لوائح التمويل العقاري في السعودية قد ترفع حجمه إلى 32 مليار دولار سنويا

الشركات الجديدة تضع شروطا أكثر مرونة.. وتنأى بنفسها عن التجربة الأميركية

TT

لا تزال ردود الفعل تتوالى حول صدور اللوائح التنظيمية لنظام التمويل العقاري في السعودية التي أصدرت مؤسسة النقد السعودي «ساما» ثلاثة منها أمس وتنتظر أسواق العقار صدور لائحتين قريبا. وتعد اللوائح الأهم لتنظيم قطاع التمويل الإسكاني الذي ينظر إليه كمحرك رئيسي للنشاط الاقتصادي في المملكة، خاصة في قطاع البنوك. وتقدر مصادر أن ترفع اللوائح الجديدة حجم القروض العقارية في السعودية بحوالي 32 مليار دولار سنويا عن مستوياتها التي بلغت في العام الماضي حوالي 12.8 مليار دولار.

ولكن البنك الأهلي التجاري السعودي قال أمس في تعليق أطلعت عليه«الشرق الأوسط» إن اللوائح التنظيمية للتمويل العقاري التي صدرت يوم الأحد سيكون لها تأثير محدود على المصارف «وإن كان لها تأثير على البنوك سيكون فقط على المديين المتوسط والطويل». وأضاف أن اللوائح لم تأخذ في الاعتبار مشكلة رئيسية في قطاع الإسكان السعودي وهي عدم وجود سكن ملائم وبالسعر المناسب للقدرة المالية للمقترض السعودي. وأشار البنك السعودي الذي يعد أكبر بنوك الخليج والشرق الأوسط في تعليقه إلى أن «أحد البنوك الكبرى في السعودية لديه 400 ألف طلب مقدم للحصول على قرض عقاري من مواطنين تؤهلهم مرتباتهم للحصول على قرض ولكنهم لا يجدون العقار المناسب وأن هذا الرقم تضاعف».

وقال البنك الأهلي التجاري «حتى في حال أصبحت مسألة الحصول على قرض عقاري سهلة عبر الشركات الخاصة فإن المقترضين من الطبقة الوسطى أمامهم عرض محدود من المساكن التي تناسبهم». من جانبها قالت «ستاندرد أند بورز» إن الإجراءات القانونية المتعلقة بنزع ملكية العقار من صاحبه في حال عدم تسديد الأقساط تعد العقبة الرئيسية التي تقف أمام البنوك السعودية لزيادة حجم الإقراض العقاري. وحتى الآن فإن البنوك السعودية تمنح قروضا لشراء المنازل ولكنها قروض عقارية حسب ما هو مفهوم في الغرب، حيث إنها لا تستطيع إخراج المقترض من المنزل في حال عدم تسديد الإقراض لأنه لا يوجد قانون يجيز ذلك. وحسب بيانات «ساما» فإن البنوك السعودية رفعت من حجم قروضها العقارية في العام الماضي لأنها تتوقع صدور لائحة بذلك خلال العام الجاري. وحسب بيانات «ساما» فإن القروض العقارية ارتفعت في السعودية بنسبة قياسية بلغت 83% العام الماضي وبحجم وصل إلى 48 مليار ريال (12.8 مليار دولار).

وقدرت «ستاندرد أند بورز» في تعليق بعثت به لـ«الشرق الأوسط» أن هذا المعدل القياسي في حجم القروض العقارية يعادل قرابة 5.0% من إجمالي الناتج المحلي السعودي. ونصت الإجراءات الجديدة على إنشاء شركات للتمويل العقاري وألا يقل رأس المال المدفوع عن 200 مليون ريال وستخضع هذه الشركات لرقابة «ساما». ونسبت وكالة «بلومبيرغ» إلى شركة «كابيتاس غروب إنترناشونال ليمتد» التي تتعامل في التمويل الإسلامي قي السعودية قولها إن اللوائح الجديدة سترفع حجم القروض العقارية سنويا بحوالي 32 مليار دولار.

وفي الرياض أكد مختصون في الشأن العقاري السعودي أن ندرة حجم مكاتب التقييم المتخصصة ستكون حجر عثرة أمام عمل شركات التمويل الجديدة، مشيرين خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أمس، إلى أن شروط البنوك التجارية المتعلقة بتقديم قروض التمويل العقاري في السوق السعودية، ما زالت «معقّدة» للغاية، متوقعين في الوقت ذاته أن تكون شروط شركات التمويل العقارية المتخصصة أكثر مرونة.

