عبد الله باحمدان: النمو الكبير للقطاعات الرئيسية للاقتصاد السعودي بحاجة إلى تمويل بنوك متخصصة

رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السابق: تعاظم وتقارب المزايا التنافسية بين البنوك السعودية يشكل تحديا لها

TT

قال عبد الله باحمدان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي التجاري السابق لـ«الشرق الأوسط» إن مصرفه يستند إلى قواعد راسخة على كل الأصعدة، ماليا وتنظيميا، وكذلك ما يختص بوضوح الرؤية المستقبلية، وتوافر كفاءات وطنية تمتلك المهارة والقدرات القيادية للمضي قدما بهذا الصرح الاقتصادي الكبير باعتباره رافدا قويا للاقتصاد الوطني.

ويرى باحمدان أن مصرفه استطاع تجاوز كل التحديات التي واجهته بعد تبني مجموعة من المبادرات، منها وضع استراتيجية مكنته من تحقيق نتائج متميزة ونمو مستمر على كل مؤشرات الأداء المالي، إلى جانب إعادة هيكلة الموازنة وتعزيز المتانة المالية. ويرى أن دخول الحكومة كمساهم في رأسمال البنك أثر إيجابيا عليه، ولم يعق العمل، فالحكومة تتصرف مثل أي مساهم آخر في البنك، وهي ممثلة بشكل فعال في مجلس الإدارة.

وأشار باحمدان إلى أن نجاحات البنك الأهلي في المصرفية الإسلامية تجلت في ابتكار البديل الإسلامي للكثير من الخدمات والمنتجات التقليدية التي أصبحت مطبقة في مختلف المصارف المحلية والعالمية.

ويعتبر عبد الله باحمدان شاهدا على تطورات سوق المصارف في المملكة بعد عدة عقود قضاها بمواقع كثيرة بالبنك الأهلي التجاري. وإلى نص الحوار:

* ما أسباب رغبتك في عدم الترشح للدورة الحالية، خصوصا بعد المسيرة الحافلة بالبنك التي توجت برئاستكم لمجلس الإدارة؟

- تشرفت بالعمل في البنك الأهلي على مدى عدة عقود توليت خلالها مواقع كثيرة، وصولا إلى اختياري رئيسا لمجلس إدارة البنك والعضو المنتدب ولعدة دورات، بدءا من عام 1999 وحتى عام 2006، وهو العام الذي قام البنك فيه بتطبيق مبادئ الحوكمة المؤسساتية التي تقتضي الفصل بين السلطات الإشرافية والتنفيذية، وحينها ترجلت عن دوري كعضو منتدب، واحتفظت بمنصبي الإشرافي كرئيس مجلس الإدارة حتى نهاية أبريل (نيسان) 2012، وبعد هذه المسيرة الطويلة مع البنك الأهلي أستطيع أن أقول بكل ثقة إن البنك اليوم يستند إلى قواعد راسخة على كل الأصعدة، ماليا وتنظيميا، وكذلك ما يختص بوضوح الرؤية المستقبلية وتوافر كفاءات وطنية تمتلك المهارة والقدرات القيادية للمضي قدما بهذا الصرح الاقتصادي الكبير باعتباره رافدا قويا لاقتصادنا الوطني. وأعتقد أن الوقت قد حان لأن أترجل عن هذه المسؤولية مفسحا المجال للأخ منصور الميمان وأعضاء مجلس الإدارة الجديد لتولي قيادته نحو آفاق أرحب يواصل خلالها ريادته القطاع المصرفي محليا وإقليميا.

* ما أبرز التحولات التي شهدها البنك الأهلي خلال فترة عملكم فيه؟ وما التوجهات الاستراتيجية التي أشرفتم على وضعها وتنفيذها عبر رئاستكم لمجلس إدارة البنك؟

