قرى خاوية تشهد على مأساة التسونامي في اليابان

«الشرق الأوسط» تتجول في ولاية فوكوشيما

مشاهد الدمار وأكوام مخلفات التسونامي والإشعاع الذري في أوداكا («الشرق الأوسط»)
TT

خلت شوارع قرية أوداكا الواقعة على أطراف مدينة ميناميسوما من الأطفال والحياة، لقد باتت قرية أشباح كأن لم يكن فيها سامر من قبل منذ كارثة التسونامي وما تلاه من التلوث الإشعاعي الذي انبث في أنحاء المنطقة. وتقف منطقة أوداكا الواقعة على بعد 25 كيلومترا من مفاعل داييتشي شاهدا على بشاعة الكارثة التي تعرض لها الشعب الياباني في 11 مارس (آذار) 2011 والأيام التي تلت وشهدت تسرب الإشعاع الذري من مفاعل داييتشي في فوكوشيما. إنها بحق مأساة بشعة لا تزال ماثلة للعيان، على الرغم من جهود الإغاثة.

شاهدت «الشرق الأوسط» لدى تجوالها مع الفريق الصحافي الذي دعته وزارة الخارجية اليابانية حجم الدمار الذي خلفته كارثة فوكوشيما هنالك، آلاف الأطنان من أكوام الزبالة ومخلفات التربة ومساكن خربة خاوية على عروشها. ومدينة ميناميسوما التي زارتها «الشرق الأوسط» تتكون من اندماج ثلاث مدن صغيرة وهي هاراماشي وأوداكا ووكاشميرا لتكون مدينة جديدة أطلق عليها اسم ميناميسوما. وتقع هذه المدينة على بعد 25 كيلومترا من مفاعل فوكوشيما وتعرضت لخسائر ضخمة من التسونامي كما تعرضت للتلوث الإشعاعي. وكانت التقارير الأولية بعد الكارثة قد قدرت الذين توفوا بحوالي 400 شخص والذين فقدوا بأكثر من ألف شخص. ولكن هذه الأرقام تم تصحيحها لاحقا.

لدى تجوالنا قال أحد الشباب المتطوعين الذين يعملون في تنظيف مدينة ميناميسوما والقرى التي حولها، آتي إلى هنا في عطلة الأسبوع أنا ومعي بعض الشباب لتنظيف المدينة من التلوث وعادة ما ينضم إلينا مجموعة من سكان المنطقة. ولا تسمح السلطات اليابانية لسكان أوداكا بالمبيت ليلا فيها ولكن يسمح لهم فقط بزيارة منازلهم أثناء النهار بعد أن تم إخلاء الكثير منهم ويسكنون في منازل مؤقتة. وحكت سيدة من اللائي تم إخلاؤهن التقتها «الشرق الأوسط» في مركز الاقتراع بمدينة ميناميسوما مأساة التسونامي بقولها، حينما ضرب المنطقة التسونامي «اضطررت للفرار من المنزل مع أطفالي ولم نكن ندري إلى أين نتجه أو ما هو المصير الذي ينتظرنا ولم تكن لدينا سوى قطعة خبز واحدة ووقتها لم تكن الحكومة قادرة على فعل شيء، لقد كانت الصدمة هائلة». وأضافت «الآن أنا أسكن في بيت مؤقت وأدير محلا لبيع اللحوم مع زوجي ولكن لا أدري متى سأرجع إلى منزلي. أو متى ستكون المنطقة خالية من الإشعاع وصالحة للسكن مرة أخرى». وشرح البروفسور ساتورو تاناكا من جامعة طوكيو المتخصص في تنظيف تلوث الإشعاع الذري لـ«الشرق الأوسط» الخطوات التي يتخذها مركز المدينة الذي يديره مع مجموعة من الخبراء. وقال إن هذا المركز يقوم بنشر الوعي وسط المواطنين ومساعدتهم على النظافة من الإشعاعات عبر الأجهزة التي يستخدمها المركز ويعلمهم كيفية التعرف على التلوث وقياس درجة التلوث المتمثل في نظائر الايودين ونظائر السيزيوم التي تنبعث من مفاعل داييتشي. وقال البروفسور تاناكا إن المنطقة التي لوثها الإشعاع الذري في منطقة فوكوشيما تنقسم إلى جزأين، الجزء الأول يمتد على دائرة نصف قطرها 20 كيلومترا من مفاعل داييتشي. وقال إن هذا الجزء عالي التلوث وتم عزله تماما بواسطة السلطات الأمنية والصحية اليابانية وإخلاء السكان منه في أعقاب الكارثة ولا يسمح للمواطنين والصحافة الاقتراب منه لأنه خطر على الصحة. أما الجزء الثاني فهو يقع على بعد يتراوح بين 20 و30 كيلومترا من المفاعل وتقع فيه مدينة ميناسوما. وقال إن هذه المنطقة يجري تنظيفها من الإشعاع وهنالك بعض المناطق فيها عالية الإشعاع مثل منطقة أوداكا. وقد قطعت السلطات الصحية شوطا في نظافتها وهي المنطقة التي تضم مدينة ميناميسوما ومناطق أخرى مجاورة. ولكنه قال إن جهود التنظيف يعيقها وجود مساحات لتخزين المخلفات الملوثة بالإشعاع مشيرا إلى أن تنظيف المنطقة كليا من الإشعاع قد يأخذ وقتا يتراوح بين 30 إلى 40 عاما.

