المفوضية الأوروبية تشبه الوضع الاقتصادي بـ«المريض في غرفة الإنعاش»

قالت إنه يحتاج إلى فترة من الوقت للتعافي

TT

أكدت المفوضية الأوروبية ببروكسل على أن إصلاح أوروبا مرتبط بالانتصار على الأزمة الحالية. وقال أولي ريهن، مفوض الشؤون النقدية والاقتصادية، في بيان أمس الجمعة، إن هناك أسبابا تجعل التشاؤم يتراجع مع بداية العام الحالي، لكن ذلك لا يعني التخلي عن الحذر وضرورة الاستفادة من الشعور بالتحسن، في متابعة إعادة التوازن والإصلاح الاقتصادي بعزم ثابت.

ولمح المسؤول الأوروبي إلى أن الأشهر القادمة لا تزال صعبة بسبب الضعف الاقتصادي، واستمرار شعور المواطنين بتأثير الأزمة.. «وإذا كان من المتوقع أن تعود أوروبا تدريجيا إلى النمو في 2013 فينبغي أن يعود الانتعاش بقوة أكبر في 2014 خاصة بعد أن وصلت معدلات البطالة إلى أرقام غير مقبولة في منطقة اليورو، ووصلت إلى 11.8 في المائة، وفي ظل تفاوت كبير ما بين 4.5 في المائة في النمسا و26 في المائة في إسبانيا».

وقال ريهن إن «أحدث المؤشرات الاقتصادية تبشر وتظهر علامات الاستقرار، كما أن الثقة في الأسواق المالية تتزايد بشكل كبير». ونوه بأن إنهاء الأزمة الحالية ليس مرتبطا بحل قضية واحدة بعينها مثل الانضباط المالي أو حل أزمة الديون السيادية، كما لا توجد حلول سحرية. وأشار إلى أن عام 2012 كان عاما من أعوام الأزمة، لكنه عرف أيضا إحراز تقدم «وعلينا في 2013 أن نعمل على هزيمة الأزمة وتحقيق مستوى جديد من التقدم، من خلال إعادة التوازن، وتحقيق الإصلاحات في منطقة اليورو، إلى جانب التركيز على القدرة التنافسية لاقتصادنا، كاقتصاد مفتوح، وفتح الباب أمام رجال الأعمال وتدريب أفضل للعمال والموظفين، وإتاحة الفرص للابتكارات والمهارات واحتضان الفرص المتاحة لتوسيع التجارة العالمية، مع إيجاد سبل جديدة لتعزيز الاستثمار والحصول على التمويل، حتى يتم خلق مشروعات أو شركات صغيرة ومتوسطة، وتكثيف العمل من أجل مواجهة البطالة بين الشباب وإنقاذ جيل يواجه الضياع، وهذا يعني استمرار العمل في ضبط أوضاع المالية العامة لأنه لن يتحقق نمو مستدام من دون مالية عامة مستدامة، وفي الوقت نفسه الاستمرار في إعادة بناء الاتحاد النقدي والاقتصادي الأوروبي».

واختتم ريهن بالقول «إنه إذا كان هناك مريض يمكن أن يخرج من غرفة العناية المركزة فإن الأمر يحتاج إلى فترة من الوقت حتى يحصل على شهادة صحية تثبت الشفاء، ولذا علينا البقاء في مسيرة الإصلاح لإنعاش الاقتصاد الأوروبي».

وجاء البيان في أعقاب لقاءات أوروبية مؤسساتية في دبلن إيذانا بالبدء عمليا في فترة الرئاسة الآيرلندية للاتحاد الأوروبي، وانعقاد مؤتمر صحافي شارك فيه رئيس المفوضية الأوروبية ووزير خارجية آيرلندا ايمون غيلمور، ورئيس الوزراء ايندا كيني الذي قال «انتعاش آيرلندا من انتعاش الاتحاد الأوروبي، وهو أمر تطمح إليه الرئاسة الآيرلندية للاتحاد». ستة وعشرون مفوضا أوروبيا رافقوا رئيس المفوضية الأوروبية إلى الاجتماعات التحضيرية الأولى للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي التي تتنقل من قبرص إلى آيرلندا، وهي مناسبة تمنح لكل دول الاتحاد الأوروبي بالتناوب. وآيرلندا أول دولة استفادت من خطة إنقاذ مالي منذ عام 2010، وتطمح لأن تكون أول دولة في منطقة اليورو تخرج من خطة المساعدة قبل اليونان والبرتغال. كما أن آيرلندا أعلنت أن من أهدافها خلال فترة رئاستها للاتحاد «اقتراح إجراءات لتحفيز العمل والنمو»، وتحقيق تقدم بالنسبة لمفاوضات اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة.