- مر البنك الأهلي منذ نشأته في عام 1953 بمراحل رئيسية، كان من أبرزها من وجهة نظري خلال العقدين الأخيرين التحول في عام 1997 من شركة عائلية إلى شركة مساهمة مغلقة، حيث أصبح للبنك الأهلي صفة قانونية مختلفة. وفي مايو (أيار) عام 1999 كان التحول في هيكل الملكية للبنك، بدخول الدولة مساهما رئيسيا عبر صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. والتحول من مصرفية الأفراد إلى العمل المصرفي الإسلامي في عام 2006، وفي ذات العام أيضا تم التحول نحو تطبيق مبادئ حوكمة الشركات الذي ترتب عليه فصل الصلاحيات وتحديد المسؤوليات. لذلك فإنني أعتقد أن تلك المراحل شكلت نقاط تحول رئيسية للبنك كان من نتائجها إتمام المتطلبات اللازمة لتطويره، كما كانت بمثابة القاعدة التي مكنته من الانطلاق نحو آفاق جديدة شملت تشكيل الفريق الإداري الذي أنيطت به مهام رئيسية، في مقدمتها إعادة الهيكلة المالية ووضع استراتيجية جديدة، حيث كان هذان المطلبان ركيزتين أساسيتين في ذلك الحين.

* توليتم رئاسة مجلس إدارة البنك والعضو المنتدب في أغسطس (آب) عام 1999، وكان البنك يمر بتحديات كبيرة، كيف تم التعامل مع تلك التحديات؟ وما أبرز الإنجازات التي تمت خلال تلك الفترة؟

- لقد كان لي شرف رئاسة وقيادة هذا الصرح خلال هذه الفترة المهمة من تاريخ البنك، وخلال فترة إعادة هيكلة الملكية للبنك برزت الكثير من التحديات الرئيسية، ولتجاوزها تم اتخاذ مجموعة من المبادرات، من أبرزها وضع استراتيجية مكنت البنك من تحقيق نتائج متميزة ونمو مستمر على كل مؤشرات الأداء المالي، إلى جانب إعادة هيكلة الموازنة وتعزيز المتانة المالية، بالإضافة إلى الدفع بالعمل المصرفي الإسلامي كركيزة أساسية في أعمال البنك وتلبية متطلبات مختلف شرائح عملاء البنك، وإرساء ثقافة الأداء من خلال وضوح الرؤية والقيم الجوهرية، وتطبيق نموذج الأداء المتوازن، والدفع بالبنك نحو الأخذ بأحدث أساليب التسويق، ورفع مستويات جودة المراجعة وباقي الأنشطة الرقابية بما يتوافق مع المعايير والأنظمة المحلية والإقليمية والدولية، والتركيز على الإبداع في المنتجات، وتطوير الموارد البشرية واستقطاب كفاءات متميزة في شتى مجالات الصناعة البنكية. وانعكست نتائج تلك المبادرات بشكل إيجابي على أداء البنك وربحيته، فبعد أن كان بنكا محليا متدني الأداء، أصبح البنك الأهلي اليوم أكثر بنوك المنطقة منافسة، ومن أعلاها ربحية وأكبرها على مستوى الشرق الأوسط.

* ما أهم الأدوار الوظيفية في مسيرتكم المهنية في البنك الأهلي؟ وأيها كانت الأقرب إليكم؟ ولماذا؟

- جميع الأدوار التي تقلدتها في البنك كانت قريبة إلي، حيث أتاح لي كل منها أن أخدم هذا الصرح الكبير من موقع مختلف. وبالعودة إلى سؤالك فقد كانت فترة خدمتي في البنك حافلة بالكثير من المواقع الوظيفية التي أفخر بكل منها، حيث أضافت الكثير إلى رصيد خبراتي في مختلف مجالات العمل المصرفي والإداري، فضلا عن أنها أتاحت لي التعرف عن قرب على الكثير من الزملاء في مختلف المواقع الوظيفية، مما أتاح لي الاطلاع على مواهبهم وقدراتهم ومكامن التميز لديهم، وقد ساعدني ذلك لاحقا على اختيار زملاء مناسبين لشغل مواقع تلائم إمكانات وطاقات كل منهم.

* على ضوء معرفتكم الكبيرة بالبنك الأهلي، كيف ترون مستقبل البنك في السنوات الخمس القادمة، لا سيما بالنسبة إلى الربحية والإدارة والموقع التنافسي؟

