نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي: نتطلع للتعاون مع البنك الإسلامي لندخل حلبة صناعة المصرفية الإسلامية

فيليب فيف لـ «الشرق الأوسط»: مستقبل الاقتصاد العالمي مرهون بخلق الاستقرار المالي وترقية النمو الشامل وتوفير الوظائف

فيليب دي فونتين فيف نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي
TT

أكد نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، أن هناك مخاوف تترتب على انعكاسات المتغيرات الإقليمية والدولية على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية، وتهدد صانعي السياسات الاقتصادية تحديدا.

وقال فيليب دي فونتين فيف نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي في حوار مع «الشرق الأوسط»: «إن أكبر تحدٍّ أمام صانعي السياسة الاقتصادية، في ظل المتغيرات الاقتصادية المتلاحقة، هو خلق الوظائف، في ظل بطالة مقنعة انتظمت أهم مناطق العالم».

وزاد: «في المدى القصير، ارتبط الربيع العربي بتقلب الاقتصاد الكلي، وارتفاع أسعار البترول والسلع وتباطؤ السوق الأوروبية والأميركية».

ووفق فيف، فإن الواقع الاقتصادي، أظهر وجود مشكلة هيكلية، تحتاج إصلاحا يعالج ضعف بيئة الأعمال لزيادة وتيرة النمو الاقتصادي، مؤكدا أن الدور المطلوب مستقبلا، ترقية النمو الشامل من خلال نمو الوظائف، وتحريك الموارد المحلية، والعمل على الاستقرار المالي.

من ناحية أخرى، أوضح فيف، أن بنك الاستثمار الأوروبي يتمتع برأسمال قدره 242 مليار يورو، كما لديه عمليات سنوية تبلغ 70 مليار يورو، منها مليارا يورو تذهب إلى دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يعمل البنك داخل أوروبا لدعم التنمية والاندماج، وخارجها لدعم سياسات التنمية والتعاون مع الدول الشريكة.

وفيما يتعلق باهتمام البنك بنظام المصرفية الإسلامية، قال فيف: «بكل أمانة لم نطور منتجات مصرفية إسلامية بعد، ولكن هذا أحد مجالات التعاون التي أناقشها مع البنك الإسلامي للتنمية، ليعلمونا إذا كان كانت هناك جدوى أم لا لبنك متعدد الجنسيات مثلنا ليقوم بهذا، حتى نتمكن من الانطلاق في هذا المجال الحيوي»، بالإضافة إلى الكشف عن عدد من القضايا في الحوار التالي:

* أراك تشارك في الفعاليات الاقتصادية العربية الكبيرة كما في منتدى القطاع الخاص العربي، وتمارس نوعا من التجوال في المنطقة الخليجية والعربية.. ما سرّ هذا الاهتمام؟ وهل لبنك الاستثمار خطة استراتيجية ينطلق منها في هذا الاتجاه؟

