مستثمرون: مناخ الأعمال في مصر منفر.. لكن الفرص لا تزال موجودة

قالوا : التخبط في القرارات الحكومية أخطر من الاضطرابات السياسية المتكررة

البنك التجاري الدولي يتعرض لعمليات تخريب في القاهرة من جراء الشغب (رويترز)
TT

«معاداة الاستثمار»، «الخوف من المجهول»، «التخبط في القرارات»، «ضبابية المشهد السياسي».. بتلك الكلمات وغيرها، وصف مستثمرون ورجال أعمال مصريون وأجانب يعملون في مصر مناخ الاستثمار في البلاد.

فمع تكرر الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد، كان ذلك بالنسبة لهم أحد العوامل التي تعيق أعمالهم، لكنهم أيضا يرون أن التخبط في القرارات الحكومية هي أكبر العوائق، وهو ما يجعلهم عاجزين عن وضع خططهم المستقبلية.

ورغم تلك الحالة، فإن عددا من المستثمرين أكدوا في حديثهم أن البلاد لا تزال تحمل فرصا جيدة في قطاعات محددة، كما أن خططهم لتوسيع أعمالهم في مصر لا تزال قائمة.

يقول رئيس شركة «الوادي القابضة» طوني فريجي، وهو أحد المستثمرين اللبنانيين في مصر، إن «مناخ الاستثمار في مصر سيئ، وسببه ليس الاضطرابات المتكررة في الشارع فقط، ولكن التخبط في منهج الحكومة، وعدم طرح سياسة لتشجيع الاستثمار وتطويره وإزالة الصعاب أمام المستثمر، فما تهدف إليه الحكومة الحالية هو زيادة إيراداتها خاصة من رجال الأعمال».

ووصف المناخ الاقتصادي الآن بأنه «معاد للاستثمار»، وتابع: «أرى أن النهج الذي تتبناه الحكومة هو أكبر عوائق الاستثمار، وهو أخطر من الوضع السياسي والأمني». وأشار إلى أن المعاداة تتمثل في العدول عن قرارات والتباطؤ في إصدار تراخيص، وإعادة مصانع وأراض من مستثمرين إلى الدولة، فهذا يشكك أي مستثمر جديد للقدوم إلى مصر، مشيرا إلى أن كل ذلك لا يشجع المستثمر القائم أن يصرف أموالا على مصانعه ومنشآته بشكل أكبر.

وصدرت عدة أحكام قضائية برد مصانع وأراض وأصول امتلكها مستثمرون في إطار عمليات الخصخصة التي تمت في مصر منذ عام 1999. بدعوى أنها لم تتم وفق إطار صحيح وتم بيعها دون قيمتها الحقيقية.

ويرى فريجي، الذي تعمل شركته في القطاع الغذائي، أن القرارات الحكومة تلك ليست نابعة من الحكومة الحالية، ولكنها امتداد لحكومة الدكتور أحمد نظيف في النظام السابق، وقال: «إلى الآن لم يخرج وزير ليراجع القرارات السابقة التي أخذتها حكومات ما قبل الثورة والتي كان يعاني منها مستثمرون كثيرون، مثل ما يتعلق بالاستيراد وحماية المنتج المحلي وتشجيعه، فما نعاني منه الآن رواسب متراكمة من الحكومات السابقة».

وعن تأثير ما وصفه بالمناخ المنفر على أعماله في مصر، قال فريجي، لدينا ثلاثة مشاريع أسعى لإقامتها منذ عام ونصف، وحتى الآن لم أستطع الحصول على تراخيص لتلك المشاريع، ولا أحد عنده القدرة أن يعطيني تلك التراخيص، هناك تخبط غير طبيعي في القرارات و«المحسوبية لا تزال قائمة»، ولهذا لا أستطيع أن أقيم مشاريع جديدة.

وأشار إلى أن التخبط فيما يتعلق بأسعار الطاقة والضرائب وغيرهما من الرسوم، يجعل المستثمر لا يعرف ماذا سيفعل غدا: «فمثلا لا أستطيع أن أقوم بعمل اتفاقات تصدير دون أن أعرف تكلفتي، وهذا لا يجعل أجواء الاستثمار جاذبة».

وتسعى الحكومة المصرية إلى زيادة أسعار الضرائب على بعض السلع في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب زيادة أسعار الطاقة الموجهة إلى المصانع وتخفيض دعم وقود السيارات.

وعن أداء الشركة عام 2012. قال فريجي إن شركته حققت 80% من مستهدفها العام الماضي، واعتبر هذا الرقم جيدا في ظل الاضطرابات الحالية.

وعن تأثير الأجواء الحالية على قراره الاستثماري، قال فريجي: «أصبحنا نتريث قبل ضخ استثمارات جديدة، ورغم ذلك فهناك مشاريع أخرى نجاهد لكي نحصل على تراخيصها.. لدينا خطط لا تزال قائمة للتوسع والمشاكل تحيطنا من كل جهة».

وفي السياق ذاته قال مسؤول بإحدى شركات الاستثمار المباشر البريطانية التي لديها استثمارات كبرى في مصر - رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه - إن «أكثر شيء يؤثر على مناخ الاستثمار في مصر الآن هو (الخوف من المجهول)، فالاستثمار يكون بناء على رؤية للمستقبل، وإذا كانت الرؤية ضبابية لا تستطيع وضع خطط، ولا تستطيع تقييم موقفك الحالي، فعندما يكون هناك حالة من عدم وضوح الرؤية والضبابية السياسية ينعكس ذلك على المناخ الاستثماري».

