البورصة المصرية.. آمال في التحسن تحفها مخاطر سياسية واقتصادية

خبراء يتوقعون صعودها خلال 2013 بقيادة قطاعي العقارات والبنوك

رغم سخونة الأحداث خلال عام 2012 في البلاد فإن البورصة شهدت تحولا واضحا في أدائها مقارنة بعام 2011 (إ.ب.أ)
TT

عام صعب مر على البورصة المصرية. أحداث ساخنة وتوترات على كل الأصعدة عرقلت أداءها. ووصف مراقبون عام 2012 بأنه العام الأكثر خطورة الذي مر على سوق المال، ورغم صعوبة التنبؤ بالأوضاع في البلاد، والصورة القاتمة التي يرسمها سياسيون لمستقبل البلاد في ظل الأوضاع الحالية، فإن خبراء سوق المال يرون أن العام الجديد قد يكون بداية لرحلة صعود طويلة المدى للبورصة.

ورغم سخونة الأحداث خلال عام 2012 في البلاد فإن البورصة شهدت تحولا واضحا في أدائها مقارنة بعام 2011، الذي يعد أحد أسوأ الأعوام التي مرت على البورصة المصرية في تاريخها بعد أن فقد مؤشرها الرئيسي نحو 48 في المائة من قيمته.

وبدأ عام 2012، على عكس كل التوقعات، بارتفاعات قوية مدعومة بمشتريات أجنبية قوية تركزت على الأسهم القيادية، ودفعت بالمؤشرات إلى الارتفاع بصورة قوية، وتزامن ذلك مع الإعلان عن نتائج الأعمال التي حملت مؤشرات إيجابية أكثر من المتوقع، وتزامن هذا مع بدء جلسات مجلسي الشعب والشورى المصريين، والإعداد للانتخابات الرئاسية، فأدى ذلك لإشاعة موجة من التفاؤل بالاستقرار السياسي. وقلصت من هذه الارتفاعات أحداث العباسية وسيناء التي تأثرت بها البورصة بشكل نسبي خلال هذه الفترة، ولكن استمرت البورصة المصرية، رغم ذلك، وتصدرت قائمة أنشط البورصات وأكثرها ارتفاعا بين بورصات العالم خلال هذه الفترة.

ومع اقتراب الربع الأول من العام من نهايته، وتصاعد الأحداث في الشارع السياسي المصري من جديد، شهدت البورصة مرة أخرى موجات من جني الأرباح وتراجع السيولة وغياب الأحداث المحفزة. وشهدت البورصة مرة أخرى موجة من الركود استمرت حتى نهاية الانتخابات الرئاسية، لتعود من جديد موجات التراجع للظهور في ظل انخفاض قيم وأحجام التداولات إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، لتنتهي هذه المرحلة بتولي الرئيس الجديد للبلاد.

وقال محسن عادل، المحلل المالي نائب رئيس الجمعية المصرية للاستثمار والتمويل، إن البورصة يمكن تقسيمها لمرحلتين بعد تولي رئيس الجمهورية مهام منصبه، الأولى من أول يوليو (تموز) حتى نهاية سبتمبر (أيلول* 2012 وشهدت نشاطا استثنائيا وارتفاع مؤشرات البورصة المصرية بنحو قياسي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2012، حيث قفز مؤشرها الرئيسي «EGX30» الذي يقيس أداء أنشط ثلاثين شركة، بمقدار 60.7 في المائة، مدفوعا بنشاط قوي للمستثمرين نتيجة التفاؤل بالاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية المرتقبة والتحول الديمقراطي المخطط، إلا أنه منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) بدأت البورصة تعاني من موجات جني أرباح وضغوط بيعية ونقص في السيولة على وقع تباطؤ سياسات الإصلاح الاقتصادي في مصر والأزمات السياسية والدستورية وأحداث سيناء وغزة وعودة المظاهرات، لتشهد هذه الفترة تراجعات جديدة قلصت من حجم مكاسب البورصة، وسادت حالة من الترقب الحذر لدى المتعاملين لتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية.

ويرى عادل أن مستقبل البورصة المصرية خاصة خلال الأشهر القليلة القادمة سوف يظل مرهونا بأداء المستثمرين المحليين من أفراد وبنوك وصناديق ورغبة هذه الأطراف في مساندة السوق ودعمها حتى تجتاز هذه الفترة، مشيرا إلى أن دعم الأطراف المحلية للسوق يعطي رسالة ثقة للمستثمرين الأجانب والعرب بأن الأمور تمضي إلى الأفضل وبالتالي لا داعي للخروج من هذه السوق الواعدة.