- إذا أردنا استقراء مستقبل البنك لأي فترة قادمة فلا بد لنا من التمعن أولا في ماضيه، وكذلك في وضعه الراهن، إضافة إلى فرض النمو في السوق التي يعمل فيها. وبالنظر إلى النتائج والإنجازات المتميزة والملموسة التي نجح البنك في تحقيقها منذ إعادة هيكلة ملكيته في عام 1999، وكذلك لتطبيقه مبادئ الحوكمة في عام 2006، التي ركزت على الفصل بين السلطات الرقابية والإشرافية من جانب والتنفيذية من الجانب الآخر، هذا إضافة إلى تشكيل اللجان التابعة لمجلس الإدارة والتي شملت اللجنة التنفيذية، واللجنة الائتمانية، ولجنة المخاطر، ولجنة الترشيحات والمكافآت، ولجنة المراجعة، حيث أرست تلك المبادئ الهياكل الصلبة لتقدم البنك، إضافة إلى النمو الاقتصادي المزدهر الذي تعيشه المملكة اليوم تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، فإنني أرى أن البنك سيمضي قدما نحو تحقيق المزيد من النجاحات على الأصعدة كافة. وبطبيعة الحال فإن قاعدة البنك الرأسمالية القوية، والنمو المضطرد بأرباحه، وقدرته على اجتذاب أفضل الموارد البشرية المتمكنة والمؤهلة، وتنوع منتجاته، ووضوح رؤيته، وإدارته القوية... كل هذه المؤشرات تنبئ عن قدرة البنك على الحفاظ على مكتسباته وتطويرها باستمرار وعلى تعزيز موقعه الريادي في مجال الصناعة المصرفية على الصعيدين الوطني والإقليمي.

* أسهمتم في إدخال وتطبيق مبادئ ومفاهيم كثيرة في البنك الأهلي، ما أبرزها؟ وكيف تقيمون تأثيرها على استراتيجية البنك ونتائجه المالية؟

- كما سبق وأشرت، فقد تمكن البنك في إرساء مفاهيم ومبادئ أساسية أسهمت في الارتقاء بأدائه وضبط عملياته ووضعه في مصاف المؤسسات المالية الدولية العريقة التي تلتزم بتلك المبادئ في كل ممارساتها المصرفية والإدارية. ومن أهم المبادئ التي أرسيناها ثقافة وممارسة في البنك الأهلي كان مبدأ الحوكمة المؤسساتية التي من أهم مبادئها الفصل بين الملكية والإدارة، ومن أهم نتائجها تحقيق المزيد من الشفافية ليصبح البنك الأهلي من أوائل الشركات السعودية التي طبقت ذلك المبدأ الهام. كما أننا سعداء بتعزيز مفاهيم وتطبيقات وممارسات لا تقل أهمية، تشمل الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، وزيادة الوعي بالمتغيرات الاقتصادية، والتنافسية، والالتزام، وثقافة العمل بروح الفريق، والتحول تدريجيا إلى العمل المصرفي الإسلامي، والتوسع المدروس أفقيا بزيادة منافذ الخدمة وتطوير الأنظمة الآلية، ورأسيا بإنشاء شركات تابعة والبحث عن فرص استثمارية واعدة على النطاق الإقليمي. ولا شك في أن تلك المبادرات أسهمت بشكل كبير في تحقيق البنك لنتائج كبيرة في المؤشرات المالية كافة، ومنحت البنك الأهلي الريادة على المستوى المحلي والإقليمي.

* من الملاحظ ارتفاع نسبة مساهمة بند العمولات الخاصة على هيكل إيرادات البنك الأهلي والبنوك السعودية. من واقع خبراتكم المصرفية، كيف يمكن تطوير مصادر الدخل الأخرى كإيرادات الخزينة ورسوم الخدمات؟

- من المعروف أن طبيعة عمل البنوك التجارية تتركز في نشاط تمويل الأفراد والشركات، وبالتالي فإن الدخل المتحقق عن هذا النشاط يعتبر المصدر الرئيسي لدخل البنك، إلا أن البنك نجح خلال السنوات الماضية في تنويع مصادر دخله من بند رسوم الخدمات المصرفية المتنوعة المقدمة لقطاعي الشركات والأفراد أو من الدخل الناتج من النشاط الاستثماري لإدارة الخزينة. وبشكل عام فإن زيادة دخل أي مصدر من مصادر الإيرادات يتطلب العمل المستمر على تطوير منتجات وخدمات ذلك المصدر في المقام الأول ثم الاستثمار في الابتكار والإبداع لتعزيز التنافسية، إضافة إلى التحفيز المستمر للعاملين.

