راتان تاتا يتقاعد من قيادة إمبراطوريته التي جعلها عالمية

خلف مجموعة عملاقة قيمتها 100 مليار دولار ومقرها مومباي

راتان تاتا (أ.ف.ب)
TT

لا يمكن أن يغيب عن نظرك اسم العلامة التجارية تاتا في الهند، فهي موجودة على الشاي الذي تشربه وعلى سيارات الأجرة «إنديكا» البيضاء التي تجوب حولك والشاحنات التي تعترض طريقك بل بدأت ملاحظتها على مقاهي ستارباكس تاتا.

ووضعت العلامة التجارية على الفنادق في نيويورك وسيدني وعلى الحديد الصلب المصنع في المصانع الأوروبية وسيارات جاغوار الفارهة.

الرجل الذي يقف وراء هذا الاسم العالمي هو راتان نافال تاتا الذي يتم عامه الخامس والسبعين اليوم الجمعة ويتنحى من منصبه كرئيس لمجلس إدارة «تاتا صنز» الشركة القابضة للمجموعة التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار ومقرها في مومباي.

وتتراوح أعمال أكبر شركة عملاقة مملوكة للقطاع الخاص في الهند من صناعة الصلب والفنادق والشاي والسيارات والأسمدة، إلى الطاقة والاتصالات وخدمات المعلومات.

وعندما تولى تاتا رئاسة مجلس إدارة المجموعة التي يبلغ عمرها 123 عاما في عام 1991 من عمه جيه آر دي تاتا، كانت عبارة عن تشكيلة لأكثر من مائتي شركة بعضها تمت إدارته من جانب قادة أقوياء لا تتم مساءلتهم إلا من قبل تاتا الأكبر.

ومع حصوله على شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة كورنيل وأخرى من كلية هارفارد للأعمال وسنوات في مصانع شركة «تاتا»، أمضى العقد الأول من رئاسته في التخلص من الشركات التي اعتبرها كالخشب القديم وبدأ في تعزيز المجموعة.

ولم يفقد تاتا رؤية ما يراه بأنه قيم أساسية لمجموعته. وقال في مقابلة نشرت عام 2006 على موقع المجموعة الإلكتروني إن «علينا أن نجري تخفيفا لقطاعات معينة بطريقة كريمة تحمي موظفينا وكل مساهمينا».

وعندما تولى تاتا رئاسة الشركة، كانت الهند قد بدأت للتو في تحرير اقتصادها. وبعد تعزيز الشركة وضعها في الداخل، بدأ تاتا في جعل مجموعته أول شركة هندية عالمية فعلا.

وكان من بين عمليات الاستحواذ التي قامت بها مجموعة تاتا في الفترة من 2000 إلى 2012. الاستحواذ على مجموعة تيتلي البريطانية للشاي، ووحدة المركبات الثقيلة لشركة «دايو موتورز» الكورية الجنوبية وشركة «نات ستيل» أكبر شركة للصلب في سنغافورة وفنادق في نيويورك وسان فرانسيسكو وسيدني، وشركة «برونر موند» لصناعة الكيماويات ومقرها بريطانيا.

لكن أكبر صفقة لها كانت الاستحواذ على شركة «كوراس» الإنجليزية الهولندية لصناعة الصلب إذ اشترتها تاتا ستيل مقابل 3.‏11 مليار دولار في عام 2007 وشركتي «جاغوار» و«لاند روفر» اللتين اشترتهما «تاتا» من شركة «فورد موتور» الأميركية مقابل 3.‏2 مليار دولار في عام 2008.

وخلال إحدى وعشرين سنة تحت قيادة تاتا، نمت المجموعة لتعمل في 80 دولة وبعدد موظفين بلغ 450 ألف شخص.

وخلال العام المالي المنتهي في 31 مارس (آذار) الماضي، جاء نحو 58% من إيراداتها من الخارج للمرة الأولى لإحدى الشركات الهندية.

وقال راهول باجاج رئيس مجلس إدارة مجموعة باجاج الهندية العملاقة إن «الاستحواذ على جاغوار ولاند روفر كافيا لوضع اسمه في كتب تاريخ الأعمال» مشيرا إلى تحول تاتا إلى قطاع السيارات.

ويصف المطلعون على بواطن الأمور في تاتا وأقرانه في قطاع الأعمال الهندي، تاتا بأنه رجل يواكب العصر وعلى استعداد لتحمل المخاطر، كما أن لديه رؤية لمجموعته واهتمام بالغ بأدق التفاصيل.

وأصبحت شركة «تويوتا موتورز» الآن التي بدأت في تصنيع القاطرات من بين أكبر خمس شركات لصناعة سيارات النقل في العالم.

كما أن شركة «تاتا ستيل» واحدة من أكبر عشر شركات لصناعة الصلب، في حين أن «تاتا غلوبال بفيريدجيس» هي ثاني أكبر شركة للشاي في العالم و«تاتا كيميكالز» ثاني أكبر منتج لرماد الصودا في العالم.

قال راجكومار دهوت رئيس الغرفتين المتحدتين للتجارة والصناعة بالهند إن «راتان تاتا يحتل المكانة الشهيرة التي يستحقها لرجل حول مجموعته من شركة مملوكة لأسرة هندية بشكل كبير إلى شركة عملاقة عالميا وتدار بشكل محترف».

وكان للمجموعة حصة من التحديات والأمور المثيرة للجدل تحت قيادة تاتا، إذ تعين عليها أن تنقل مصنعا لإنتاج السيارة نانو الرخيصة وهي مشروع قريب من قلبه من ولاية غرب البنغال بعدما زعم محتجون بأنه تمت حيازة أراض زراعية بشكل غير مشروع.

كما تورطت شركة «تاتا تيليكوم» في فضيحة تتعلق بما تردد عن وجود مخالفات في توزيع تراخيص شبكات الهاتف الجوال في عام 2008 لكن تمت تبرئة ساحتها من جانب المحققين فيما بعد.

ومع ذلك، تعرف شركة «تاتا» بممارساتها التجارية الأخلاقية في قطاع الأعمال الهندي الذي يشهدا غموضا في كثير من الأحيان.

وقال دهوت إن ذلك «يتطلب الكثير من الشجاعة كي تظل راسخا في بيئة أعمال نجدها في كثير من الأحيان غارقة في الخلافات».

وفي عام 2008، اعتمدت المجموعة مدونة سلوك لشركاتها وموظفيها تنص على أنه «لا يجوز لأي شركة تابعة لتاتا القيام بأي مشروع أو نشاط على حساب المصالح الأوسع للمجتمعات التي تعمل فيها».

في نواح كثيرة، يجسد تاتا هذه المدونة، فهو يعيش في شقة متواضعة في مومباي.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية من المتوقع أن يركز بعد ذلك على العمل الخيري للمجموعة التي تم نقل ثلثي أسهمها على الأقل إلى مؤسسات غير هادفة للربح.

وسيكون خليفة تاتا هو سايروس ميستري الذي تمتلك عائلته حصة نسبتها 5.‏16% في «تاتا صنز».