الجنيه المصري يهبط إلى مستوى قياسي بعد تطبيق آلية جديدة لتداول العملة الأجنبية

ارتباك في سوق الصرف وتخوفات من ارتفاعات غير مبررة للدولار

حالة من الارتباك سادت أسواق الصرافة المصرية التي لم تستطع طوال يوم أمس تحديد سعر صرف الدولار (رويترز)
TT

في الوقت الذي بدأ فيه البنك المركزي في تطبيق آلية جديدة يقوم من خلالها بطرح عطاءات دورية لشراء أو بيع الدولار الأميركي (FX Auctions)، تتقدم إليها البنوك بعروضها، قال مصرفيون إنه «وفقا للآلية الجديدة فقد تراجع سعر صرف الجنيه إلى مستوى قياسي، حيث تراوح سعر صرف الدولار ما بين 6.30 و6.37 جنيه، وهو أدنى مستوى للجنيه منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004. وبلغ فتح الدولار أمس عند نحو 6.185 جنيه وفقا لسعر الشراء في سوق ما بين البنوك تبعا لبيانات البنك المركزي».

وسادت حالة من الارتباك في سوق الصرافة المصرية التي لم تستطع طوال يوم أمس تحديد سعر صرف الدولار، لعدم توافره في المقام الأول، إلى جانب عدم معرفة شركات الصرافة بمستوى الدولار الذي تم تحديده بعد طرح البنك المركزي لأول عطاء لبيع الدولار في السوق، وفقا لما قاله محمد الأبيض رئيس شعبة الصرافة باتحاد الغرف التجارية لـ«الشرق الأوسط».

وقال البنك المركزي إنه باع أمس 74.9 مليون دولار في أول عطاء يطرحه للعملة الصعبة يوم الأحد. وكان البنك قد عرض 75 مليون دولار، بحد أقصى 11 مليون دولار للبنك الواحد. وأضاف البنك المركزي المصري أنه يستهدف من تلك الآلية المحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي وترشيد استخداماتها، مشيرا إلى أن هذه الآلية لن تؤثر على نظام «الإنتربنك الدولاري»، وإنما تعد مكملة ومساندة له، وسيعملان جنبا إلى جنب.

يأتي ذلك عقب انخفاضات متواصلة وسريعة للعملة المحلية أمام الدولار، وشح كبير في معروض العملة الصعبة، مع إقبال متزايد من المصريين على تحويل أموالهم بالدولار للحفاظ على قيمة عملتهم المحلية مع الانخفاض المتوالي للجنيه الذي وصل معه إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من تسعة أعوام. وقال مصرفيون إن «هذا القرار يعني أن سوق صرف العملة المحلية سيكون حرا لأول مرة، ويعكس آليات العرض والطلب في السوق»؛ إلا أن الخبيرة المصرفية ومستشارة بنك «البركة» السابقة بسنت فهمي قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم أهمية الآلية التي استحدثها البنك المركزي التي تحدد أسعار صرف العملة المحلية وفقا لآليات العرض والطلب؛ فإن هذا القرار جاء منقوصا، وسيؤدي إلى ارتفاع الدولار بصورة غير مبررة خلال الفترة المقبلة».

وأضافت «كان يجب على (المركزي) مع إصداره لتلك الآلية أن يقنن عملية تحويل العملة المحلية إلى العملات الأجنبية، وأن تصبح عملية التحويل مقصورة فقط على الأغراض المشروعة، مثل السفر للتعليم أو العلاج أو الاستيراد وغيرها من الأمور التي تتطلب العملة الصعبة؛ إلا أن ترك عملية التحويل من دون تقنين سوف يؤدي إلى ارتفاع الدولار بصورة غير مبررة وسيؤدي إلى زيادة المضاربة عليه».