- من الواضح أن هناك اهتمامات مشتركة بين الدول العربية والدول الأوروبية، فيما يتعلق بالتغييرات التي تحدث في دول حوض المتوسط لتكون ناجحة، وبطبيعة الحال فإن تلك التغييرات انتظمت كل المستويات الحياتية، وأولها الأوضاع الاقتصادية فالسياسية فالاجتماعية، وأفرزت هذه التغييرات تحديات كبيرة يواجهها إنسان المنطقة ومنها تدني مستوى المعيشة وعدم تكافؤ الفرص، ولذلك الناس يتوقعون كثيرا من الوظائف، وكثيرا من النمو والكثير من الكرامة ولكن هذا لا يتأتى إلا بتضافر الجهود الأوروبية والعربية في هذه المنطقة من العالم، وبالتالي تجدنا جميعنا لدينا الاهتمام ذاته، ونحاول أن ننجز الكثير. هذه الأهداف التي تحول هذه التحديات والتغييرات في الاتجاه الإيجابي وبأسرع ما يكون، ومن هنا تنطلق اهتماماتي الشخصية، ولذلك أتيت إلى العاصمة السعودية الرياض وأنا أسافر حول دول مجلس التعاون الخليجي بهدف أن أقترح على شركائنا إعادة تأكيد دعمنا لهذه الدول، وذلك بتجميع إمكانياتنا، ومن المؤكد أننا نعلم بوجود إمكانيات تمويل كبيرة في أوروبا وهنا أيضا، لا نحتاجها في أوروبا، ولكنها سوف تكون ذات مساعدة كبيرة لدول المتوسط، وهناك رجال أعمال عرب على درجة كبيرة من المسؤولية الاجتماعية والوطنية والاستثمارية والاقتصادية والتجارية، كما أن هناك خبرات هندسية فنية وخبرات مالية، لذا فإن ما أطلبه هنا هو تجميع إمكانياتنا جميعا لكي نوظفها ونستغلها بشكل رشيد في البلاد العربية، التي يمكن أن تستوعبها، كما الحال في المغرب، تونس، مصر والأردن والسودان، وفي رأيي الشخصي هذا هو الطريق للنمو والتطور والازدهار.

* ليتك تعطينا فكرة عن بنك الاستثمار الأوروبي من حيث الموجودات والنشاطات! - يعتبر بنك الاستثمار الأوروبي أكبر مؤسسة مالية عالمية متعددة الجنسيات، ويتمتع برأسمال قدره 242 مليار يورو، وينشط في جميع المجالات الاستثمارية الاستراتيجية والتنموية والاقتصادية، ولذلك فهو يسمح لنا بمساعدة الآخرين من خلال منح الاقتراضات، وبسعر السوق، بل بأقل من سعر السوق لعملائنا خاصة، ولدينا عمليات سنوية تبلغ تقريبا 70 مليار يورو، ومن مبلغ الـ70 مليار يور هناك مليارا يورو سوف تذهب إلى دول منطقة البحر الأبيض المتوسط ومنها الدول العربية المطلة على هذا الجزء من العالم، ويعمل بنك الاستثمار الأوروبي داخل وخارج أوروبا، وغالبية قروض البنك تذهب إلى الدول الأوروبية بنسبة تتراوح ما بين 90 في المائة من حجم العمليات لدعم التنمية والاندماج، وأما خارج أوروبا، فإنه تحكم قروض البنك بتفويض من الاتحاد الأوروبي لدعم سياسات التنمية والتعاون مع الدول الشريكة، كما للبنك نشاط حاليا في كل من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بالإضافة إلى امتداده الطبيعي في جنوب غربي أوروبا.

* تعلمون أن الأزمة المالية العالمية التي تجتاح العالم ما زالت تداعياتها مؤثرة في مفاصل الاقتصاد العالمي لا سيما دول منطقة اليورو، التي تعاني من آثار الديون السيادية.. ما الدرس المستفاد لديكم في بنك الاستثمار الأوروبي؟

- أعتقد أن المهم في هذا الأمر، الذي أعتبره درسا مجانيا لمن يرقب الوضع بيقظة، أن يضاف خلق القيمة في كل دولة، وليس الاعتماد كثيرا على أسواق التمويل الدولية، كما أعتقد حقيقة أنه من الدروس التي علمتها لنا الأزمة المالية العالمية، أن نعمل ونطور ونزيد من درجة التنافسية في كل دولة بما يناسب إمكانياتها ومواردها، كذلك من الدروس العمل بجدية على الشروع في بناء التكامل الإقليمي ليكون أكثر إبداعية، وأيضا علينا الاتجاه نحو التوسع في افتتاح الأسواق بشكل أكثر استيعابا للإمكانيات المتاحة، ولكل هذا فإن الاتحاد الأوروبي ودوله، يقوم بهذه الأشياء كاستراتيجية فعالة لنفسه داخل أوروبا وأيضا مع شركائه وخصوصا في دول العالم العربي.

