الاقتصاد المصري بعد عامين من الثورة.. أداء مرتبك وثقة غائبة وتشاؤم

الحكومة حصلت على 10 مليارات دولار.. والجنيه واحتياطي النقد الأجنبي يتراجعان

TT

لم تنجح الإدارة السياسية في مصر في ترجمة شعار «العدالة الاجتماعية» الذي رفعه المصريون قبل عامين لإجراءات ملموسة، فالمصريون الذين استبشروا خيرا بتحسن أوضاعهم الاقتصادية باتوا أكثر تشاؤما حيال المستقبل، وهو أمر يشاركهم فيه خبراء الاقتصاد والمستثمرون الذين اقتربوا بحذر من السوق المصرية الخاضعة لتقلبات المشهد السياسي العنيفة في البلاد.

ورغم سعي الحكومات المتوالية منذ الثورة إلى رفع أجور الموظفين الحكوميين الذين يشكلون نحو 6 ملايين من السكان، ووضع حد أدنى للأجور، فإن هذه الإجراءات لم تدخل تحسنا يذكر على أوضاعهم الاجتماعية. تقول حياة، البالغة من العمر خمسين عاما، التي تعمل في إحدى الجهات الحكومية: «منذ بداية الثورة وأنا لا أشعر بأي تحسن، فرغم زيادة راتبي بقدر معقول فإنني لا أشعر حتى الآن بأي فارق، بل يزداد قلقي مع مرور الأيام». وتضيف: «مع زيادة دخلي زادت أيضا الأسعار، فأصبح إنفاقنا أكبر، وحتى الأموال التي أوفرها أنا وزوجي ستصبح دون قيمة مع تراجع سعر الجنيه ووصول الدولار إلى سبعة جنيهات تقريبا، حتى رغبتنا في الانتقال إلى مسكن أفضل أصبحت صعبة».

وظلت أسعار العقارات ثابتة عند مستويات مرتفعة رغم الركود الذي عانت منه البلاد خلال العامين الماضيين. وتتابع حياة، وهي أم لشابين: «ربنا يستر، فالرئيس (محمد مرسي) جمد الضرائب التي أعلنت عنها الحكومة.. ولا نعرف كيف ستصبح الأحوال حين تبدأ الحكومة في تطبيق هذه الزيادة».

وتشير حياة إلى حال ابنيها قائلة: «قام الشباب بهذه الثورة لكي تتحسن ظروفهم، لكن كيف أصبح الحال؟ ابني الذي كان يعمل في إحدى الشركات تم تخفيض راتبه إلى النصف تقريبا بعد الثورة، والثاني لا يزال يبحث عن عمل، فالأمور تسير نحو الأسوأ».

وتشير إحصائيات حكومية إلى أن معدلات البطالة بلغت خلال العام الماضي 13%، وتستهدف الحكومة أن تقلل تلك المعدلات بعد أربع سنوات لتصل إلى 9.5%.

وكثيرا ما أعلنت الحكومة عن طرح أراض للمستثمرين وعن إجراء محادثات مع مستثمرين وعن مشروعات جديدة سعيا إلى تقلص معدلات البطالة التي بلغت قبل الثورة نحو 11%، إلا أن عددا محدودا من هذه المشروعات دخلت حيز التنفيذ.

يقول رئيس هيئة التنمية السياحية اللواء طارق سعد الدين في تصريحات خاصة إن هيئته طرحت عدة مشروعات مؤخرا على مستثمرين، «فخلال الفترة الماضية تم طرح 2.8 مليون متر مربع على المستثمرين في قطاع السياحة، وسحبت نحو 11 شركة كراسة الشروط، وتقدمت إلينا خمس شركات لشراء أراضٍ، وبعد الفحص الفني لتلك الشركات وافقنا على ثلاث شركات فقط، وتجري مناقشة الجانب المالي معهم».

وأضاف: «طرحنا قبل أسبوع نحو 19 قطعة أرض أخرى في مناطق متفرقة في مصر، للاستثمار السياحي، ليصل إجمالي عدد الأراضي التي تم طرحها إلى نحو 6.2 مليون متر مربع من المرحلة الأولى التي من المقرر أن يتم طرح نحو تسعة ملايين متر مربع خلالها».

وقال سعد الدين: «عدم الاستقرار السياسي والأمني يجعل المستثمرين حذرين بعض الشيء، ولكن رغم كل ذلك فهم يتقدمون، الآن الفرص جيدة للمستثمرين، والأسعار تعتبر جيدة، ففي حالة الاستقرار ستزداد الأسعار إلى الضعف على الأقل».

