باختفاء القلق حول اليورو.. التفاؤل يسيطر على «دافوس 2013»

الشركات العالمية الكبرى تبحث عن 5 تريليونات دولار لتعزيز إيراداتها

كلاوس شواب مؤسس ورئيس المنتدى أثناء لقاء صحافي في «دافوس» (أ.ب)
TT

لدى رجال الأعمال في دافوس أسباب شتى تدعو للقلق من بينها أزمة منطقة اليورو والتوترات السياسية العالمية لكن لب المشكلة التي يواجهونها بسيط وهو كيف يجدون إيرادات جديدة في عالم بطيء النمو.

فبعد نحو خمس سنوات من الأزمة المالية يريد المستثمرون أن يروا أرباحا تأتي من بنود أخرى غير خفض النفقات. ويركزون الآن على العودة إلى تعزيز المبيعات وهي مسألة تمثل لأكبر الشركات في العالم تحديا قيمته خمسة تريليونات دولار.

فهذه هي قيمة الإيرادات الإضافية التي يتعين على أكبر 1200 شركة عالمية إيجادها سنويا للارتقاء إلى مستوى توقعات المحللين وفقا لتقديرات شركة «أكسنتشر للاستشارات».

وقال مارك سبلمان رئيس الاستراتيجيات لدى «أكسنتشر» المشكلة هي أن توقعات أسواق الأسهم لقدرة الشركات على النمو تتجاوز بكثير معدلات النمو الكامنة للاقتصاد الكلي.

وأضاف: «لذلك ينبغي أن تفكر الشركات فيما هو أبعد من الأسواق الناشئة والطبقات الوسطى المتنامية وأن تبدأ بدراسة الشرائح التي ترى فيها تغيرا استهلاكيا كبيرا لأن هناك الكثير من النمو الكامن في تلك الشرائح». وتعمل الشركات بشكل متزايد على إيجاد فرص محددة لنمو المبيعات. غير أنها ما زالت متحفظة بشأن ضخ استثمارات كبرى جديدة إذ إن ثقة المديرين في مستقبل شركاتهم في الأجل القريب ما زالت ضعيفة.

ووجد المسح السنوي لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» الذي شمل أكثر من 1300 رئيس تنفيذي في أنحاء العالم أن 36 في المائة فقط «واثقون جدا» من توقعات نمو إيرادات شركاتهم في الأشهر الاثنى عشر المقبلة انخفاضا من 40 في المائة قبل عام.

ويوجد فارق هائل بين التباطؤ الذي يتوقعه خبراء الاقتصاد الكلي في السوق العالمية للسلع والخدمات وبين الأرقام المرتفعة التي يتوقعها المحللون الذين يتابعون الشركات. وفي كل مناطق العالم تتجاوز توقعات المحللين لنمو إيرادات الشركات التوقعات السائدة لأداء الاقتصاد الكلي بكثير. ففي حين خفض البنك الدولي الأسبوع الماضي توقعه للنمو العالمي في 2013 إلى 2.4 في المائة ولمعدل النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى 1.3 في المائة فقد يتوقع المحللون أن تنمو إيرادات الشركات 7.8 في المائة في آسيا باستثناء اليابان و3.8 في المائة في الولايات المتحدة و2.4 في المائة في منطقة اليورو وفقا لبيانات «تومسون رويترز».

وقد تكون عمليات الاندماج والاستحواذ من بين الوسائل المتاحة للشركات لتحقيق النمو لكن رؤساء الشركات ما زالوا يحجمون عن القيام بصفقات كبيرة على الرغم من وجود الائتمان الرخيص والتقييمات المنخفضة نسبيا. بل إن تركيز رؤساء الشركات على عمليات الاندماج والاستحواذ عند أدنى مستوياته في ست سنوات وفقا للمسح الذي أجرته برايس ووتر هاوس كوبرز. ومن النواحي المهمة التي تركز عليها الشركات الآن إيجاد وسائل ذكية لخدمة قطاعات من أسواقها الحالية مع وضع رهانات انتقائية على فرص جديدة. وبالنسبة لكثيرين يعني ذلك استخدام التكنولوجيا الرقمية لمواكبة التغيرات في كيفية شراء المستهلكين للسلع والخدمات وهو ما يتضمن تخصيص مزيد من الموارد للمبيعات عبر الإنترنت وزيادة استخدام أدوات جديدة لتحليل السلوك الاستهلاكي.

لكن الفرص الجديدة تأتي في صور كثيرة. فشركات المنتجات الفاخرة مثلا تبذل جهودا كبيرة لتوسعة شبكات التجزئة لا سيما في أسواق النمو بينما تسعى شركات في قطاعات كثيرة لعقود خدمات جديدة تدر أرباحا لعدة سنوات. والجغرافيا عامل مهم أيضا للمديرين في سعيهم لتحقيق مبيعات جديدة. فقد أصبحت أميركا اللاتينية هدفا رئيسيا للشركات الإسبانية التي تواجه ظروفا قاسية في سوقها المحلية نظرا لميزة اللغة وهو ما استفادت منه عدة شركات مثل شركة الاتصالات العملاقة «تليفونيكا». وخلال الأيام الأربعة المقبلة، سيلتقي نحو 45 من قادة العالم ونحو 2500 من الشخصيات والصحافيين وقادة الصناعة والاقتصاد في منتجع دافوس السويسري لعقد «المنتدى الاقتصادي العالمي».

وبعد أن طغت أزمة اليورو والمخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو على قمة دافوس 2012، يسود قمة هذا العام شعور بأن الاقتصاد العالمي بدأ يتعافى من كبوته.

وفي الجلسة الافتتاحية للمنتدى قارن نائب رئيس صندوق النقد الدولي مين زهو بين الأجواء السائدة في القمة الحالية وتلك التي سادت في القمة الماضية. وقال زهو: «في هذه اللحظات بالتحديد، إن الأمور تبدو أفضل بكثير مما كانت عليه قبل 12 شهرا. فقبل عام هنا كنا قلقون بشأن أزمة اليورو والهاوية المالية الأميركية».

وأضاف: «ومع كل الخطوات التي تم اتخاذها بشأن السياسيات، فإن الأمور أصبحت أكثر هدوءا الآن، ولكن علينا أن نكون حذرين جدا». أما جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لشركة «جاي بي مورغان تشيس» فقال إنه يشعر بأن القطاع المصرفي بدأ يطوي صفحة مقلقة في تاريخه شهد خلالها مؤخرا الكثير من التطورات الصعبة. وقال: «أعتقد أن ذلك القطاع تخطى الماضي. وأعتقد أن الكثير من الشركات أداؤها جيد. والبنوك تواصل توسعها وإقراضها». ومع ذلك إلا أن مسؤولين ومصرفيين حذروا من أن اضطرابات السوق يمكن أن تتجدد خاصة إذا فشلت الجهات التنظيمية في الاستفادة من دروس الأزمة المالية.

وقال ديمون الذي يعد من أكبر المصرفيين في العالم «إذا فعلنا كل شيء بالشكل الصحيح، فإننا سنخرج من هذا. وإذا لم نفعل، فإن هذه الأزمة يمكن أن تستمر لمدة عشر سنوات أخرى».

ومن بين القادة المقرر أن يلقوا كلمات في المنتدى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي.

ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كلمة الخميس عقب إعلانه أمس الأربعاء أنه سيجري بنهاية 2017 استفتاء حول بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي. وسيكون ميدفيديف أول شخصية بارزة تتحدث في المنتدى؛ حيث سيلقي كلمته ظهر الأربعاء بالتوقيت المحلي يتحدث فيها عن مستقبل الاقتصاد الروسي.

كما ستلقي عدد من الشخصيات المهمة كلمات في المنتدى ومن بينهم رئيس البنك الأوروبي المركزي ماريو دراغي الذي سيتحدث عن «التحديات في السنوات المقبلة» ورئيس صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. وعادت ما تخطف الأحداث العالمية أجندة المنتدى، ولن يختلف هذا العام عن سابقه حيث يتوقع أن تهيمن الأزمات في مالي وسوريا على أجندة المؤتمر.

كما سيشهد المنتدى وجودا أفريقيا كثيفا مع حضور قادة جنوب أفريقيا ونيجيريا للجلسة بعنوان «إزالة المخاطر» من القارة. وإلى جانب القادة سيشارك في المنتدى أكثر من 900 من كبار قادة الأعمال. وسيشارك في ترأس المنتدى هذا العام الرؤساء التنفيذيون لشركة «كوكا كولا»، و«أمبرير»، و«يو بي إس»، و«داو كيميكال»، ورئيس منظمة «الشفافية الدولية» التي تحارب الفساد. واختار المنظمون «الديناميكية المقاومة» عنوانا للمنتدى، ما يعكس ضرورة تحسين هيكل الاقتصاد الدولي لمقاومة الطوارئ المفاجئة مثل أزمة ديون منطقة اليورو. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من قادة العالم، فإنه لن يتم اتخاذ قرارات رسمية في دافوس، ولكن يجري في العادة عقد صفقات بين الشركات على هامش القمة، بينما يعقد رؤساء الدول والحكومات اجتماعات صغيرة لتبادل الآراء حول القضايا المهمة. وستعقد خلال المنتدى 260 جلسة في عشرات المواقع إضافة إلى العروض الخاصة بالدين والعلوم والإعلام والصحة. كما سيقام عشاء تناقش خلاله العلاجات المحتملة لمرض السرطان، وستعقد جلسة حول «ماضي ومستقبل الكون» يقدمها رئيس مختبر فيزياء الجزئيات «سيرن».