وفي السياق نفسه، قالت وزيرة المالية النمساوية ماريا فيكتر إن أوروبا تجاوزت «على الغالب أزمة الديون»، وإنها تعمل بشكل دؤوب على معالجة مشكلة الديون بشكل عام. ونقلت وكالة الصحافة النمساوية عن الوزيرة فيكتر قولها إن «الديون وإن كانت قد ارتفعت نسبيا فإن نسب عجز أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وصلت إلى معدل 3 في المائة على الأقل، الأمر الذي يعني أن اليورو أصبح يقف من جديد على أرض صلبة». وحول استمرار مشكلة النمو الاقتصادي وضعف الإبداع في أوروبا قالت الوزيرة إنه يتعين على الدول الأعضاء في منطقة اليورو ألا تقوم بإجراءات يمكن أن تمنع تحقيق النمو المطلوب في أوروبا، مطالبة في الوقت ذاته بضرورة تشجيع الاستثمارات والعمل على خلق مزيد من فرص العمل.

وبعدما شددت على ضرورة تعزيز التعاون الأوروبي في ما يتعلق بالقضايا المالية، عبرت الوزيرة النمساوية عن اعتقادها بعدم وجود جدوى من مسألة إنشاء ميزانية أوروبية مشتركة، مشيرة إلى أنه في حال ما إذا تجاوزت دولة من دول الاتحاد حدود العجز المحددة فإنه يتعين على دول الاتحاد أن تضع ذلك البلد تحت الرقابة وتطبق عليه الإجراءات الضرورية.

من جانبه، أكد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي أن معدل البطالة يجب أن يوزع بشكل متكافئ بين المواطنين، وعدم تركيزه على الشباب بسبب عدم الحماية التي يعانون منها مقارنة بالباقين. وذكر دراغي، في مؤتمر صحافي، عقب اجتماع مجلس إدارة البنك، أن مؤسسته تلاحظ اليوم وجود معدل مرتفع من البطالة خاصة بين الشباب. وقال «في حال معاملة جميع العمال بالتكافؤ، فإن معدل البطالة يجب أن يوزع على جميع المواطنين». وأوضح أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في عدة دول بالاتحاد الأوروبي يرجع إلى أنه دائما ما تترك أسواق العمل الشباب بحماية قليلة للغاية. وأضاف أن توفير الوظائف ليس من اختصاصات البنك المركزي الأوروبي، لكن تحقيق الاستقرار في الأسواق، وهو ما يرى أنه يمكن أن يرسي قواعد النمو الاقتصادي وتوفير الوظائف.

وحسب تقارير إعلامية أوروبية، فقد انخفض العائد على السندات الحكومية الأوروبية بوتيرة كبيرة، واستطاع اليورو التحليق عاليا مسجلا أعلى مستويات منذ ستة أشهر، وهذا بدعم من تصريحات دراغي التي تعهد فيها بحماية منطقة اليورو من الانهيار. وعلى ما يبدو فإن دراغي استطاع أن يعطي الأسواق حقنة مهدئة من العيار الثقيل. واستطاع اليورو التحليق عاليا بعد أن دحض البنك المركزي الأوروبي التوقعات التي كانت رائجة في الأسواق باحتمالية تخفيض أسعار الفائدة، فقد أبقى البنك في اجتماع على السياسة النقدية نفسها من دون تغيير، لتظل بنسبة 0.75 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ بدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة. وجاء ذلك متوافقا مع القراءة السابقة، وبالإجماع من الأعضاء، فالبنك لم يناقش في هذا الاجتماع خيار تخفيض أسعار الفائدة. وأشار دراغي إلى أن البنك المركزي الأوروبي يسيطر على أزمة الديون الأوروبية، والارتفاع الكبير في العائد على السندات الحكومية خاصة الإسبانية، ويعود كل الفضل في ذلك إلى عمليات السوق المفتوحة التي أعلن عنها البنك في سبتمبر (أيلول) الماضي لاحتواء الارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض للبلدان المتعثرة وعلى رأسها إسبانيا.

