مصر: مخاوف من زيادة شركات التأمين العالمية للرسوم على السفن العابرة لقناة السويس

مقيم مخاطر في لويدز للتأمين: مصر بيئة صعبة للاستثمار في الوقت الحالي

مدمرة تعبر قناة السويس عند الإسماعيلية الخميس الماضي (رويترز)
TT

وسط مخاوف من زيادة شركات التأمين العالمية رسوم عبور السفن لقناة السويس، استمر أمس العصيان المدني في مدينة بورسعيد، إحدى المدن الثلاث الواقعة على المجرى الملاحي الدولي الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وأعربت مصادر حكومية مصرية عن خشيتها من أن يؤدي تطور الأحداث هناك إلى زيادة في رسوم تأمين السفن، لكن مسؤولي هيئة قناة السويس قالوا أمس إن العمل منتظم وإن المنطقة ليست خطرة، والوضع لا يستدعي زيادة رسوم التأمين.

وواصل محتجون في مدينة بورسعيد، الواقعة على المدخل الشمالي لقناة السويس، أمس، العصيان المدني لليوم الثاني على التوالي بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم الخاصة بتعيين «قاض محايد» للتحقيقات والقصاص لنحو 42 قتيلا سقطوا في أحداث دامية شهدتها المدينة الشهر الماضي.

وقال لـ«الشرق الأوسط» بول كالهام ضامن تأمينات الشحنات البحرية وتأمين المخاطر في شركة «كيلن» التابعة للويدز البريطانية: «مصر ينظر إليها كبيئة صعبة جدا للاستثمار في الوقت الحالي، نظرا للوضع السياسي، مما ينعكس على معدلات التأمين التي تشهد اتجاها مرتفعا».

وقام محتجون أمس بمنع دخول العمال العاملين بديوان المحافظة ومنطقة الاستثمار وعمال قادمين من محافظات أخرى إلى داخل المدينة، مما تسبب في شلل بمصانع المنطقة، بينما هدد المحتجون بتحطيم الحافلات التي تنقل العمال في حالة دخولها إلى مدينة بورسعيد. كما قام المحتجون بإغلاق بابي 20 و21 بميناء بورسعيد عن طريق وضع الحاويات لمنع دخول وخروج الشاحنات.

وقالت مصادر حكومية رفيعة في القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم أن العالم يراقب ما يحدث في مدن القناة، لكن مصر أكدت مرارا أنها قادرة على تأمين المجرى الملاحي الذي تمر منه سفن شحن النفط والبضائع والبوارج الحربية»، لافتا إلى أن الحكومة لا تتوقع زيادة الشركات العالمة لرسوم التأمين «لكن، حقيقة، توجد مخاوف من هذا الأمر». وأضاف أن الحكومة تقوم بدراسة مطالب أهالي المدينة وتخفيف حالة الاحتقان بين المواطنين والسلطات هناك، منعا لتفاقم الأوضاع أو التأثير على حالة الأمن في مدن القناة.

ومنذ اندلاع أحداث العنف في مدن القناة الشهر الماضي، سلطات وسائل إعلام غربية الضوء على قضية المجرى الملاحي المار من خلال مدن القناة والبالغ طوله نحو 170 كلم. وبالإضافة إلى أهميتها الدولية، تعد قناة السويس من مصادر الدخل القومي المنتظم لمصر، التي تعاني مصاعب اقتصادية كبيرة بسبب الاحتقان السياسي الذي أدى إلى تراجع عائدات السياحة وتأخير منح مصر قرضا من صندوق النقد الدولي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في عددها أمس أنه رغم الاضطرابات التي تشهدها محافظة بورسعيد، فإن احتمال تأثيرها على حركة الملاحة البحرية في قناة السويس لا يزال أمرا مستبعدا، لكنها تثير المخاوف بشأن هذا المشهد، مضيفة في تحليل لها أن القناة تعد أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية الواردة إلى مصر.