وأشار سعد الدين إلى وجود محادثات مستمرة مع مستثمرين يرغبون دخول السوق المصرية، بالإضافة إلى جولات في الخارج يقوم بها مسؤولون مصريون للقاء مستثمرين عرب وأجانب، مؤكدا أن هناك اهتماما بالاستثمار في مصر، وأن هناك «ضوءا بنهاية النفق، وننتظر استقرار الوضع السياسي والأمني».

وتحاول الحكومة إعداد برنامج للإصلاح الاقتصادي لكي تؤمن من خلاله تحقيق معدلات تنمية يشعر بها المواطنون، إلا أنها لم تفصح عن تفاصيل البرنامج وسط شكوك بشأن تلميح المسؤولين الحكوميين بأن جميع المواطنين سوف يشتركون بنسب في تحمل أعباء المرحلة.

وتبحث الحكومة المصرية عن معونات خارجية لدعم اقتصادها، وبدأت بطلب قرض من صندوق النقد الدولي الذي علق إقراض البلاد نحو 4.8 مليار دولار أكثر من مرة لعدم وجود توافق مجتمعي بشأن القرض وغياب البرلمان المنتخب.

إلا أن الحكومة منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) من العام قبل الماضي وحتى الآن حصلت على مساعدات خارجية بضعف المبلغ الذي من المقرر أن تحصل عليه من صندوق النقد.

وتقول الحكومة إن قرض صندوق النقد يوفر مزيدا من الثقة ويمثل شهادة من المؤسسة الدولية على قوة اقتصاد البلاد، وهو ما يشكك فيه معارضون للحكومة قائلين إن «شروط الصندوق سيتحمل تبعاتها المواطن البسيط».

وحصلت مصر على مساعدات مالية في صورة منح وقروض وودائع بلغت 10 مليارات دولار، منها أربعة مليارات من السعودية، وخمسة مليارات من قطر، ومليار من تركيا، ومن المتوقع أن تحصل البلاد على مليار آخر من تركيا.

ورغم المساعدة الضخمة لم يلاحظ مردود اقتصادي ملموس لها، فاحتياطي النقد الأجنبي من المتوقع حسب تصريحات حكومية أن يصل إلى 15.5 مليار دولار بنهاية الشهر الحالي، مرتفعا بنحو نصف مليار دولار فقط عن الشهر الماضي، بعد أن وصل في ديسمبر (كانون الأول) 2010 إلى 36 مليار دولار.

كما أن العملة المحلية تواصل تراجعها أمام العملات الأجنبية، بسبب ندرتها في السوق، ووصل سعر الدولار في شركات الصرافة المصرية إلى 6.95 جنيه، قافزا نحو جنيه منذ نجاح الثورة.

ومع الصعوبات التي تواجهها الحكومة للبدء في تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي شامل يرى خبراء أنه قد لا يلقى قبولا عاما من قبل المواطنين، بدت تصريحات المسؤولين تتسم بالواقعية مع خفضهم لسقف التوقعات لأداء الاقتصاد خلال العام الحالي.

وكانت الحكومة تتوقع تحقيق معدل نمو يصل إلى 4% خلال العام المالي الحالي ووصول احتياطي النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار والعجز المالي في الموازنة العامة إلى 135 مليار جنيه، لكنها عدلت توقعاتها في ضوء الأوضاع السائدة إلى توقعها تحقيق معدل نمو 3% ووصول احتياطي النقد الأجنبي إلى 19 مليار دولار، والعجز المالي إلى 200 مليار جنيه.

يقول محمد عبد المطلب الخبير الاقتصادي إن عدم الاهتمام الكافي بالجانب الاقتصادي من قبل الحكومة كان السبب في تدني شعبية الرئيس مرسي وحكومته، وتابع: «المواطن العادي لا يعنيه إلا تحسن أوضاعه المعيشية.. التصريحات والأرقام والخطط لا معنى لها بالنسبة للناس، الأهم أن يشعر المواطن أمام أرفف السلع في مراكز التسوق بالفارق».

ويرى عبد المطلب أن أداء الحكومة الحالية غير مقنع يقول: «الأداء ضعيف، فهناك بعض النقاط الملحة التي يجب معالجتها بشكل فوري، لكن الحكومة فضلت التركيز على برنامج إصلاحي يزيد من معاناة المصريين بحثا عن قرض حصلت على ضعف قيمته من ثلاث دول، ولم تدرس تأثير برنامج الإصلاح على المواطن العادي». وتابع: «الحكومة تبذل جهدا لتحقيق الاستقرار السياسي المفقود، لكنها إن بدأت بإصلاحات اقتصادية يشعر الناس بها ستبدأ الأزمات السياسية بالتلاشي».