* بحكم رئاستكم لمجلس إدارة أكبر بنك سعودي لدورات كثيرة، كيف تنظرون إلى دور مؤسسة النقد العربي السعودي في الإشراف على القطاع المصرفي في المملكة؟

- قامت مؤسسة النقد العربي السعودي منذ نشأتها بدور حيوي وفعال في تنظيم العمل المصرفي في المملكة وضبط إيقاعه. ولم يتوقف دورها عند ذلك، بل كان للمؤسسة نصيب الأسد في دعم وتحفيز تطوير صناعة الخدمات المالية السعودية عبر مواكبتها للمتغيرات، وقيامها بسن الأنظمة الملائمة للمتغيرات، هذا فضلا عن نجاحها في أحد أبرز أدوار البنوك المركزية وأعني به الرقابة على أداء البنوك والحفاظ على مدخرات وإيداعات العملاء. وتجلى الأثر الكبير والدور الهام لمؤسسة النقد السعودي مؤخرا في قدرتها على تجنيب القطاع المصرفي الوطني النتائج السلبية الناجمة عن الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عام 2008 وامتدت انعكاساتها الضارة لمعظم الاقتصادات، إلا أن السياسات النقدية المتزنة والمرنة التي انتهجتها المؤسسة في التعاطي مع الأزمة أدت إلى الحد من الأضرار على بنوكنا الوطنية وبالتالي على مؤسسات الأعمال في المملكة إلى أدنى حد ممكن، وقد انعكس ذلك إيجابيا على عملاء القطاع المصرفي وعلى المواطنين بشكل عام.

* خدمة المجتمع من أهم مجالات مساهمات البنوك والشركات والمؤسسات الأهلية في التنمية، كيف تقيمون دور البنك الأهلي في هذا المجال؟

- اهتم البنك الأهلي منذ إنشائه عام 1953 ببرامج خدمة المجتمع، وعبر تاريخه الطويل منذ تأسيسه، فإن القائمين على البنك الأهلي كانت لهم إيادٍ بيضاء في مجال العمل الخيري والاجتماعي، وبعد مرحلة إعادة الهيكلة أدركت إدارة البنك أهمية تحويل ذلك النشاط الخيري إلى عمل مؤسسي يسهم في دعم المجتمع. وكان من ثمرات ذلك قيام البنك بإنشاء أول وحدة متخصصة لخدمة المجتمع في القطاع المصرفي في المملكة في عام 2004 ودعمها بالموارد المالية والبشرية اللازمة لأداء الدور المنوط بها. وتمكن البنك من خلال هذه الوحدة التي تطورت لاحقا لتصبح إدارة مستقلة، تتبع للرئيس التنفيذي للبنك مباشرة، من تحديد 4 مجالات رئيسية يقوم البنك من خلالها بخدمة المجتمع، تشمل التعليم والتدريب، والتوظيف، والخدمات الصحية، والعمل الخيري عبر تطوير وطرح جملة من البرامج والخدمات التي استطاعت أن تعزز جهود التنمية الوطنية في مختلف المجالات. وخلال الأعوام الماضية نفذ البنك الكثير من المشاريع الاجتماعية وقدم أشكالا متعددة من أشكال الدعم المادي والمعنوي في مختلف المجالات وبلغ عدد المستفيدين من هذه البرامج 673.071 ألف إنسان بنهاية 2011. كما قام البنك بالتبرع بالعشرات من أجهزة غسيل الكلى لعدد من المستشفيات الحكومية، وسيارات إسعاف للعناية المركزة لجمعية الهلال الأحمر السعودية، كما تم إنشاء وتجديد عدد من معامل الحاسب الآلي في مختلف الجامعات السعودية، إلى جانب الكثير من البرامج الاجتماعية الأخرى.

* من الإنجازات التي تحسب لكم وللجهاز التنفيذي بالبنك خلال المرحلة المذكورة تسارع وتيرة العمل المصرفي الإسلامي بالبنك. كيف تقيمون هذه التجربة؟