وأمام هذه الآراء عقب صدور لائحة التمويل العقاري في البلاد، أفادت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» بأن شركات التمويل العقارية التي من المزمع الترخيص لها خلال الأشهر المقبلة، لن تتجاوز في قيمة التمويل المقدم للمقترض ما قيمته 70 في المائة من قيمة العقار الواحد، وهو الأمر الذي تستهدف من خلاله هذه الشركات عدم تكرار تجربة أزمة الرهن العقاري الأميركية، والتي قادت إلى أزمة اقتصادية عارمة.

وفي هذا السياق، قال محمد آل محمد، الرئيس التنفيذي لشركة «بواني العالمية»، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «حجم الطلب الحالي على قروض التمويل العقاري في السعودية كبير جدا، ولا يمكن للبنوك التجارية وحدها أن تسد حجم هذا الطلب، لذلك من الحاجة الملحة أن يكون هنالك مزيد من قنوات التمويل الجديدة، وهو الأمر المشجع لإنشاء شركات متخصصة في التمويل العقاري فقط».

ولفت آل محمد إلى أن شركات التمويل العقاري التي من المزمع الترخيص لها في السوق السعودية، ستقف أمام مرحلة تاريخية جديدة، وقال «أتوقع أن تكون هذه الشركات في تقديم قروض التمويل العقاري أكثر مرونة مما عليه البنوك التجارية خلال الوقت الحالي، لذلك من المتوقع ألا تكون شروطها المتعلقة بتقديم القروض العقارية معقدة، كما هو الحال في قروض التمويل العقاري البنكية».

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة «بواني العالمية» أن دخول شركات التمويل العقاري إلى السوق السعودية سيقضي إلى احتكار هذا السوق من قبل البنوك التجارية وبعض الشركات المتعلقة بنشاط التمويل، موضحا أن فترة سداد القروض العقارية المقدمة من قبل شركات التمويل الجديدة ستكون أطول مما هي عليه فترات السداد الحالية التي تعمل بها البنوك التجارية.

وأضاف آل محمد: «كما أن فوائد القروض العقارية المقدمة من قبل شركات التمويل الجديدة ستكون أقل مما هي عليه الفوائد البنكية، الأمر الآخر سيعزز نظام الرهن العقاري من قدرة هذه الشركات على تقديم حجم تمويلي كبير جدا، وهو الأمر الذي يعني سد نسبة كبيرة من احتياجات السوق المحلية».

من جهة أخرى، أوضح الدكتور سالم باعجاجة، أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف، أن الوحدات السكنية الصغيرة ستكون الأكثر طلبا خلال الفترة المقبلة، وقال «مع صدور لائحة التمويل العقاري، والوفاء بكثير من طلبات الراغبين في تملك المساكن، فإن الطلب على الوحدات السكنية الصغيرة من المتوقع أن يكون أكثر زخما خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن أسعار الوحدات السكنية المتوسطة أو الكبيرة ستكون أكثر تكلفة، وهو الأمر الذي لا يستطيع المقترض الإيفاء أو الالتزام به».

وأشار باعجاجة خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إلى أن البنوك التجارية ستسعى خلال الفترة المقبلة إلى ابتكار أدوات جديدة من شأنها المنافسة بقوة على كعكة السوق مع شركات التمويل الجديدة، مبيّنا أن الشروط الحالية التي تسنّها البنوك التجارية أمام الراغبين في الحصول على التمويل العقاري، أكثر «تعقيدا» من الشروط التي من المتوقع أن تسنها شركات التمويل الجديدة.

يشار إلى أنه كانت قد أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، أول من أمس، اللوائح التنفيذية لأنظمة التمويل، حيث شملت اللائحة المعتمدة لنظام التمويل العقاري السماح للبنوك بمزاولة التمويل العقاري وتملك المساكن لأجل تمويلها، إضافة إلى الترخيص لشركات التمويل العقاري، والترخيص لإنشاء شركات مساهمة لإعادة التمويل العقاري وفقا لاحتياجات السوق، والترخيص لشركات التأمين التعاوني بتغطية المخاطر المتعلقة بالتمويل العقاري، وإصدار المعايير والإجراءات المتعلقة بالتمويل العقاري، ونشر البيانات المتعلقة بسوق التمويل العقاري، إضافة إلى تحديد مبادئ الإفصاح عن معايير تكلفة التمويل وطريقة احتسابه.

وكفّت اللائحة المعتمدة أيدي الأشخاص الذين سبق أن أشهروا إفلاسهم، أو انتهكوا.