وحسب البعض من المراقبين، فإن هذا ما حدث فعلا، فقد تحسن الشعور العام في الأسواق تجاه أزمة الديون، وتقلصت مستويات التشاؤم حول قدرة صناع القرار على احتواء الأزمة الأوروبية التي ضربت الاقتصادات منذ نحو ثلاثة أعوام لتوقعها في ركود اقتصادي وتشل أداء القطاعات الاقتصادية. ويرى دراغي أن الأسواق المالية الآن بدأت في العودة إلى المسار الصحيح، ولكن يرى دراغي المهمة صعبة جدا، فمعدلات النمو في منطقة اليورو لا تزال ضعيفة جدا، والتوقعات المستقبلية للنمو محبطة خلال النصف الأول من العام الحالي، وبعدها سوف تتحسن الأوضاع الاقتصادية في المنطقة بشكل تدريجي، وهذا حسب التوقعات الأخيرة للبنك المركزي الأوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ومنذ يوليو (تموز) الماضي، انخفض العائد على السندات الإسبانية أكثر من 200 نقطة أساس، وتتداول حاليا منخفضة بمقدار 22 نقطة أساس مسجلة مستويات تداول حول 4.871 في المائة، أما عن الأسهم الأوروبية فقد استطاعت الارتفاع بوتيرة كبيرة جدا منذ يوليو الماضي، مرتفعة بنسبة 15 في المائة. ويرى العديد من المحللين الماليين أن البنك المركزي الأوروبي قد وفر تخفيض سعر الفائدة المرجعي لاجتماعات أخرى خلال العام الحالي، فالمستثمرون لم يعرفوا بعد نتيجة الانتخابات الإيطالية التي من المقرر أن تكون في 24 و25 فبراير (شباط) المقبل، لذلك فإن أزمة المديونية الأميركية لا تزال قائمة ولم تحل بعد، فقضية سقف الديون الأميركية لا تزال عالقة.

من جهتها، خفضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لقبرص ثلاث درجات، من «B3» إلى «Caa3»، نظرا لاستمرار التوقعات السلبية بشأن اقتصاد هذه الدولة الأوروبية. وأرجعت «موديز» سبب قرارها الأساسي إلى الدعم الاقتصادي القوي الذي ينبغي أن تقدمه الحكومة القبرصية لإعادة رسملة قطاعها المصرفي. وأشارت إلى أن وضع البلاد «قد يتدهور خلال الأشهر الـ12 إلى الـ18 المقبلة»، وأن مخاطر تخلف الحكومة القبرصية عن سداد ديونها «زادت بشكل ملحوظ» بسبب الوضع الحساس لقطاعها المصرفي وتأثير الأزمة اليونانية عليها. ولفتت وكالة التصنيف الائتماني أيضا إلى أن عدم التوصل لاتفاق بين حكومة نيقوسيا و«الترويكا» (المؤلفة من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) كان أحد العوامل التي دفعتها لخفض التصنيف الائتماني للجزيرة الأوروبية.

وكانت وكالة «موديز» قد خفضت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التصنيف الائتماني لديون قبرص ثلاث درجات، من «Ba3» إلى «B3». وقد باتت قبرص في أواخر يونيو (حزيران) الماضي خامس دول منطقة اليورو التي تطلب مساعدة مالية من شركائها في تكتل العملة الموحدة، ولم تتوصل حتى الآن سوى لاتفاق مبدئي مع «الترويكا» للحصول على قرض بقيمة 17.5 مليار يورو، وهو ما يعادل تقريبا إجمالي ناتجها المحلي. وتعتزم قبرص توجيه 10 مليارات يورو من المساعدات الأوروبية لإنقاذ قطاعها المصرفي.