- إننا ننظر برضا واعتزاز إلى النتائج التي حققتها تجربة البنك الأهلي في المصرفية الإسلامية، ففي عام 1990 كانت البداية متواضعة بتقديم بعض الخدمات والمنتجات المصرفية المطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية من خلال فرع واحد، وبفضل حجم الإقبال المتزايد من قبل العملاء والمستثمرين شهدت هذه التجربة توسعا مضطردا، وفي عام 2003 أصدر مجلس الإدارة قراره الاستراتيجي بتحويل جميع فروع البنك إلى العمل المصرفي الإسلامي، وأصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك اليوم تقدم من خلال شبكة فروع البنك التي تغطي مختلف أنحاء المملكة. كما تجلت نجاحات البنك الأهلي في المصرفية الإسلامية في ابتكار البديل الإسلامي للكثير من الخدمات والمنتجات التقليدية التي أصبحت مطبقة في مختلف المصارف المحلية والعالمية، ومن ذلك منتج «التورق» الذي أطلقنا عليه «تيسير الأهلي»، الذي أصبح نقطة تحول في الصناعة المصرفية الإسلامية، إذ مكن المصارف من التوسع سواء في التمويل الشخصي أو التجاري للشركات والمؤسسات، كما كان للبنك الأهلي السبق في تطوير أول بطاقة ائتمان إسلامية على المستوى العالمي، كما طور البنك عددا كبيرا من المنتجات التي تمكن العملاء من الحصول على التمويل العقاري، والأمر نفسه ينطبق على برنامج «الأهلي لتأجير السيارات» مع الوعد بالتملك، بالإضافة إلى عشرات المنتجات التي جرى تطويرها ضمن وحدة مختصة بالتطوير والابتكار، الأمر الذي منح البنك الأهلي مركزا رياديا في مجال العمل المصرفي الإسلامي على المستوى العالمي. كما أسهم البنك بشكل كبير في نشر ثقافة العمل المصرفي الإسلامي عبر إقامة الكثير من الملتقيات والندوات المتخصصة. ومؤخرا أطلق البنك مبادرة هي الأولى من نوعها في العالم تساهم في استمرارية المصرفية الإسلامية من خلال تبني مشروع تدريب وتأهيل العلماء في المصرفية الإسلامية ليكونوا أعضاء في الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية.

* يتصدر البنك الأهلي القطاع المصرفي الوطني في مجال السعودة بنسبة 90%. إنجاز كهذا لا بد أن تكون له مرتكزات ورؤية استراتيجية لتحقيقه. كيف نجح البنك في تحقيق ذلك؟

- أود أن أؤكد على أن السعودة في البنك الأهلي هي توجه استراتيجي للبنك، حيث يسعى بشكل مستمر إلى زيادة نسبة السعودة وتوطين الوظائف في كل قطاعاته وأقسامه، ويعتبر البنك اليوم أحد أفضل الشركات السعودية من حيث استقطاب وتأهيل توظيف الكوادر الوطنية، حيث بلغت نسبة السعودة في البنك نحو 90%، كما كان للبنك الأهلي الشرف بحصوله على جائزة صاحب السمو الملكي الأمير نايف للسعودة لأربعة أعوام. وعلى الرغم من الموقع المتميز الذي يحتله البنك في هذا المجال فسوف تستمر جهوده للارتقاء بمستوى توظيف الكفاءات الوطنية إدراكا منه لأهمية هذا النهج في مسيرة التنمية الوطنية.

* منذ سنوات تتردد أنباء عن قرب تحول البنك الأهلي إلى شركة مساهمة مفتوحة بطرح جزء من ملكيته للاكتتاب العام ولكن لم يتم الطرح حتى الآن. ما السبب؟ ومتى برأيكم سيتحقق ذلك؟

- في اعتقادي أن البنك الأهلي مهيأ تماما لطرح أسهمه في اكتتاب عام، إلا أن قرار الطرح هو شأن خاص بملاك البنك الرئيسيين، وإدارة البنك قادرة على القيام بالإجراءات التنفيذية متى صدرت الموافقة على ذلك.

* برأيكم، ما الملامح والتوجهات الرئيسية بين البنك الأهلي خلال فترة الملكية الخاصة مقارنة بهيكل الملكية الحالي للبنك؟

- لعل أبرز ما كان يميز فترة الملكية الخاصة في البنك هو الجمع بين الملكية والإدارة وبالتالي سرعة اتخاذ القرار، إلا أن ذلك أيضا له تبعاته السلبية أحيانا، لا سيما في مؤسسة مالية بحجم وأهمية البنك الأهلي نظرا لفردية القرار، أما في ظل الوضع الحالي فإن هناك فصلا بين الملكية والإدارة، وما ترتب على تبني مبادئ الحوكمة المؤسساتية من ضرورة مرور القرارات بإجراءات محددة تضمن الفصل ما بين الجوانب الإشرافية والرقابية، والمسؤوليات التنفيذية، وتتيح تحديد المهام والأدوار والمسؤوليات بما يضمن الشفافية والمساءلة.

