مصر: استمرار الجدل في الأروقة الاقتصادية حول مناخ الاستثمار

بعد الإعلان عن صفقات استحواذ وتحويل مقرات الشركات إلى الخارج

TT

حالة من القلق والشك يعيشها قطاع كبير من المصريين هذه الأيام، خوفا من أن تكون الصفقات التي يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر المتعلقة بالاستحواذ أو عمليات مبادلة الأسهم هي بمثابة منفذ لخروج مستثمرين كبار من السوق المصرية، ودليل على أن مناخ الاستثمار في البلاد أصبح طاردا لرؤوس الأموال.

زاد تلك الشكوك، إعلان شركة «أوراسكوم» للإنشاء عن مبادلة أسهمها مع شركة هولندية، وتعني تلك الصفقة نقل أصول الشركة التي تعمل في 20 دولة إلى شركة هولندية، وتصبح مصر أحد مقارها لإدارة أعمالها في منطقة الشرق الأوسط.

وأكدت الشركة ورئيسها أن تلك العملية ليست تخارجا من مصر، كما أن حصة عائلة ساويرس لن تتغير، ولكنها قابلة للزيادة، وأشار ناصف ساويرس رئيس الشركة إلى أنه لو لم يكن معنيا بالبقاء في مصر، لكان باع أسهمه في الشركة، معتبرا أن هذه العملية هي تحول شركته إلى العالمية، كما أن دخول المستثمرين الأميركيين في الشركة دليل على أن مناخ الاستثمار في مصر جاذب، حتى لو كان يحمل «مخاطر محسوبة».

ولكن على الجانب الآخر يرى خبراء ومحللون أن ما يحدث الآن من قبل عائلة ساويرس ليس جديدا، فبدأت الأسرة في توجهاتها تلك في أواخر عام 2007، عندما تم بيع شركات الإسمنت التابعة لشركة «أوراسكوم للإنشاء» إلى شركة «لافارج» الفرنسية، في صفقة بلغت قيمتها 12.9 مليار دولار، مع انضمام ناصف ساويرس إلي مجلس إدارة شركة «لافارج»، وسيستمر في رئاسة مجالس إدارة الشركات الرئيسية بقطاع الإسمنت، وبالأخص الشركة المصرية للإسمنت.

واكتسبت تلك الصفقة حينها صدى واسعا حتى الآن، بعد إجراء مفاوضات بين مصلحة الضرائب والشركة، بشأن تهربها من ضرائب بيع شركات الأسمدة التابعة لها.

تلا ذلك قيام الابن الأوسط لعائلة ساويرس عام 2009، بنقل إدارة شركته التي تعمل في مجال السياحة والفنادق من مركزها الرئيسي في مصر إلى شركة أخرى أسسها في سويسرا تحت اسم «أوراسكوم القابضة للتنمية»، خاصة مع المشروع الذي يقوم بتنفيذه على أحد سفوح جبال الألب بقرية اندرمات بسويسرا.

ثم قام نجيب ساويرس الذي يعمل في مجال الاتصالات ببيع أغلب أصول شركته «أوراسكوم تيليكوم» إلى شركة «فيمبلكوم» الروسية، مع حصوله على حصة في أسهم الشركة الروسية، ثم قام ببيع أسهم شركة «موبينيل» إلى شركة «فرانس تيليكوم»، وقام بنهاية العام الماضي ببيع القنوات التلفزيونية التابعة له (ONTV) إلى أحد المستثمرين اللبنانيين.

ومع تأكيد كثير من الخبراء أن ما يحدث هو خروج لأكبر عائلة رجال أعمال في مصر، إلا أن عائلة ساويرس كثيرا ما تؤكد أن ما قامت به يتعلق باستراتيجيات جديدة لتحويل شركاتهم إلى شركات عالمية، وعلى سبيل المثال، قال ناصف ساويرس إن تكلفة الاقتراض كشركة مصرية أعلى بكثير من تكلفة الاقتراض، كما أن شركات العائلة في مجال الفنادق والسياحة والأسمدة والمقاولات توسع أعمالها في مصر.

