جولة سادسة من مفاوضات السمك المتعثرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

إسبانيا تفوز بصفقات كبرى بعد تخفيف الحكومة المغربية شروط دعم الاستثمار

TT

قرر المغرب والاتحاد الأوروبي استئناف مفاوضاتها حول الصيد البحري من أجل التوصل إلى اتفاقية جديدة تتيح لبواخر صيد الأسماك الأوروبية، خاصة الإسبانية، بالعمل من جديد في المياه الإقليمية. وقال بيان أصدرته مفوضية الاتحاد الأوروبي للصيد البحري إن جولة سادسة من محادثات متعثرة ستجري في العاصمة البلجيكية بروكسيل في أواخر الشهر الحالي.

وفي غضون ذلك شكل قرار تخفيف شروط حصول شركات الصيد البحري في المغرب على دعم حكومي للاستثمارات، خاصة المتعلقة بضرورة إبراء الذمة الضريبية قبل الحصول على الدعم، مفاجأة سارة بالنسبة للصناعات البحرية الإسبانية التي شاركت مشاركة واسعة في «معرض أليوتيس» للأسماك في أغادير.

ويتيح البرنامج الحكومي لدعم الشركات والصيادين تمويل حصة تصل إلى 33% من البرامج الاستثمارية في مجال تجديد الأسطول وتجهيزات الصيد، وتمول المصارف 33% بقروض تفضيلية، وما تبقى يموله المستثمرون. وتم توقيع الاتفاقية الجديدة المتعلقة بإجراءات تبسيط الاستفادة من الدعم خلال «معرض أليوتيس» بين وزارة الزراعة والصيد البحري ووزارة المالية وإدارة الضرائب.

وقال أنطونيو رودريكيز، المدير التجاري في الشركة الإسبانية «جي سي ميكانيكا» لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعات الإسبانية لم تكن تتوقع فتح هذا الباب الذي أتاح من إبرام صفقات كبيرة خلال المعرض. وأضاف: «في الواقع كنا متشائمين من جراء تداعيات الأزمة العالمية. ومشاركتنا في المعرض كانت أساسا بهدف الاطمئنان على عملائنا التقليديين والوقوف على مدى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها قطاع الصيد البحري، خصوصا بعد الأزمة التي مرت بها شركة مغربية كبيرة في مجال الملاحة البحرية. لكننا فوجئنا بصحة وسلامة القطاع، وخاصة بوجود برامج استثمارية كبيرة وطلبات لم تكن متوقعة على الإطلاق».

وتتيح الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة المغربية من إطلاق البرامج الاستثمارية في مجالي الصيد التقليدي والصيد الساحلي، اللذين يتعثران مند عدة سنوات بسبب عدم استجابة مئات الملفات الاستثمارية المرشحة لشروط الاستفادة من الدعم، خاصة ما يتعلق بإبراء الذمة الضريبية للشركات. ويرتقب أن تعلن الحكومة عن برنامج ثالث يتعلق بتجديد أسطول الصيد في أعالي البحار، والذي سيتطلب تطبيقه رصد مبالغ ضخمة نظرا لارتفاع تكلفة الاستثمارات في مجال الصيد في أعالي البحار.

وتندرج هذه البرامج في إطار «مخطط أليوتيس» الذي اعتمده المغرب قبل 3 سنوات، والذي يرى بعض المتتبعين أنه يشكل السبب الرئيسي وراء الأزمة التي أدت إلى عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي.

