ.ف.ب)
TT

إنعاش الاقتصاد سيكون الهم الأول لحكومة رئيس الوزراء الياباني الجديد شينزو آبي، حسب توقعات معظم المحليين الماليين وخبراء الاقتصاد في طوكيو. ومن المتوقع أن تعمل الحكومة اليابانية على إنعاش الاقتصاد الياباني عبر آليتين؛ الأولى ضخ سيولة نقدية مباشرة في الاقتصاد عبر سياسة التيسير النقدي التي من المؤمل أن يتبعها البنك المركزي الياباني خلال الشهور المقبلة. والآلية الثانية زيادة الإنفاق الحكومي في مشاريع البنى التحتية وإعادة تعمير ما تبقى من دمار تسونامي في منطقة فوكوشيما. وتتوقع الأوساط الاقتصادية في طوكيو أن تضخ الحكومة الجديدة قرابة 10 تريليونات ين (نحو 117.6 مليار دولار) في الاقتصاد خلال الشهور المقبلة. وانخفض الين الياباني في تعاملات سوق النقد الأجنبي في لندن في العمليات الصباحية بنسبة 0.7 في المائة إلى 83.33 مقابل الدولار، في إشارة واضحة إلى أن الحكومة الجديدة ستعمل على السماح للين بالانخفاض إلى مستويات تسمح للنمو التدريجي للصادرات اليابانية، وجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار في سوق الأسهم اليابانية، وتوفير تمويل رخيص لخطط الإنفاق في البنية التحتية.

ورغم استهداف الحكومة الجديدة لخفض كبير في سعر صرف الين، فإن الاقتصادي نوريكو هاما أستاذ الاقتصاد بجامعة دوشيشا اليابانية كتب في صحيفة «جابان تايمز» أمس يقول: «رغم أن آبي يرغب في خفض كبير للين، فإنه لا يريد أن يصبح الرئيس الذي يشن حرب عملات على حلفاء اليابان». من جانبه قال هيروشي نيشي أحد مديري صناديق الأسهم في طوكيو لوكالة بلومبيرغ: «أتوقع أن يشتري المستثمرون الأجانب الأسهم اليابانية حينما يعود من عطلة أعياد الميلاد». وفي الاتجاه ذاته قال كيميهيكو توميتا رئيس تداول العملات لدى «ستيت ستريت غلوبال ماركتس» في طوكيو: «لا يوجد ما يجعلنا نتوقع أن يتغير هذا الاتجاه في أي وقت قريبا مع عدم وجود حافز لشراء الين الآن». وأضاف: «بالطبع وعلى أساس التعاملات أثناء الجلسة ربما تكون هناك موجات من جني الأرباح، لكن بشكل عام لا يوجد سبب قوي يدفع لشراء الين». وهبط سعر صرف الين أمس لأدنى مستوى له في 20 شهرا مقابل الدولار في التعاملات الآسيوية أمس الأربعاء.

وتعكس خريطة الطريق الاقتصادية للحكومة اليابانية الجديدة عودة الوصفات العلاجية التقليدية لليمين الياباني مع مشاريع عامة كبرى لتحفيز النشاط، ولجوء أكبر إلى الاقتراض والتوسع في السياسة النقدية. وفور فوزه في الانتخابات التشريعية في 16 ديسمبر (كانون الأول) وعد زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي شينزو آبي بإلغاء القيود التي فرضها سلفه، المنتمي إلى اليسار الوسط، على إصدار الدولة سندات جديدة.

وبهذه الخطوة الرمزية أراد آبي أن يحدث قطيعة مع السنوات الثلاث من إدارة الحزب الديمقراطي الياباني الذي حاول خفض العجز العام بإعادة النظر في «سياسة الصرامة الشديدة» التي كان ينتهجها المحافظون في السلطة منذ نهاية الخمسينات إلى 2009.

وبعد انتهاء هذه المرحلة من حكم الحزب الديمقراطي الياباني (2009 - 2012)، جعلت حكومة آبي الذي نصب الأربعاء من عودة النمو إلى ثالث قوة اقتصادية في العالم، أولى أولوياتها مهما كان الثمن.

واقترح آبي خلال حملته الانتخابية استثمار ما لا يقل عن 1800 مليار يورو في الأشغال الكبرى خلال السنوات العشر المقبلة. وقال ديفيد ري من معهد الأبحاث كابيتال إيكونوميكس لوكالة «أ.ف.ب» إن «هذه السياسية ستعيد اليابان إلى زمن الجسور التي لا تؤدي إلى أي طريق، والفساد المستشري بشأن العقود»، مؤكدا أنها ستكلف البلاد ثمنا «باهظا»؛ نظرا لنتائجها غير الأكيدة. غير أن هامش مناورة القادة الجدد في المجال المالي ضعيف، حيث إن نحو 40 في المائة من ميزانية الدولة ممولة هذه السنة من قرض عام بلغ 326 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، وهي أكبر نسبة بين الدول المتطورة حسب صندوق النقد الدولي.

ويشتهر وزير المالية الجديد تارو بإسرافه في الإنفاق بعد أن أطلق أربع خطط إنعاش في ظرف عشرة أشهر، بلغت قيمتها 5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي خلال توليه رئاسة الحكومة لفترة قصيرة في خضم الأزمة المالية (2008 - 2009)، لكن البلد في منأى عن تقلبات الأسواق الأجنبية؛ لأن أكثر من 90 في المائة من أصول الدولة اليابانية يملكها مستثمرون يابانيون.

غير أن الكثير من الاقتصاديين يحذرون من أن الديون العامة قد تبلغ درجة تصعب السيطرة عليها، وقد لا تستطيع الأجيال القادمة تسديدها، إلا إذا تقرر بالموازاة مع ذلك القيام باقتطاعات كبيرة في الميزانية وإصلاح ضريبي هائل، لكن الحكومة لا تعول في الوقت الراهن في مجال الدخل سوى على زيادة ضريبة الاستهلاك من 5 في المائة حاليا إلى 8 في المائة في أبريل (نيسان) 2014، ثم إلى 10 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، شرط عودة انطلاق النمو. وينص برنامج الحزب الليبرالي الديمقراطي، من جهة أخرى، على خفض الضريبة على موارد الشركات. ويثير ذلك المخاوف من أن تبحث الحكومة عن مداخيل أخرى، مثل اللجوء إلى طبع الأوراق النقدية وفق الطلبات التي وجهتها إلى البنك المركزي الياباني.

وطالب آبي المصمم على وضع حد للانكماش الذي يعطل النشاط منذ أكثر من ثلاث سنوات، البنك المركزي بأن يتوقع اعتبارا من يناير (كانون الثاني) زيادة من 1 إلى 2 في المائة في العجز، الأمر الذي سيضطره إلى إضافة المزيد من المرونة على سياسته النقدية.

وإذا لم تمتثل المؤسسة، فإن رئيس الوزراء ينوي مراجعة قانون استقلالية البنك المركزي.

كما أنه سيختار حاكما جديدا لبنك اليابان ينسجم مع أفكاره في أبريل عندما تنتهي ولاية الحاكم الحالي مساكي شيراكاوا.

وفي هذه الأثناء أدى خطاب آبي إلى أن يفقد الين قليلا من قوته الاستثنائية التي تؤثر منذ سنوات على مجموعات المصدرين، وخصوصا صانعي الأجهزة الإلكترونية الواسعة الانتشار، وتجاوز سعر الدولار الأربعاء 85 ينا للمرة الأولى منذ أبريل 2011.