يقول محمد سعيد رئيس قسم البحوث بشركة «إي دي تي» للاستشارات والنظم، إن ما تقوم به عائلة ساويرس يعد إحدى الوسائل التي تتبعها عائلة ساويرس لتكون شركتها أجنبية لكي تحظى استثماراتهم بالحماية المناسبة في الأماكن التي تعمل بها، ودلل على ذلك بقيام نجيب ساويرس ببيع شركته «أوراسكوم تيليكوم» إلى شركة روسية بعدما واجه مشكلات تتعلق بأعمال الشركة في الجزائر «جيزي»، مؤكدا أن نجيب قال: «نسعى لحل مشكلة (جيزي) من خلال تلك الصفقة، كون الروس لهم علاقات طيبة مع الجزائريين».

ويضيف سعيد: «الأمر ليس متعلقا بعائلة ساويرس وحدهم، فعائلتا المنصور والمغربي أيضا تتجهان للخروج من السوق المصرية، بعد أن تم الإعلان عن سعيهما لبيع سلاسل محال التجزئة التابعة لهما؛ «خير زمان» و«مترو» إلى شركة «ماجد الفطيم» الإماراتية.

وقال: «دائما ما يشهد التغير في الأنظمة تغيرا في خريطة رجال الأعمال، وهذا ما يحدث الآن فنرى هجوما للقطريين وسعيهم الحثيث لتوسيع استثماراتهم في مصر، مع بروز أسماء أخرى مثل أحمد أبو هشيمة في مجال الحديد وحسن مالك».

بينما يرى الدكتور عيسى فتحي نائب رئيس شعبة الأوراق المالية أن صفقة «أوراسكوم» الأخيرة تشير إلى أن المناخ الاستثماري في مصر أصبح طاردا، ودعا الحكومة المصرية لأن تهتم برجال الأعمال القائمين الذين لديهم أعمال حاليا في مصر قبل أن تهتم برجال الأعمال المقبلين».

وأضاف أن الأثر الإيجابي الوحيد لتلك الصفقة هو الأموال التي ستتدفق داخل البورصة بعد تنفيذ الصفقة، التي يصل قيمتها إلى ملياري دولار، سيستخدمها المستثمرون في شراء أسهم جديدة.

وقال عيسى إن من سلبيات الصفقة هو أن خزانة الدولة ستفقد نحو 600 مليون جنيه سنويا، هي قيمة الضرائب التي كانت تدفعها شركة «أوراسكوم» للإنشاء، إلا أن ناصف ساويرس أكد أن تغيير جنسية الشركة من مصرية إلى هولندية، لن ينتج عنها تغيير في الشرائب المسددة للحكومة المصرية، كون أن الضرائب المحصلة من شركته في مصر هي بالأساس الضرائب المدفوعة عن شركاتها التي تعمل في مصر وفقا للتشريعات المحلية التي لا تعترف بالحسابات المجمعة للشركات القابضة، مؤكدا أن الضرائب تحصل على حصتها من أعمال كل شركة تابعة على حدة.

ويرى محسن عادل رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار أن الخطوة التي اتخذتها «أوراسكوم» للإنشاء لا تعني بأي حال من الأحوال تخارج الشركة من السوق، فهي فقط تغيير لمكان قيد الأسهم، ولكن ستبقى أنشطة الشركة وأعمالها في مصر كما هي، مشيرا إلى أن بيان الشركة أكد إلغاء قيد شهادات الإيداع الدولية، ونقل القيد إلى نيويورك يورونكست، مضيفا أن الشركة لها حجم أعمال كبير في مصر ودول العالم، ومنها الولايات المتحدة مؤخرا، مما قد يبرر اتخاذ الشركة لهذا الإجراء الآن بعد أن توسعت أعمالها في الولايات المتحدة.

وتعاني مصر من تراجع حجم الاستثمارات بها، وتأمل أن تجذب استثمارات أجنبية خلال العام المالي الحالي بقيمة 4 مليارات جنيه، وتضع ضمن خطتها المالية ضخ نحو 267 مليار جنيه استثمارات يقوم القطاع الخاص وحده بضخ نحو 167 مليار جنيه منها، وهو ما يراه محللون صعب المنال، خاصة بعد تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي بنحو 94.1 في المائة، بمقدار 1.752 مليار دولار ليبلغ 108 ملايين دولار، مقابل 1.8 مليار دولار في الربع الأخير من العام المالي السابق.