إذ يحدد المخطط الجديد المناطق المفتوحة للصيد حسب أنواع السمك على أساس دراسات يقوم بها «المعهد لمغربي للبحث في الأحياء المائية»، ويقوم المعهد بإحصاء كمية الأسماك المتوفرة في كل منطقة، وعلى أساس ذلك يحدد كمية الأسماك المسموح بصيدها من أجل ضمان تجدد الثروة السمكية، والذي يتطلب ترك ما بين 20 إلى 30% من الأسماك في البحر من أجل ضمان التوالد. بعد تحديد الكميات المسموح بصيدها يتم تقسيمها على الأسطول المغربي للصيد حسب الحصص الممنوحة لكل باخرة، والتي تحدد على أساس طاقة الباخرة، وفي مرحلة ثالثة يتم توزيع ما تبقى من الكميات المسموح بصيدها بين البواخر الأجنبية المرخص لها بالصيد في المياه المغربية، طبقا للاتفاقيات الدولية للصيد البحري التي أبرمها المغرب مع دول أخرى، مثل الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي ومع روسيا ومع الصين.

والتزمت الحكومة المغربية بتخصيص 33% من المقابل المالي الذي تحصل عليه في إطار الاتفاقيات الدولية للصيد البحري من أجل دعم تنمية وتحديث قطاع الصيد البحري المغربي والرفع من قدراته وتحسين جودة منتوجه. وبالنسبة للصيادين، الإسبانيين على الخصوص، يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي سيمول ترقية وتوسع أسطول الصيد المغربي، وبالتالي سيرفع من حجم الكميات التي سيتولى المغاربة صيدها بأنفسهم وتقليص الحصة المتاحة للأساطيل الأجنبية وضمنها الأسطول الإسباني الذي يعتبر أكبر مستفيد من الاتفاقية بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ويرى المتتبعون أن هذه التخوفات كانت السبب الرئيس وراء الضغوط التي تعرض لها البرلمان لأوروبي والتي جعلته يصوت ضد تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، ووراء تعثر المفاوضات الحالية لتجديد الاتفاق والتي وصلت إلى باب مسدود بسبب الخلاف بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول حجم المقابل المالي الذي سيتلقاه المغرب كتعويض عن نشاط بواخر الأوروبية في مياهه الإقليمية. إضافة إلى عدم موافقة المغرب على التعويض المالي الذي اعتبره ضعيفا، فهو أيضا يشترط تخصيص حصة من الوظائف على متن البواخر الأوروبية للبحارة المغاربة، وتفريغ الأسماك التي تقوم بصيدها هذه البواخر في المياه الإقليمية في الموانئ المغربية، قبل إعادة تصديرها لكي تساهم في ميزانه التجاري ورواج العملات الصعبة في السوق المغربية.

كما يشترط المغرب أن تحمل بواخر الصيد الأوروبية على متنها، من ميناء مغربي، خبيرا مغربيا في مجال الأحياء المائية، والذي سيشرف على مراقبة مدة احترام بواخر الصيد الأوروبية لمقتضيات اتفاقية الصيد.

وبتزامن مع فشل مفاوضات الصيد مع الاتحاد الأوروبي بسبب هذه الشروط، تمكن المغرب خلال «معرض أليوتيس» من إبرام اتفاقية جديدة مع روسيا تستجيب لكل هذه الشروط.

هذه الاتفاقية تعتبر السادسة من نوعها بين المغرب وروسيا في مجال الصيد البحري، نصت على زيادة تعويضات عمل البواخر الروسية في المياه الإقليمية المغربية بنسبة 100%، وزيادة التعويضات التي يتلقاها المغرب مقابل كميات السمك التي تصطادها البواخر الروسية بنسبة 40%. كما تفرض الاتفاقية الجديدة على البواخر الروسية أن توظف قبل خروجها للصيد 16 بحارا مغربيا للعمل على متنها وخبيرا مغربيا في مجال الأحياء المائية لمراقبة نشاطها، إضافة إلى تفريغ محاصيلها في الموانئ المغربية. ويهدف شرط تشغيل البحارة المغاربة على متن السفن الأجنبية، إضافة إيجاد فرص عمل لهؤلاء البحارة، إلى تمكينهم من التوفر على خبرة متقدمة يمكن نقلها فيما بعد إلى البواخر المغربية من أجل تحسين أدائها وتسهيل إدخال تقنيات وتجهيزات الصيد الحديثة إليها.