ويرى أنه رغم ما تمر به مصر، فإن هناك فرصا بمجالات محددة مثل القطاع الاستهلاكي، فالاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك المحلي النابع من الزيادة السكانية المتوالي، والدليل على ذلك أن هناك شركات لا تزال تضخ أموالا وتبني مصانع.

ولا يزال تنامي الاستهلاك النهائي هو المساهم الإيجابي في الاقتصاد المصري، وبلغ معدل النمو خلال الربع الأول من العام المالي الجاري المنتهي في سبتمبر (أيلول) الماضي، نحو 2.6% ومثل الاستهلاك النهائي نحو 2.3% من هذا النمو.

وأضاف مدير الاستثمار في الشركة البريطانية أن التحول السياسي في أي بلد، يجعل المستثمر متخوفا، ولكن هذا قد يختلف من رجل أعمال لآخر، فإذا وجد المستثمر فرصا جيدة ومجالا مناسبا لن يتوانى عن ضخ أمواله.

وقال: «أكثر الأشياء التي يخشاها المستثمر الأجنبي هو عدم وضوح الرؤية، الحكومة المصرية قالت: إنها ستضع حوافز للاستثمار وتسهيل دخول وخروج المستثمرين بشكل آمن، لكن أحد الأشياء التي يخشاها المستثمر الأجنبي هو تحرك العملة وزيادة الضرائب وتلك الأمور غير واضحة حتى الآن».

ولكنه يرى أن هناك مستثمرين أجانب معتادون على استثمار في دول مثل مصر، يكون لديهم رؤية واضحة لتلك المخاطر وكيفية التعامل مع ضبابية التوقعات.

وعن رؤية شركته لمخاطر الاستثمار في مصر، قال: «لا ننظر إلى البلد وحدها، ولكن ننظر بشكل أدق إلى القطاع الذي سنستثمر فيه، فمثلا في دول يكون المناخ الاستثماري فيها بشكل عام له مخاطر عالية، تستطيع أن تجد استثمارا في قطاعات محددة ذات مخاطر أقل».

وتابع: «بالنسبة لنا كشركة استثمار مباشر ننظر ونركز على القطاعات الاستهلاكية والشركات ذات الإدارة القوية، وتلك الشركات تستطيع أن تستثمر فيها خاصة أن أسعار الدخول الآن بها أقل عما إذا كانت الدولة مستقرة».

وعن طول الفترة الانتقالية وتأثيرها على المحادثات مع صندوق النقد الدولي، قال: إن استمرار الاضطرابات وطول أمد المحادثات مع صندوق النقد، يصيب المستثمر بالاكتئاب، فالمستثمرين أيضا تحكمهم «نظرية القطيع» يترقبون بعضهم، لا أحد يريد أن يرى نفسه يستثمر وحده.

وعن مدى رؤية المستثمرين الأجانب لقرض صندوق النقد الدولي وتأثيره على قرارهم، قال: إن شركته لا تنظر إلى صندوق النقد الدولي واتفاقه مع مصر على أنه إثبات على قوة الاقتصاد، رغم أنه مفيد ومؤثر على احتياطي النقد الأجنبي وعلى العملة الأجنبية في البلاد: «ولكننا لا نربط أعمالنا بقرض الصندوق فقط، فما يؤرقنا هو الضبابية في اتخاذ القرارات والاستثمار ودرجة الثقة في الاقتصاد وتأثير على القطاعات».

وقال وزير المالية المصري المرسي حجازي، أمس، إن المفاوضات بين بلاده وصندوق النقد الدولي مستمرة، حيث تعكف وزارة المالية على الانتهاء من مراجعة الإطار الاقتصادي الكلي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في ضوء التغيرات الأخيرة، وما أسفر عنه الحوار المجتمعي من تعديلات على بعض عناصر البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ووسط تلك الأزمة، قال المسؤول في الشركة البريطانية إن استثمارات شركته لا تظل موجودة في مصر، وتدرس في الوقت الحالي عددا من الفرص في القطاع الاستهلاكي والمالي، مختتما: «التغيير السياسي له فوائد إيجابية على المدى الطويل، لكنه يحمل مخاطر على المدى المتوسط، الأهم في إنشاء شركات هو أن تكون الإدارة قوية تستطيع أن تسير أمورها خلال تلك الفترة».

ومع المعاناة الممزوجة بالأمل التي هي حال المستثمر الأجنبي في مصر، إلا أن المستثمرين المصريين كانوا أكثر تشاؤما بما يحدث في البلاد، فيقول أيوب عدلي أيوب رئيس شركة «رمكو للقرى السياحية» التي تعمل في مجالي العقارات والسياحة، إن «مناخ الاستثمار واضح للجميع، فلا يوجد سياحة، الطلب على العقارات محدود للغاية يكاد يكون معدوما، وحتى الذين تسلموا وحداتهم العقارية لا يدفعون أقساطها، والحاجزين لا يكملون أقساطهم، مما يعني أن الحال واقف».

ويرى أيوب أن الوضع الآن خرج من يد الحكومة، والمناخ الحالي لا يساعد على تحسن أي شيء، متابعا: «بعد عدة أشهر إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن، ستصبح هناك كارثة على مصر كلها وليس على المستثمرين».

وحققت شركة «رمكو» خسائر بلغ 15.511 مليون جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي، وفي ظل تلك الخسائر والوضع المالي السيئ للشركة، عرضت الشركة على أحد البنوك سداد المديونية المستحقة على المجموعة، من خلال أصول عقارية بدلا من السداد النقدي.

وفي ظل الأحداث المندلعة في مدن قناة السويس شرق البلاد منذ أيام، عانت بعض الشركات من تصدير منتجاتها إلى الخارج، التي تعتمد على موانئ بورسعيد لتصدير إنتاجها.