دعوات لمعالجة أخطاء العملة الأوروبية الموحدة وتحرير التجارة مع آسيا

عقب تحذير «النقد الدولي» من طول أمد الركود في منطقة اليورو

منطقة اليورو وعملتها الموحدة تبقى على المحك
TT

توالت ردود الأفعال الأوروبية بشأن ما صدر عن لندن من مواقف بشأن مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وأعلنت هولندا عن تأييدها لموقف بريطانيا الذي ينادي بضرورة إصلاح التكتل الأوروبي الموحد، في حين انتقدت النمسا ما جاء في خطاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وقالت إن الرد على التحديات لن يكون بجني الثمار فقط، بل بتحمل المسؤولية في أوروبا موسعة ومتضامنة وتتقاسم الحقوق والواجبات. ومن جهته، اعتبر وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله أنه من الجوهري بناء أوروبا أكثر توحيدا عن أي وقت آخر لعدم الاعتماد على الأسواق المالية وتفادي بذلك أزمة مثل الأزمة الراهنة.. وجاء ذلك بعد أن قال صندوق النقد الدولي إن طول أمد الركود في منطقة اليورو يشكل خطرا لا سيما إذا فشلت المنطقة في استكمال إصلاحات مالية ومصرفية، وأشار إلى أن أوروبا اتخذت إجراءات ساعدت في تخفيف أزمة ديون المنطقة، غير أن صندوق النقد حذر من أن مخاطر كبيرة ما زالت قائمة، ومن بينها احتمال تجدد أزمة منطقة اليورو. وبعد ساعات من خطاب كاميرون في لندن وتصريحاته على هامش منتدى دافوس العالمي، ذكر فيسترفيله في مؤتمر أقيم بلشبونة: «يتعين علينا استعادة سيادتنا السياسية». ونفى أن سياسة ألمانيا متركزة فقط في الترشيد المالي، مستعرضا ثلاث نقاط للخروج من الأزمة تكمن في «ضبط الميزانية والتضامن والنمو». وقال: «تراجع النمو ليس نتيجة الديون بل التنافسية ولذا يتعين علينا تطبيق إصلاحات هيكلية».

وطالب الوزير برفع الميزانيات الموجهة لتأهيل الشباب، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يمثل فقط 7 في المائة من سكان العالم، لكنه يمثل 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي و50 في المائة من إجمال الإنفاق الاجتماعي في العالم. وفي لاهاي، قالت الحكومة الهولندية إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى الإصلاح، وفي هذا تتفق هولندا مع بريطانيا، إلى جانب أمور أخرى، ومنها ضرورة معالجة عيوب اليورو «العملة الموحدة»، حتى يتم التغلب على الأزمة، وتحقيق نمو مستدام، كما يجب العمل على تطوير وتعزيز عمل السوق الداخلية الموحدة، فضلا عن ضرورة التوصل إلى اتفاقات لتحرير التجارة مع الولايات المتحدة الأميركية ودول آسيا، وعلى الدول الأعضاء القيام بالإصلاحات بينما ستتولى بروكسل الإدارة وممارسة التأثيرات والضغوط لتحقيق ذلك.

وقال بيان للخارجية الهولندية إن هناك ارتباطا وتوافقا بين هولندا وبريطانيا حول معظم هذه النقاط، ولكن هولندا تريد أن يظل مكان بريطانيا داخل التكتل الأوروبي الموحد وليس خارجه لأن الإصلاح سيتم من داخل الاتحاد الأوروبي، وقال وزير الخارجية الهولندي فرانس تيمرمانس: «تحقيق الإصلاح يمكن أن تقوم به وأنت داخل الاتحاد الأوروبي، وليس بتركه والخروج منه»، وأضاف أن خطاب كاميرون هو شأن داخلي بريطاني، ولكن هولندا ترى، وبناء على تجربتها، أن إجراء النقاش الداخلي حول المشروع الأوروبي الوحدوي وتوجيه الانتقادات له يجب أن يحدث دون طرح موضوع العضوية للنقاش، واختتم الوزير بدعوة الحكومة البريطانية للتعاون مع هولندا والدول الأخرى التي تتفق معها في الرأي، من أجل تخصيص طاقاتها لإصلاح التكتل الأوروبي الموحد، ومن جانبه، انتقد وزير الخارجية النمساوي ميخائيل شبيندل ايغر ما ورد في خطاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشأن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي والتحديات التي تواجه أوروبا. وقال ايغير في تعليق له نشرته وسائل إعلام أوروبية، إن كاميرون تناول في خطابه الوضع في أوروبا مع تحليل للتحديات الراهنة وأبرزها اليورو والقدرة التنافسية ومسائل الشرعية الديمقراطية «لكن استنتاجاته كانت خاطئة». وأضاف أن الرد على هذه التحديات لن يكون بقطف الثمار فقط، وأخذ ما يناسب كل دولة أوروبية، بل تحمل المسؤولية عبر أوروبا موسعة ومتضامنة وتقاسم الحقوق والواجبات وأبدى تأييده لإصلاح الاتحاد الأوروبي الذي «لن يتحقق إلا من خلال تعاون والتزام كل الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد بالعمل معا، وليس عبر فرض شروط من طرف واحد أو طلب إعادة التفاوض بشأن العضوية الخاصة بكل دولة». وحذر شبندل ايغير، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ من مغبة الانسياق وراء سياسة كسب ود الأحزاب البريطانية على حساب بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أن خطاب كاميرون أثبت أن الحكومة البريطانية تعترف بقيمة وأهمية الاتحاد الأوروبي بالنسبة لبريطانيا ومواطنيها، وبالتالي من المتوقع استمرار تعاون بريطانيا البناء والشراكة داخل الاتحاد الأوروبي.

أما المستشار النمساوي فرنر فايمان، فقال من جانبه إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يركز على مناقشة تفصيلية داخله تتناول إدخال إصلاح جوهري يتم التوافق عليه بين كل دوله الأعضاء. وأضاف فايمان موجها سهام انتقاده لرئيس الوزراء البريطاني أن «خطاب رئيس الوزراء البريطاني بشأن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي لا يعكس سياسة جدية، من شأنها خدمة مصلحة الشعوب الأوروبية واقتصاد أوروبا، وحتى اقتصاد بريطانيا نفسها». وكانت المفوضية الأوروبية رحبت برغبة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في بقاء بلاده داخل الاتحاد الأوروبي. من جانبه، عبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إثر خطاب كاميرون أن الاتحاد بحاجة إلى مملكة متحدة «عضوا كامل العضوية» فيه، وحذر من أنه من دون إصلاح الاتحاد الأوروبي يمكن أن يتجه البريطانيون نحو «الخروج منه». «يمكن أن تكون بداية النهاية من ديفيد كاميرون. لدي انطباع بأن هذا الخطاب كان موجها أكثر للمحافظين في أوروبا وليس للاتحاد الأوروبي. رئيس الوزراء الذي يقول إنه سيجري استفتاء، ولكن فقط بعد الانتخابات المقبلة، يتطلع إلى الانتخابات المقبلة وليس إلى الاستفتاء. أجد ما يقوم به كاميرون غير قابل للتصديق».

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طالبت بدورها بريطانيا بالبقاء في الاتحاد الأوروبي والاستعداد لقبول حلول الوسط في النقاش حول إصلاح الاتحاد. من جانبه، قال صندوق النقد الدولي إن استمرار الركود في منطقة اليورو وضعف الاقتصاد في اليابان سيؤثران سلبا على النمو الاقتصادي العالمي هذا العام، قبل أن يشهد انتعاشة في 2014 من المرجح أن تجعله يسجل أسرع وتيرة للنمو منذ 2010. وخفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي هذا العام إلى 3.5 في المائة من 3.6 في المائة التي توقعها في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه قال إنه يتوقع أن يتسارع النمو إلي 4.1 في المائة في 2014 إذا ترسخ التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو.

وقال إن الاقتصاد العالمي سجل نموا بلغ 3.2 في المائة العام الماضي. والمرة السابقة التي سجل فيها الاقتصاد العالمي معدل نمو أعلى من 4 في المائة كانت في 2010، حين نما الناتج العالمي 5.1 في المائة مع انحسار الأزمة المالية العالمية. وقال أوليفييه بلانشار كبير الاقتصاديين في صندوق النقد في مؤتمر صحافي: «يوجد شعور بالتفاؤل لا سيما في الأسواق المالية، وقد يكون بعض التفاؤل الحذر مبررا».

وأضاف قائلا: «مقارنة بوضعنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي تراجعت المخاطر الشديدة»، مشيرا إلى أن واشنطن تفادت السقوط في «الهاوية المالية»، وأن أوروبا اتخذت إجراءات ساعدت في تخفيف أزمة ديون المنطقة. غير أن صندوق النقد حذر من أن مخاطر كبيرة ما زالت قائمة ومن بينها احتمال تجدد أزمة منطقة اليورو، وإمكانية أن يخفض الكونغرس الأميركي الإنفاق في الميزانية بنسبة كبيرة. وقال بلانشار إن النمو في العام الحالي سيكون ضعيفا لدرجة لا تسمح بخفض نسبة البطالة في الاقتصادات المتقدمة. وقال صندوق النقد إن طول أمد الركود في منطقة اليورو يشكل خطرا، لا سيما إذا فشلت المنطقة في استكمال إصلاحات مالية ومصرفية.