والتقت «الشرق الأوسط» مع الفريق الصحافي بعمدة مدينة ميناميسوما كاتوسونوباي ساكوراي للوقوف على حجم المأساة التي تعرضت لها المنطقة. قال ساكوراي إن عدد سكان المدينة كان يبلغ 71500 نسمة قبل كارثة التسونامي ولكنه انخفض مباشرة بعد الكارثة بنسبة كبيرة. وقال العمدة ساكوراي إن المواطنين بدأوا يعودون للمدينة تدريجيا بعد إصلاح الأعطاب وإعادة الخدمات. ولكنه أشار إلى أن العدد الذي رجع إلى المدينة لم يتعد 14600 نسمة وأن الكثير من الشباب فضلوا الهجرة نهائيا والبقاء في مدن أخرى. وقال إن نسبة الشباب إلى السكان في المدينة كانت 26% قبل الكارثة والآن ارتفعت إلى 32%. وأشار العمدة في لقائه مع «الشرق الأوسط» إلى التحديات الكثيرة التي تواجه السكان والمدينة، منها إيجاد وظائف بعد مهاجرة الكثير من الأعمال التجارية، وقال إن السلطات الحكومية تعمل على استيعاب الكثير منهم في عمليات التنظيف والأمن وإعادة الأعمار. لكنه أشار إلى أن بلدية مدينة ميناميسوما تواجه مصاعب مالية لأنها لم تستطع تحصيل ضرائب من المواطنين منذ الكارثة كما أن الكثير من الأعمال التجارية لم ترجع للمدينة. وعلى الرغم من الجهود الكبرى التي بذلت في إعادة الإعمار خلال العشرين شهرا الماضية قال ساكوراي «نحن بحاجة إلى 100 مليار ين لإكمال إعادة الإعمار».

ويعارض ساكوراي بشدة عودة اليابان لتوليد الكهرباء من الطاقة الذرية وقال «أرغب في أن أرى هذه المنطقة تنهض اقتصاديا عبر توليد الطاقة البديلة مثل توليد الكهرباء من المياه والطاقة الشمسية». وسألته «الشرق الأوسط» عما إذا كان متفائلا بشأن المستقبل قال ساكوراي أنا متفائل دائما.. بصفتي عمدة للمدينة أبث هذا التفاؤل وسط المواطنين عبر تشجيع الأسر على ممارسة حياتها الطبيعية ودفع الشباب لممارسة الرياضة وأنا شخصيا أواصل ممارسة الجري يوميا.