* كثيرا ما نسمع مرفق «الأورومتوسط للشراكة والاستثمار».. ما المقصود بهذا المصطلح إن صحّ التعبير؟

- نعم، هذا المرفق يعني خطة معينة يقوم بنك الاستثمار الأوروبي بتنفيذها، ومن خلال هذه المرفق يقدم البنك المساعدة اللازمة والضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشركائه من دول البحر الأبيض المتوسط، التي تشمل كلا من تونس، المغرب، الجزائر، مصر، الضفة الغربية، غزة، إسرائيل والأردن، ويعطي البنك أهمية عالية للتنمية وخلق الوظائف في قطاعين مهمين، هما القطاع الخاص، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وخصوصا الذين يعملون في الصناعة السياحة الخدمات، كما يقدم البنك عددا من خيارات التمويل، مثل القروض المباشرة، والأسهم الخاصة والضمانات، بالإضافة إلى الخدمات الاستشارية، كذلك هناك ما يسمى ببرنامج مرفق الأورومتوسط للشراكة والاستثمار للتدريب، وهذا يستهدف تعزيز مواهب شباب المتوسط، وهو من البرامج التنموية التي يقوم بها البنك، ومثله المرفق لبناء القدرات البشرية في دول شركاء المتوسط، وذلك بإتاحة الفرصة لصغار الخريجين من المنطقة ليحصلوا على الخبرة في بيئة عالمة متعددة الثقافات، وقد استفاد من هذا البرنامج 55 متخرجا بين عامي 2007 و2011.

* برأيك، ماذا يجمع بين دول الشراكة المتوسطية وماذا يفرق بينها؟

- حقيقة إن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تشير إلى عدم تجانس كبير في اقتصاديات هذه الدول كمثل ما يوجد بين اقتصاد الجزائر المركزي واقتصاد إسرائيل الحر مثلا.

* كيف تنظر إلى مستقبل الشراكة المتوسطية في ظل الربيع العربي الذي أفرز واقعا عربيا جديدا في هذه الدول؟

- لاحظنا أن هناك ارتباطا بشكل ما بين الربيع العربي والشراكة المتوسطية، غير أنه (دعني أقل لك) في المدى القصير ارتبط الربيع العربي بتقلب الاقتصاد الكلي، وأيضا لأنه ارتبط بفترة ارتفاع أسعار البترول والسلع وكذلك تباطؤ في أسواق أوروبا وأميركا، وبالتالي كان هناك اجتماع لهذه العوامل الثلاثة معا، أي الربيع العربي، وارتفاع الأسعار والتباطؤ الاقتصادي، وتلاحظ أن لديه آثاره الاقتصادية، فالنمو في دول المجموعة قدر بـ2.6 في المائة في عام 2001، وقد تأثر الإنفاق العامل كثيرا بالإضراب الاجتماعي والسياسي، كما أن الميزان الخارجي قد تأثر أيضا، فضلا عن زيادة عدم الثقة في الاقتصاد الكلي، التي تمثلت في انخفاض الاحتياط من العملات الأجنبية خصوصا في مصر، ولذلك أعتقد أنه من أجل للمضي قدما، فإن أكبر تحدٍّ أمام صانعي السياسة في الإقليم هو خلق الوظائف، فحقيقة أن البطالة أصبحت ملحة، خاصة بين الشباب، الذي تلقوا تعليما جيدا، حيث أظهرت مشكلة هيكلية وتحتاج لإصلاح هيكلي ونمو اقتصادي أكثر شمولا، خاصة أن الإصلاحات التي تعالج الضعف في بيئة الأعمال، سوف تشغل جزءا مهما من أي مبادرة لتنمية القطاع الخاص، كما أن الضغط الإضافي الناتج مع الربيع العربي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يضغط بدوره على القطاع المالي في دول المنطقة، ليستجيب لهذه التحديات المتزايدة، ولذلك أعتقد أنه في الأعوام المقبلة، فإن دور القطاع في ترقية النمو الشامل، تكون من خلال نمو الوظائف، وتحريك الموارد المحلية، والعمل على الاستقرار المالي.