وقال أحمد سليم، رئيس غرفة التداول بالبنك العربي الأفريقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الآلية التي أعلن عنها البنك المركزي تعد عملية لتنظيم تداول النقد الأجنبي داخل البلاد في هذه الظروف»، وتابع «أتصور أنها عملية مرحلية، للاستفادة من العملة الدولارية لدى البنوك في وقت الحاجة، وقيام البنك المركزي بتوفير العملة الدولارية للبنوك عند نقص المعروض في السوق».

ووصف سليم هذا القرار بأنه جيد ويعد ضرورة للمرحلة الحالية، مشيرا إلى أن البنك المركزي يهدف من تلك الآلية إلى مشاركة البنوك في ضبط سوق الصرف في البلاد، بدلا من كونه هو المؤسسة الوحيدة المناط بها ضبط سوق الصرف. وتابع سليم «يعد هذا القرار تدخلا حازما من البنك المركزي لتنظيم السوق الذي كان متروكا لآليات العرض والطلب»، مشيرا إلى أن الفترة الحالية ونظرا للاضطرابات فإنه «خُلقت سوق غير طبيعية للصرف، ولم يستطع (المركزي) وحدة ضبط الإيقاع، فجاء القرار لإشراك البنوك لضبط السوق)، مؤكدا أن تلك الآلية ستتيح توفير الدولار في السوق، والمحافظة على سعر الصرف وترك تحديد سعره لآليات العرض والطلب الحقيقي.

وقال مصرفيون إن «هذا القرار يهدف أيضا إلى إيجاد مورد من العملة الدولارية في حال تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات أدنى مما كانت عليه». وقال البنك المركزي إنه أنفق منذ عام 2011 نحو 35 مليار دولار من الاحتياطي النقدي، منها 14 مليار دولار لاستيراد السلع التموينية والمنتجات البترولية، و8 مليارات دولار لسداد أقساط وفوائد المديونية الخارجية، و13 مليار دولار لتغطية خروج المستثمرين الأجانب من سوق الدين المحلي، وأدى ذلك إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي من نحو 36 مليار دولار في بداية يناير (كانون الثاني) عام 2011 إلى نحو 15 مليار دولار في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012.

وأضاف المركزي أن من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد التأثيرات السلبية للأحداث الجارية على موارد النقد الأجنبي، والتي تمثلت في الأساس في تراجع الدخل من قطاع السياحة بنحو 30 في المائة سنويا، نتيجة تردي الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى انحسار الاستثمارات الخارجية المباشرة كليا خلال العامين الماضيين، والخروج الكامل لاستثمارات الأجانب في أوراق الدين، وذلك نتيجة لارتفاع المخاطر المحيطة بالاقتصاد المصري وتخفيض التصنيف الائتماني لمصر بـ5 درجات. وقد أدى ذلك إلى تحول ميزان المدفوعات من تحقيق فائض بلغ نحو 1.3 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2010 إلى تحقيق عجز بلغ نحو 21.6 مليار دولار على مدى العام ونصف العام المنصرم.

وأشار المركزي إلى أنه وفقا لتحليل الموارد والاستخدامات التاريخية والمتوقعة للنقد الأجنبي، فإن المستوى الحالي من احتياطي النقد الأجنبي يمثل الحد الأدنى والحرج الذي يتعين المحافظة عليه لتلبية الاستخدامات الحتمية والمتمثلة في أعباء سداد المديونية الخارجية، حفاظا على سمعة مصر في الأسواق المالية العالمية، وتغطية تكلفة الواردات من السلع الاستراتيجية، والتي تتركز في المواد التموينية والمنتجات البترولية، وتلبية احتياجات المواطنين المعيشية الأساسية اليومية، فضلا عن التحسب لمواجهة أي تحديات مستقبلية طارئة.

وأكد البنك المركزي التزامه بسداد أقساط وفوائد المديونية الخارجية، فضلا عن ضمان تحويل ناتج تعاملات المستثمرين الأجانب في سوق الأوراق المالية في مصر، وفقا لآلية المستثمرين الأجانب (صندوق الاستثمارات الأجنبية) لتحقيق المرونة الكاملة لهم في تعاملاتهم بسوق الأوراق المالية بيعا وشراء.