ويرى عادل أن التحسن في نسبة تداولات المؤسسات السوقية، بالإضافة إلى ارتفاع تداولاتها، يشير إلى أن المستثمر المؤسسي رغم تراجع تداولاته قياسا بما كان معروفا عنه في سنوات سابقة، لا يزال يبدي اهتماما بالاستثمار في البورصة المصرية، ويرى فرصا استثمارية في تحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية حاليا. وقال عادل إن الأداء الإيجابي خلال الفترة يعطي مؤشرا على أن الأسواق تنتظرها حركة نشاط من قبل الاستثمار المحلي والأجنبي خلال الفترة المقبلة، مع عودة المستثمرين واستقرار الأوضاع.

وتوقع إيهاب سعيد، رئيس قسم البحوث بشركة «أصول» لتداول الأوراق المالية، أن تمر البورصة بموجة صعودية مع بداية العام الجديد، وقال إن البورصة شهدت ثلاث دورات اقتصادية ما بين الصعود والهبوط، فشهدت ركودا حادا خلال خمس سنوات بداية من عام 1998 وحتى نهاية عام 2002، وبداية عام 2003، ثم اتجاها صعوديا قويا خلال خمسة أعوام بين عامي 2003 و2008، قبل أن تبدأ اتجاهها الهابط عام 2008 والمستمر حتى الآن. وأضاف «من الملاحظ أن السوق المصرية تشهد حركة صعودية وأخرى هبوطية كل خمس سنوات، الأمر الذي يشير إلى احتمالية أن يكون عام 2013 هو بداية دورة اقتصادية صعودية تستمر لخمس سنوات قادمة». وقال إنه «من المؤكد أن تلك الاحتمالية ستكون مرهونة بشكل كبير باستقرار الوضع السياسي وانتهاء تلك الحالة من الانقسام الشعبي غير المسبوق، خاصة أن هناك بعض العوامل الاقتصادية المهمة التي تدعم من هذا التوقع، وأبرزها اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ عام 2013، بالإضافة إلى قرض صندوق النقد الدولي الذي إن تمت الموافقة عليه فأتصور أنه قد يشكل نقطة تحول مهمة للاقتصاد المصري بعد عامين من التدهور الحاد».

وقال سعيد إن «استهداف مؤشر البورصة الرئيسي (EGX30) لمستوى الـ6000 نقطة، في مؤشر السوق الرئيسي، قد يشكل نقطة فاصلة في حال نجاح المؤشر في تجاوزها لأعلى، فنتوقع معه أن يواصل صعوده في اتجاه مستوى الـ7200 - 7500 نقطة، وبطبيعة الحال هذا التوقع سيظل مرهونا بالأوضاع السياسية».

وعن أبرز القطاعات المتوقع لها أداء إيجابي خلال عام 2013، فيرى سعيد أن قطاعي البنوك والعقارات هما صاحبا الحظ الأوفر، لا سيما أن قطاع البنوك قد يشهد خلال الفترة المقبلة بعض الاستحواذات من بنوك خليجية على حصص من بنوك داخل مصر، كما هو الحال في صفقة بنك قطر الوطني واستحواذه على 77 في المائة من أسهم بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي، ومن بعده بنك الإمارات الوطني وإعلانه عن رغبته في الاستحواذ على بنك «بي إن بي باريبا»، ومثل هذا الأمر يشير إلى ثقة المستثمر العربي في الاقتصاد المصري وقدرته على استعادة معدلات النمو حتى وإن كانت قيمة الصفقات ستخرج بالكامل من مصر إلى فرنسا، لكنها قد تكون بداية للمزيد من الاستحواذات والاندماجات التي قد تحدث في ما بعد.

وأما في ما يتعلق بالقطاع العقاري، فيقول سعيد إنه من المعروف أن أسهمه المدرجة في البورصة قد تعرضت على مدار العامين الماضيين إلى تراجعات حادة لا تتواءم مع موجودات شركاته، لا سيما أن القطاع قد شهد طفرة كبيرة في أسعار الوحدات بالاقتصاد الحقيقي خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2008، عبرت عنها في حينها أسهمه المدرجة في البورصة بتحقيق مستويات قياسية. لكن بعد الأزمة المالية العالمية لم تشهد أسعار الوحدات في الاقتصاد الحقيقي تراجعات حادة إلا في بعض المناطق بنسب تراوحت بين 25 و30 في المائة. وعلى الجانب الآخر فقد تراجعت أسهم القطاع في البورصة في الفترة نفسها بنسب كبيرة قاربت في بعضها على الـ80 - 90 في المائة، الأمر الذي كان مبالغا فيه إلى حد بعيد، وأضحى منطقيا مع عودة الاستقرار السياسي أن تشهد أسعار أسهم هذا القطاع طفرة واضحة لتعود وتتواءم مع قيمها الدفترية الجديدة.