الـ«نزاهة» تعبت

سعود الأحمد

TT

الواضح أن هناك تجاذبا لم يُحسم في الدول العربية بين الحاجة للإصلاح والحنين للبقاء، ليبقى الحال على ما هو عليه. وفي السعودية، هناك إرادة جادة من القيادات للإصلاح الإداري، يشهد على ذلك إنشاء هيئات متخصصة لمعالجة الوضع، منها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة». لكن الذي يبدو أن إدارة الهيئة بدأت تتعب، أو ربما تيأس، من جدوى متابعة الملاحظات! وهذا في تقديري عائد إلى غياب الآليات الفاعلة لمعالجة الأخطاء والمخالفات.

آخر مؤشر على ذلك أن هيئة مكافحة الفساد ترسل خطابات لوزارات، مثل الصحة، لإجراء التحقيقات، لتقصي أسباب نقص الكادر الطبي والفني ببعض المستشفيات، وأسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء بالمستشفيات، وإصلاح أوضاعها، ومحاسبة المسؤولين عنها، بما يكفل تقديم الخدمات الصحية للمواطنين على أكمل وجه، وإفادة الهيئة خلال 30 يوما بما تم اتخاذه. وكأن الهيئة لا تدري أن غالبية العاملين فيها مشغولون بمشاريعهم الخاصة! مع أن لدي وصفة ناجعة كتبت عنها في أكثر من مقال وكتبت للهيئة في موقعها واتصلت بمعالي نائب الرئيس لكي يطلع عليها، فإني لم أجد استجابة. والغريب أن نائب الرئيس كان أستاذي بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود منذ أكثر من 32 عاما، وهو من كان يدرس لنا هذه الإجراءات، فيما يُعرف بتطوير أنظمة الرقابة المالية.

وملخصها أنني لا أعتقد ببصيص أمل في الإصلاح الإداري في وزارة الصحة بوجه خاص، ما لم يوضح كل مسؤول تنفيذي بالوزارة عمله الحقيقي، ومدى استقلاليته عن المشاريع الهادفة للربح، التي تقع تحت إدارته! هذا الإجراء ليس اكتشافا من عندي، ولكنه متطلب قانوني يضمن عدم وجود تعارض مصالح. لأن العمل في ظل ممارسة تعارض المصالح هو بحد ذاته مخالفة يجرم عليها القانون! وبتصريح أكثر.. إذا كان أصحاب القرار في وزارة الصحة يملكون المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة والمراكز الطبية المتخصصة والأشعة والمختبرات الصيدليات ومحلات بيع المستلزمات الطبية، وفي الوقت ذاته هم الذين يقومون بمهام الأعمال الرسمية في الوزارة التي تشرف على هذه المنشآت الهادفة للربح، فهذا معناه أن هذا المجال، وهو صحة الناس، معروض للتجارة لمصلحة عدد محدود من العاملين بالوزارة. لأن من يعمل بجهاز رسمي لا يصح أن يتولى الحكم على منشأة يملكها أو يشارك في ملكيتها! والمعالجة سهلة وميسرة أمام حضرة الوزير، بأن يصدر تعميما داخليا بالوزارة يلزم كل مسؤول تنفيذي بالوزارة بأن يبين مقادير ملكيته في المنشآت التي تعمل في أي مجال من المجالات الصحية. فعند ذلك سيتردد الكثير من توضيح أوضاعهم المالية وملكياتهم في هذه المنشآت، وغالبا ستنهال استقالات كثيرة، لأنها لا تستطيع أن تضحي بالعمل الخاص والاقتصار على الوظيفة. وسيتضح أن بقاء البعض في الوظيفة ما هو إلا لتسيير أعمال مؤسساتهم الخاصة.

وختاما، إنني أدعو هيئة مكافحة الفساد إلى التعامل الجدي مع مقترحات المواطنين، وفتح أبوابها بحق أمام مقترحات المنظرين بوسائل الإعلام المختلفة.. وبالله التوفيق. [email protected]