وتتولي عمليات تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس القوات المسلحة، التي نشرت مدرعاتها حول مبنى إرشاد السفن (القبة) الذي تدار منه حركة الملاحة عند المدخل الشمالي. ومن جانبه، أعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، أن العمل منتظم بجميع مواقع الهيئة بمدينة بورسعيد، وأن الملاحة تسير بصورة منتظمة، ولم تتأثر بأي أحداث.

كما أوضح الدكتور عبد التواب حجاج، المستشار الاقتصادي لرئيس هيئة قناة السويس، أن الاضطرابات الحالية ببورسعيد لم تؤثر على حركة مرور السفن، وأن حركة المرور منتظمة وآمنة، مستبعدا لجوء شركات التأمين العالمية إلى زيادة قيمة التأمين على السفن المارة بالقناة. وقال: «يوجد تأكيد دولي على أن القناة آمنة، وبالتالي من الصعب جدا أن تعتبرها شركات التأمين من المناطق الخطرة، أو أن تزيد من قيمة التأمين على السفن المارة بها». واستبعد جلال الديب عضو مجلس إدارة قناة السويس الأسبق، أن يتم رفع قيمة التأمين على السفن المارة بقناة السويس، قائلا إنه «لا توجد خطورة حقيقية على القناة، ولم يسبق تسجيل أي حوادث في هذا الشأن».

وخرجت في بورسعيد أمس مسيرة كبيرة من المحتجين، الذين يقولون إن السلطات المركزية أهملت مطالبهم، واتجهت نحو المركز الرئيسي للاتصالات ومبنى المحكمة بالمدينة وأجبروا الموظفين على إخلاء مكاتبهم وإلزامهم بالعصيان المدني. وتوقفت الحركة التجارية تماما بالمدينة، وأغلقت معظم المتاجر والمطاعم أبوابها. ويطالب المحتجون بإقالة محافظ بورسعيد ووزير الداخلية ومحاكمة المتورطين في قتلى المدينة الذين سقطوا في احتجاجات بالمدينة الشهر الماضي ومعاملتهم معاملة «شهداء» ثورة يناير 2011 من حيث التعويض المالي ورعاية ذويهم.

واختفت قوات الشرطة تماما من جميع أنحاء المدينة وتمركزت في محيط أقسام الشرطة ومديرية الأمن لمنع حدوث أي احتكاكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين الذين رددوا هتافات معادية لجماعة الإخوان الحاكمة. وأعلنت أحزاب وقوى سياسية تضامنها مع المطالبين بالعصيان المدني، منها أحزاب «التجمع» و«الناصري» و«الوفد» و«المصريين الأحرار» و«حركة 6 أبريل» والثوار الاشتراكيين.

وواصلت عدة مدارس ومواقع خدمية إغلاق أبوابها لليوم الثاني أمس، بينما انتظمت حركة الملاحة في قناة السويس، وقال المسؤولون إنها لم تتأثر بالأحداث ودعوات العصيان المدني ببورسعيد. وأعلنت إدارة القناة أن 40 سفينة بحمولات مليون و989 ألف طن عبرت قناة السويس أمس من الاتجاهين الشمالي والجنوبي.

وكانت احتجاجات تفجرت في المدن الثلاث المطلة على قناة السويس، التي تعد من شرايين الاقتصاد المصري والملاحة الدولية، وذلك في أعقاب صدور حكم بإحالة 21 متهما من بورسعيد إلى المفتي، تمهيدا لإعدامهم، لإدانتهم بقتل 72 من مناصري النادي الأهلي لكرة القدم عقب مباراة له مع نادي المصري البورسعيدي مطلع العام الماضي.

وتزامن الحكم القضائي بحق مناصري النادي المصري، مع مظاهرات مناوئة لحكم «الإخوان» في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير التي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك في 2011. وسقط في تلك الاحتجاجات الدامية أكثر من ستين قتيلا ومئات الجرحى، معظمهم من مدن قناة السويس، وتسببت في موجة عارمة من الغضب. وأصدر الرئيس محمد مرسي وقتها قرارا بفرض حظر التجوال وفرض حالة الطوارئ يوم 27 الشهر الماضي ولمدة شهر على مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس.