ملوك أوروبا يركزون على الأزمة الاقتصادية في رسائلهم بمناسبة أعياد الميلاد

شددوا على الثقة في المشروع الأوروبي الوحدوي وضرورة الانفتاح على الآخر

الاتحاد الأوروبي استطاع أن يحقق السلام والرخاء
TT

وجه عدد من ملوك الدول الأوروبية رسائل تهنئة للمواطنين بمناسبة أعياد الميلاد، تركزت بشكل أساسي على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القارة العجوز وسبل الخروج منها، إلى جانب التأكيد على الثقة في أوروبا كمشروع وحدوي قادر على تجاوز المرحلة الراهنة، وضرورة انتشار مفهوم الثقة في النفس والانفتاح على الآخر.

ففي كلمته السنوية عبر وسائل الإعلام المختلفة تناول الملك ألبرت الثاني، ملك بلجيكا، ملف الأزمة الاقتصادية، وقال إنه متعاطف مع العمال ضحايا إفلاس عدد من الشركات والمصانع بسبب الأزمة، وركز الملك على عمال مصنع «فورد» للسيارات في مدينة جنك البلجيكية، وعمال مصنع لصناعة الألوميتال في المنطقة الوالونية من بلجيكا. ثم تناول العاهل البلجيكي بعد ذلك عدة نقاط تتعلق بظروف العمل والضمانات المطلوبة في هذا الملف، وأشاد في الوقت نفسه بخطوات للحكومة مؤخرا تتعلق بالمرتبات وتخفيف الأعباء عن الموظفين والعمال. وقال الملك إن بلجيكا لم تقع فريسة للأزمة الاقتصادية، وما دام ذلك لم يحدث فلا بد أن يظل المتوسط الأوروبي هو المعيار حاليا. وطالب الملك بزيادة القدرة التنافسية بين الشركات البلجيكية.

وحذر ملك بلجيكا في خطابه من الشعبوية، وقال إنه من المثير للسخرية أن بلادا مزدهرة مثل بلجيكا تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 15 في المائة من سكانها معرضون لخطر الوقوع في الفقر. ودعا الملك إلى التضامن وتشجيع طرق جديدة للاندماج في سوق العمل، محذرا من فتح المجال أمام الشعارات الشعبوية، وقال «علينا أن نتوخى الحذر في هذه الأوقات المربكة إزاء الحجج الشعبوية التي تذهب دائما للبحث عن كبش فداء للأزمة الاقتصادية سواء من الأجانب أو من سكان أي جزء من البلاد»، مشيرا إلى أن هذه الحجج ترددت كثيرا في عدة دول أوروبية. ونوه الملك بما حدث في فترة الثلاثينات من أمور مشابهة كانت لها عواقب وخيمة على الديمقراطيات.

كما ركزت الملكة بياتريكس، ملكة هولندا، على أهمية الثقة من أجل مجتمع ينعم بالقانون والتعايش. وبشكل عام قالت الملكة إنها تثق في أوروبا كمشروع وحدوي، وقالت إن الاتحاد الأوروبي استطاع أن يحقق السلام والرخاء، مشددة على أن السلام أهم بكثير. ولمحت إلى ضرورة التمسك بالالتزام وتوافر حسن النية، وقالت إن أعياد الميلاد لا بد أن يلازمها حسن النية، كما دعت إلى ضرورة الانفتاح على الآخر، وقالت إنه منذ سنوات بعيدة استفاد المجتمع الهولندي من وجود أشخاص من ثقافات مختلفة، وإن الشعور بالمسؤولية من جانب الجميع جعل هولندا أقوى.

من جانبه، دعا العاهل الإسباني خوان كارلوس للمواءمة بين التقشف والنمو الاقتصادي، معتبرا أن بلاده ستمثل «جزءا من حل الأزمة العالمية». وقال ملك إسبانيا في خطابه التقليدي بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد إن مواطنيه يعيشون «واحدة من أصعب اللحظات في التاريخ الحديث للبلاد».

وأضاف العاهل الإسباني أن «تنازلات اليوم ستضمن رفاهية الغد في مدى معقول وبشكل يضمن حماية الحقوق الاجتماعية». وأكمل الملك خوان كارلوس «القصر الملكي يعي الجهد والتضحية التي يقدمها المواطنون، لا يوجد أي جهد في الحياة من دون ثمن». واعتبر العاهل الإسباني أن السبيل الأفضل للعودة للنمو هو «ترتيب الحسابات وإيجاد حوافز لخلق الثروات»، معتبرا أن أول محفز سيخرج البلاد من أزمتها هو الثقة.

جاء ذلك بينما تظاهر الآلاف في مختلف المدن الإسبانية احتجاجا على التسريحات الضخمة للعمال التي تقوم بها حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي في القطاع المصرفي كشرط أساسي لحصول البنوك الإسبانية على مساعدات أوروبية. وقال دانيال إيستبان، رئيس نقابة عمال مصرف «بانكيا» الإسباني «نأمل أن يغيروا خططهم، على الأقل أصعب جزء فيها وهو المتعلق بالتسريحات. نتمنى أن نستطيع إيقاف ذلك. كل ما نطلبه هو الحس السليم. نرغب في المفاوضات لكننا لا نستطيع خوضها بمثل هذه الشروط». ويقول المحتجون الذين تدعمهم كبرى النقابات العمالية إن الحكومة قامت بتسريح 35 ألف شخص خلال الأعوام الأربعة الفائتة، وإنها تعتزم تسريح أكثر من 18 ألفا آخرين خلال العام المقبل.

أما في روما فإن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي مستعد لقيادة حكومة جديدة في إيطاليا منبثقة عن الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجرى بعد شهرين، لكن بشرط قبول برنامجه الإصلاحي الاقتصادي الذي نشره على الإنترنت والذي سماه «أجندة مونتي». وكان مونتي أعلن استقالته من وظيفته قبل أيام مع استمراره في قيادة حكومة تصريف أعمال إلى غاية تنظيم انتخابات تشريعية. ولم يطل انتظار الرد من الطبقة السياسية، حيث أعلن بيير فيرديناندو كازيني الذي يقود حزب اتحاد الوسط، ولوكا دي مونتي زيميلو الذي يتزعم «إيطاليا المستقبل» ويدير شركة «فيراري» لصناعة السيارات، دعمهما لأجندة ماريو مونتي، إضافة إلى شخصيات سياسية أخرى على غرار جيانفرانكو فيني وفرانكو فراتيني الوزير الأسبق للشؤون الخارجية.

الساحة السياسية الإيطالية تشهد أزمة تسبب فيها سحب حزب سيلفيو بيرلسكوني ثقته من حكومة ماريو مونتي متنكرا لاتفاقاته السابقة معه، مما دفع مونتي إلى إعلان استقالته بمجرد المصادقة قبل بضعة أيام على مشروع ميزانية البلاد لعام 2013.

ونشر رئيس الوزراء الإيطالي المستقيل ماريو مونتي برنامجه الإصلاحي على الإنترنت يوم الاثنين، داعيا الإيطاليين إلى المشاركة في نقاش حول مستقبل بلدهم، في الوقت الذي تبدأ فيه حملة انتخابية يحتمل أن تكون شرسة قبل شهرين من الانتخابات. وبعد أسابيع من التردد أعلن مونتي يوم الأحد استعداده لقيادة تحالف وسطي ذي توجه إصلاحي سعيا للفوز بفترة ولاية ثانية لإكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه عند توليه منصبه قبل أكثر من عام. وحتى لو أكد مونتي خوضه للحملة الانتخابية التي سيهيمن عليها برنامجه الإصلاحي المشدد، فمن المستبعد على ما يبدو في هذه المرحلة أن يعود إلى السلطة، لكن مشاركته قد تعزز موقف تحالف وسطي وتساعد على صوغ برنامج الحكومة المقبلة.

ويتوقع فوز الحزب الديمقراطي، وهو حزب يسار الوسط الذي تعهد بالسير في مسار مونتي الإصلاحي عموما لكن مع تقديم مزيد من المساعدة للعمال وأرباب معاشات التقاعد ومزيد من التركيز على النمو، لكنه قد يضطر إلى إقامة ائتلاف مع الوسط. وفي رسالة عامة إلى الإيطاليين نشرت على الإنترنت أرفق بها برنامج سياسي يقع في 25 صفحة، قال مونتي إنه يأمل في أن يؤدي البرنامج إلى «تفكير بعقل مفتوح» يساعد في تحديد ملامح النقاش قبل الانتخابات المقررة يومي 24 و25 فبراير (شباط) المقبل. وحث على اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية في الميزانية والإصلاحات الهيكلية وإجراءات لمكافحة الفساد وتوفير مزيد من فرص العمل للنساء والشبان.

وهاجم مونتي، في مؤتمر صحافي عقده يوم الأحد الماضي، نقابات العمال اليسارية لمعارضتها للإصلاح، لكنه وجه انتقادا خاصا لرئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني الذي لاحقته الفضائح وانتقده بشكل متكرر للتبدلات «المحيرة» في مواقفه. ورد برلسكوني (76 عاما) في تصريحات لإحدى قنواته التلفزيونية قائلا إنه من «غير الأخلاقي» أن يخوض مونتي الانتخابات بعد توليه الحكم كرئيس وزراء غير منتخب بدعم من الأحزاب الرئيسية. وقال فابريتسيو سيتشيتو، وهو أحد المساعدين الرئيسيين لبرلسكوني وزعيم الكتلة البرلمانية لحزب شعب الحرية، إن مكانة مونتي الدولية والاحترام الذي يتمتع به بين الشركاء الأوروبيين لإيطاليا لن تكون لهما قيمة تذكر. وأضاف «لقد استهدف (مونتي) حزب شعب الحرية الذي بات واضحا أنه لم يعد أمامه خيار إلا أن يرد بالمثل».

يذكر أن مونتي عضو في مجلس الشيوخ مدى الحياة، ولا يحتاج إلى خوض الانتخابات البرلمانية. وكان رئيسا للمفوضية الأوروبية وعين رئيسا لحكومة تكنوقراط لإنقاذ إيطاليا من الأزمة المالية. ولم يحدد مونتي القوى التي يمكن أن يدعمها، غير أن الأحزاب الوسطية التي ارتبط بها رحبت بإعلانه بحماس شديد. وقال بييرفرديناندو كاسيني، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي المنتمي إلى تيار الوسط والمقرب من الكنيسة الكاثوليكية لصحيفة «لا ريبابليكا» اليومية «نحن لا نجبر مونتي على شيء، لكن من الواضح أن ذلك (دعم مونتي) سيضيف قيمة هائلة لمشروعنا في حال حدوثه».