* أود أن أنتهز هذه الفرصة وأسأل إن كانت لكم أي علاقة مع السودان أو تودون القيام بعمل استثماري في هذه الدولة لأن لديها إمكانيات استثمارية كبيرة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء؟

- بلا شك فإن السودان دولة كبيرة وغنية بالمجالات الاستثمارية خاصة في مجال الاستثمار الزراعي والتعديني وتنقيب البترول، وأعتقد أنها تسير في هذا الطريق، ولكن نحن في بنك الاستثمار الأوروبي، ننظر إلى المشاريع كل على حدة وجدواه الاقتصادية، وبالتالي الفائدة التي تعود من المشروع المعين، وأما إذا كان سؤالكم أكثر تعميما عن الاستثمار الزراعي والزراعة عموما، فإننا متأكدين أن الموارد الطبيعية بما فيها الأرض والمياه والإنسان يتم استغلالها حاليا في دول عربية مثل مصر وتونس مثلا، ولذلك كما قمنا في المغرب بدعم خطة وطنية لتطوير الزراعة تسمى «الخطة الخضراء» يمكننا أن نقوم بالشيء نفسه في مختلف الدول العربية بما في ذلك السودان.

* هناك بعض البنوك الأوروبية التي بدأت تستعين القوانين الإسلامية وبالتالي تقديم خدمات ومنتجات مصرفية إسلامية.. هل لديكم اهتمام بهذا المجال؟

- بكل أمانة لم نطور منتجات مصرفية إسلامية بعد، ولكن هذا أحد مجالات التعاون التي أناقشها مع البنك الإسلامي للتنمية ليعلمونا إذا كان كانت هنالك جدوى أم لا لبنك متعدد الجنسيات مثلنا ليقوم بهذا، وفي الوقت الحاضر هناك بنوك تجارية تقوم بذلك بجانب البنك الإسلامي للتنمية، لذا نريد أن نستمع أولا إلى البنك الإسلامي للتنمية ورؤيته في هذا الشأن، حتى نتمكن من الانطلاق في هذا المجال الحيوي، خاصة أن هناك اتجاها عالميا نحو المصرفية الإسلامية وتشهد زيادة مطردة في عدد من عملائها في شتى بقاع العالم، وهناك تجارية ناجحة في عدد من الدول الأوروبية بما فيها بريطانيا وهناك محاولات، كما في فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، بجانب دول أخرى في شرق آسيا، مثل سنغافورة مثلا فضلا عن ماليزيا وإندونيسيا وأستراليا.

* ما خطط بنك الاستثمار الأوروبي الاستراتيجية المستقبلية؟

- استراتيجيتنا تقوم على أن نكون موجودين كبنك للاستثمار في كل الساحات وبقوة وتنافسية كبيرة، ولكن المهم في الأمر أن تحترم هذه الاستراتيجية كل الاستراتيجيات المقابلة الدول المستهدفة بالنسبة لنا، بمعني أن لا نحاول أن نفرض استراتيجيتنا الخاصة على الآخرين غير أنه في الوقت نفسه نسعى لئلا تفرض الاستراتيجيات الأخرى سيطرة على توجهاتنا بشكل معيق، لذلك ففي الدول التي سمح لنا الاتحاد الأوروبي بالعمل فيها، مثل دول حوض البحر الأبيض المتوسط، فقد حاولنا أن نجد موقعنا في الخطة الاستراتيجية للدولة نفسها، ولم نأتِ باستراتيجيتنا الخاصة لأنه ليس من تعارض في التوجهات الاستثمارية والآليات المصاغة لتنفيذها.