* بعد التحولات التي أفضت إلى دخول الحكومة كأكبر مساهم بالبنك، هل أدى ذلك إلى صعوبة اتخاذ القرار بالبنك؟

- بالطبع لا، فالحكومة تتصرف مثل أي مساهم آخر في البنك، وهي ممثلة بشكل فعال في مجلس الإدارة، وشكل دخول الحكومة في البنك أثرا إيجابيا، وأهم الإيجابيات هو الفصل بين الإدارة والملكية، مما أعطى إدارة البنك مرونة أكثر في الإدارة بالتركيز على تطوير أعماله ونشاطاته، والحكومة لم تتدخل في أي قرار اتخذته إدارة البنك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل شيء كان يدار مهنيا، والأشخاص الذين عينتهم الحكومة في مجلس الإدارة كانوا مهنيين وبالتالي القرارات التي كانت تتخذ من قبل مجلس الإدارة كانت باستقلالية تامة.

* كيف تقيمون أداء الجهاز التنفيذي للبنك، لا سيما خلال الفترة التي شهدت الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على البنوك في المملكة والمنطقة؟

- اسمح لي أولا بأن أنوه بأن مما يحسب للجهاز التنفيذي في البنك قدرته على تحقيق تناغم وانسجام بناء بين أعضاء فريق العمل، وهذا بدوره أدى إلى وضع أهداف طموحة ولكن قابلة للتحقيق، مع اعتماد أفضل خطط عمل ممكنة لتحقيق تلك الأهداف وإدارة المخاطر إلى أدنى حد ممكن. وكان من نتائج ذلك تعظيم العائد على رأس المال وإحداث تطوير ملموس في كل أقسام البنك. أما بالنسبة إلى أداء الجهاز التنفيذي خلال فترة الأزمة المالية فإن البنك الأهلي مثله مثل معظم البنوك في المنطقة، لا سيما تلك التي لديها انكشاف على السوقين الأميركية والأوروبية، فتأثرت محفظة الاستثمار لدينا وتبع ذلك تأثر محفظة القروض نتيجة لتأثر بعض عملاء البنك بتبعات الأزمة المالية الدولية، إلا أن الجهاز التنفيذي للبنك اتخذ تدابير مالية وإدارية أدت إلى الحد من آثار تلك الأزمة على البنك مع الأخذ في عين الاعتبار قيام البنك بوضع مخصصات كافية لتغطية تلك الآثار. وتجاوز البنك تبعات تلك الأزمة حيث يقف اليوم على قاعدة صلبة من الرسملة والسيولة فضلا عن عودة الربحية إلى مستوياتها المعتادة قبل الأزمة.

* هل تتفقون مع الرأي القائل بضرورة السماح لبنوك جديدة بالعمل في المملكة أم ترون أن البنوك الحالية كافية؟

- لقد أقدمت مؤسسة النقد في السنوات القليلة الماضية على خطوة إيجابية في هذا الاتجاه تمثلت في السماح لبنوك أجنبية بالوجود في السوق المصرفية بالمملكة، وقد كان لهذا القرار صداه الإيجابي نحو زيادة عدد البنوك العاملة في السوق السعودية، والاطلاع على نماذج وخبرات مصرفية قادمة من الخارج. أما إذا كان المقصود من السؤال هو الترخيص لبنوك وطنية جديدة فإنني في الوقت الذي أقدر فيه موقف مؤسسة النقد العربي السعودي والجهود الكبيرة التي بذلتها – ولا تزال – لتطوير القطاع المصرفي في المملكة إلى أن وصل اليوم إلى مصاف بنوك الدول الصناعية المتقدمة، إلا أنني أعتقد أن المنافسة هي إحدى سبل الارتقاء بالخدمات المالية وتزيد من قدرة البنوك على تلبية الاحتياجات المتنامية لعملاء المصارف، فإنني لا أرى ما يمنع من السماح بتأسيس بنوك وطنية جديدة. وقد يكون من الأهمية الإشارة إلى سماح «ساما» في الربع الأخير من القرن الماضي بدخول بنوك أجنبية وخليجية، وأثمرت تلك الخطوة في قيام الكثير من البنوك التي تعمل في الساحة المصرفية في المملكة بالمساهمة بفاعلية في تمويل مشاريع التنمية الوطنية فضلا عما جلبته من خبرات إدارية وبنكية لم تكن متوفرة لدينا في ذلك الوقت.

