شح المعروض من الدولار يفاقم معاناة المستثمرين في مصر

مسؤول: نوفر العملة الصعبة لاستيراد السلع الرئيسة ومراقبة مشددة على البنوك

أحد محلات الصرافة في القاهرة (أ.ب)
TT

قال مسؤولون بالبنوك المصرية إن هناك محاولات لتوفير العملات الأجنبية للأغراض الرئيسية التي تتمثل في استيراد السلع الاستراتيجية، في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد بسبب نقص المعروض من الدولار. ويعاني مستثمرون ومستوردون من الحصول على العملة الصعبة، وقال بعضهم إنهم يلجأون أحيانا إلى السوق السوداء للحصول على الدولار.

وقال رئيس إحدى الشركات الغذائية الكبرى في مصر، رفض ذكر اسمه، إنه يعاني من ندرة العملة الصعبة في السوق خلال الفترة الماضية، مؤكدا أنه لجأ إلى السوق السوداء للحصول على الدولار، وأضاف أن ندرة العملة الصعبة قد يدفع أسعار السلع إلى مواصلة ارتفاعها في السوق.

وارتفع معدل التضخم الشهري خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بنسبة 1.8% مقارنة بشهر ديسمبر (كانون الأول) ، وقال محللون إن نسبة الارتفاع هي الأعلى منذ أكثر منذ عام ونصف، متوقعين استمرار ارتفاع مستويات التضخم، مع ارتفاع سعر الدولار المتواصل. وقال محمد الأبيض رئيس شعبة الصرافة باتحاد الغرف التجارية إن أوضاع السوق حتى الآن غير مستقرة، فهناك ندرة في الدولار، والمعروض من العملة الصعبة قليل، وأكد أن الطلب عليها أيضا طبيعي وعادة ما يكون لعمليات السفر والاستيراد وغيرها. وأضاف أن البنوك العاملة في السوق لا توفر الدولارات إلى شركات الصرافة، وتابع: «من الممكن أن تحصل كل شركة صرافة على 20 ألف دولار من البنوك على مدار الأسبوع، وهذا بالطبع غير كاف». وأكد أن من يحمل الدولار في مصر الآن لا يريد أن «يفرط فيه»، وينتظر إلى وصول سعره إلى مستويات قياسية أمام العملة المحلية.

وعن انتشار السوق السوداء للحصول على دولار في السوق، قال الأبيض: «بالطبع عندما تكون هناك سلع نادرة تكون هناك أسواق غير رسمية لها». ولكنه يرى أن السوق السوداء للدولار محدودة.

وقال مسؤول مصرفي رفيع المستوى إن هناك تشديد من قبل البنك المركزي على البنوك العاملة في السوق المصرية، بضرورة وضع أولوية لصرف الدولار على استيراد العمليات الأساسية، وهو ما كانت تتبعه أغلب البنوك العاملة في السوق. وتابع: «شدد محافظ البنك المركزي هشام رامز في أول لقاء يعقده مع رؤساء البنوك العاملة في السوق الأسبوع الماضي على ضرورة متابعة كل العمليات التي تتم بالعملة الأجنبية، خارج البلاد والتي يكون جزء منها مضاربة وتتم من خلال سحوبات من ماكينات الصراف الآلي للاستفادة من تحقيق هامش ربح يضر بالعملة المحلية، أو من خلال بعض العمليات الأخرى». وقال رامز وفقا للمسؤول الذي حضر الاجتماع، إن المركزي يتابع ويراقب عن كثب كل العمليات التي تتم على الدولار في السوق، ولن يسمح بأفعال تضر السوق. مؤكدا أن تجربة 2004 والتي وصل فيها سعر الدولار إلى 7.25 جنيه، عاود السعر بعده لما دون 5.50 جنيه في إشارة منه إلى إمكانية تكرار الأمر. وطالب رامز البنوك بتوفير العملة الأجنبية لكل العمليات بشرط أن تكون وفقا لضوابط قانونية واضحة، مؤكدا أن ذلك يساعد في كشف السوق على حقيقته، ويساعد السوق على التعافي، مشير إلى أن المركزي لن يتهاون في أية عمليات تضر بالسوق واقتصاد الدولة الوطني.

وكان المركزي قد أخطر البنوك العاملة في السوق بعدة إجراءات تتعلق بتنظيم العمل داخل وحدات الجهاز المصرفي، وتعديل عدة قرارات كانت قد صدرت الأسابيع الماضية من شأنها توفير العملة الأجنبية ومحاصرة السوق السوداء. وطلب البنك المركزي من البنوك في قرار رسمي صدر الثلاثاء الماضي إعطاء الأولوية في تدبير العملة الأجنبية للعمليات الخاصة باستيراد السلع الغذائية الأساسية والتموينية.

في السياق نفسه، قال أحمد آدم الخبير المصرفي إن رفع البنوك الفائدة على أوعيتها الادخارية الأسبوع الماضي بين 1% و2% على أوعية ادخارية بالعملة المحلية من شأنه تقليل الطلب على الدولار.

كان البنك المركزي المصري، قد عرض أمس الاثنين 40 مليون دولار، عطاء دولاريا للبنوك العاملة في السوق المحلية، لتوفير العملة الأميركية، وهو رابع مزاد دولاري للبنك في عهد هشام رامز، محافظ البنك المركزي المصري، الذي تولى مهام عمله بداية الأسبوع الماضي، ليصل حجم العطاءات إلى 20 عطاء منذ تطبيق آلية تتيح عرض الدولار على البنوك بنظام العطاءات.

وبدأ الجنيه المصري في التراجع بعد الثورة عام 2011، وفقدت العملة المصرية 8% من قيمتها منذ 30 ديسمبر الماضي. واحتفظ الجنيه المصري باستقراره أمام الدولار عند ‏6.74‏ جنيه للدولار في تعاملات البنوك أمس، وقال متعاملون إن هذا المستوى يعد مستقرا بعد شهرين من التراجع.

ويتزامن هذا الاستقرار مع بدء تطبيق البنوك لقرار البنك المركزي الخاص بتمكين العملاء والمصريين بالخارج من إعادة تحويل مدخراتهم أو جزء منها عند تصفية استثماراتهم بالسوق المصرية بنفس القيمة وباسم الشخص نفسه الذي قام بتحويلها للداخل، حيث طلب هشام رامز محافظ البنك المركزي في القرار الذي أصدره الثلاثاء الماضي من البنوك باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيل حسابات العملاء وقيمة تحويلاتهم بما يضمن تطبيق هذا القرار، ويعد هذا القرار أحد القرارات المهمة التي اتخذها رامز منذ توليه منصبه الأسبوع الماضي والتي يرجع مصرفيون الفضل له في استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

وقال مصرفيون إن قرار ضمان إعادة تحويل المصريين من شأنه تعزيز الثقة والاطمئنان في إعادة تحويل جزء أو كل الأموال التي قام الشخص بإدخالها مصر، مما يقضي على حالة التخوف عند كثير من المصريين في عدم القدرة على تلبية احتياجاته من النقد الأجنبي وقت الضرورة في الخارج بسبب وضع حد 100 ألف جنيه حدا أقصى للتحويل للخارج للشركات والمستثمرين.

وتحاول البنوك المصرية البحث عن موارد لتوفير العملات الأجنبية في السوق، وتقوم بسحب أرصدتها من الخارج بشكل مستمر في سبيل تحقيق ذلك، حيث أظهرت آخر بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري أن البنوك قامت بسحب نحو 2.850 مليار جنيه من أرصدتها المستثمرة في الخارج لتصل إلى 75.223 مليار جنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن كانت 78.074 مليار جنيه في أكتوبر (تشرين الأول).

وبلغ إجمالي ما سحبته البنوك من أرصدتها في الخارج في الربع الأول من العام المالي الحالي نحو 1.3 مليار جنيه، ليصل إجمالي تلك الأرصدة لنحو 74.582 مليار جنيه في نهاية سبتمبر (أيلول) ، بعد أن كان 75.905 مليار جنيه في الربع السابق، في ظل احتياج محلي كبير للعملة وعدم القدرة على الاستثمار في الخارج.

من جانبه، قال الخبير المصرفي أحمد آدم إن سحب البنوك لجزء من أرصدتها هو «قرار سليم وتأخر كثيرا، وذلك لحاجة السوق المحلية لتلك الأموال في الوقت الحالي وعدم جدوى استثمارها في الخارج، بسب تدني معدل التوظيف والتقلبات الاقتصادية التي تشهدها معظم الأسواق الدولية».

وكانت البنوك المصرية قد سحبت 20 مليار جنيه من أرصدتها المستثمرة في الخارج خلال العام المالي 2011 - 2012. وهو السحب الأكبر لها طوال السنوات الماضية بسب وضعية الاقتصاد. وقامت البنوك الحكومية الثلاثة الكبرى في السوق بسحب نحو مليار دولار من أرصدتها في الخارج لدعم السيولة الدولارية في السوق بسب مشكلات العملة في ديسمبر ويناير الماضيين.