* هل ترون أن السوق السعودية بحاجة إلى مؤسسات تمويل متخصصة تختلف أهدافها عن أهداف البنوك التجارية؟

- نظرا للنمو الكبير الذي تحققه القطاعات الرئيسية للاقتصاد السعودي كالإنشاءات والصناعة والخدمات، فقد يكون من الأهمية بمكان مبادرة القطاع الخاص إلى إنشاء بنوك متخصصة في تمويل تلك القطاعات لأنها ستكون على دراية ومعرفه أكثر بمتطلبات واحتياجات كل قطاع على حدة، إضافة إلى أن من شأن ذلك مساندة وإكمال الدور الذي تقوم به الصناديق الحكومية المتخصصة لتنمية قطاعات معينة في الاقتصاد السعودي، لا سيما أن البنوك التجارية السعودية تعاني من عدم التوافق بين آجال مصادر التمويل التي تتسم بالقصر، ومتطلبات السداد طويل الأجل لمشاريع بعض القطاعات. أما ما يختص بتأسيس بنوك استثمارية جديدة فإن هذا القطاع نما بسرعة خلال الفترة الماضية، وقد لا يكون هناك الحاجة إلى المزيد من البنوك الاستثمارية في الوقت الحالي.

* على الرغم من قيام البنك بزيادة رأسماله إلى 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) قبل عدة سنوات، فإن قاعدته الرأسمالية لا تزال دون متوسط رسملة البنوك الدولية، هل ترون أن رأسمال البنك الأهلي يتيح له المنافسة في دول المنطقة؟ أم أن هناك حاجة إلى رفع رأسمال البنك؟

- من المعروف أن حجم رؤوس أموال البنوك هو محدد أساسي لقدرتها على جذب مصادر السيولة من جانب، ومنح الائتمان من الجانب الآخر، وأعتقد أن رسملة البنك الحالية كافية لأداء دوره في دعم التنمية الوطنية مع باقي بنوك المنظومة المصرفية في المملكة، لا سيما أن البنوك السعودية تتمتع برسملة جيدة وفائض سيولة يمكنها من تمويل المشاريع الحالية في المملكة للقطاعين العام والخاص. كما أنني على ثقة بأن البنوك الوطنية بشكل عام، والبنك الأهلي على وجه الخصوص، سوف يبادرون إلى زيادة رأس المال إذا اقتضت الحاجة لذلك.

* من جهة نظركم، ما أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في المملكة؟

- أعتقد أن من أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في المملكة عدم المواءمة بين الأصول والخصوم، بمعنى أن مصادر التمويل التقليدية المتمثلة في الودائع هي قصيرة الأجل، في حين أن احتياجات التمويل لمختلف القطاعات هي ذات طبيعة طويلة الأجل، وهناك أيضا نقطتان في اعتقادي أنهما جديرتان بالاهتمام وتشكلان تحديا آخر أمام القطاع المصرفي السعودي، وهما تعاظم وتقارب المزايا التنافسية في ما بين البنوك السعودية، والتحولات السريعة في سلوك وتوقعات العملاء، وتكون مجالات أعمال جديدة سوف يجذب المزيد من المنافسة للمؤسسات المالية، ولذا يتطلب من جميع البنوك أن تكون دائما على وعي بمتطلبات العملاء المتغيرة، وأن تحدث استراتيجياتها كلما دعت الحاجة إلى ذلك لتكون على استعداد تام لمواجهة تلك التحديات.

* حدد البنك الأهلي رؤيته الاستراتيجية بأن يكون مجموعة الخدمات المالية الرائدة إقليميا. هل يعني ذلك رفض البنك لأي فرص استحواذ قد تبدو جيدة، فقط لأنها خارج النطاق الجغرافي للمنطقة؟

- لا بد أن تتوافق خطط التوسع مع رؤية المؤسسة ومواردها وتطلعاتها. وقد ارتأى البنك أن يوسع أعماله في السوق الإقليمية، ونجح في تحقيق إنجاز جيد في هذا المجال باستحواذه على حصة أغلبية في بنك تركيا فاينانس كاتليم، البنك الرائد في مجال المصرفية الإسلامية في تركيا، لذلك فإنني أعتقد أن من الأفضل للبنك الالتزام بتوجهه الاستراتيجي الحالي، لا سيما مع تحسن فرص الدخول في شراكات وأعمال جديدة على المستوى الإقليمي.