الحكومة المصرية تتخذ خطوات جدية لتسوية نزاعها مع مستثمرين وتضع خريطة تتضمن 330 مشروعا

تستعين بخبراء لتقييم ثروة حسين سالم وتلتقي رجال أعمال بالخارج للتصالح معهم

TT

بدأت مصر في اتخاذ خطوات جدية لتسوية نزاعها مع مستثمرين وإتمام عمليه التصالح معهم. وتوصل رجل الأعمال حسين سالم (الهارب) إلى اتفاق مع الأجهزة الرقابية في مصر، يقضي بالاستعانة بأحد بيوت الخبرة العالمية في مجال تقييم الأصول والثروة، على أن يكون رأيها الفصل في تحديد المبالغ المطلوبة من سالم لإبرام التسوية التي قدمها إلى الحكومة المصرية قبل شهرين.

يأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه وزير الاستثمار المصري أسامة صالح، خلال زيارته التي بدأت أول من أمس في الإمارات، عقد لقاءات مع مستثمرين هناك لتسوية المشاكل المتعلقة بأعمالهم في مصر.

وقال طارق عبد العزيز محامي حسين سالم لـ«الشرق الأوسط»، إن «موكله ترك الحرية للحكومة المصرية ممثلة في نيابة الأموال العامة والرقابة الإدارية ومكتب النائب العام في تحديد ما تراه لإتمام التسوية والتصالح»، نافيا أن تكون لأي جماعة سياسية في الحكم أو المعارضة طرفا في تلك الاتفاقيات.

وأضاف عبد العزيز، أن «ثروة سالم موزعة على أصول وعقارات وأموال سائلة، ولا صحة لما قيل عنها أنها تقدر بنحو 20 مليار جنيه»، مؤكدا أن الأمر متروك للجان التقييم وبيت الخبرة العالمية المقرر الاستعانة به خلال أيام لتحديد قيمة الأصول والأموال التابعة لموكله.

وتأتي هذه الخطوة عقب تقدم حسين سالم بعرض للسلطات المصرية يقضي بالتنازل عن نصف ثروته مقابل التصالح مع الحكومة المصرية وتوقفها عن ملاحقته قانونيا في قضايا تتعلق بالفساد والاستيلاء على المال العام واستغلال النفوذ.

وتضم قائمة أصول سالم شركات شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز وميدور للكهرباء، و«ميداليك» وشركة ماريتيم شرم لإدارة الفنادق والمنتجعات السياحية والتمساح للمشروعات السياحية، وأموال سائلة.

وأكد عبد العزيز، أن موكله قدم إقرار كاشف إلى الأجهزة المعنية، يوضح فيها جميع أملاكه، مع إعطاء السلطة المصرية حق المصادرة لأي أموال أو أصول لم تظهر في ذلك الإقرار وتبين أنها لموكله سالم.

وأشار عبد العزيز إلى أن موكله لم يبع أي أملاك له بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» عام 2011. سواء داخل مصر أو خارجها بما فيها جزر المسماة بـ«الملاذات الضريبية» التي لا تطبق نصوص القانون الدولي والتجاري مثل «جزر كايمن والمالديف».

وطالب جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل في مصر من البنك المركزي المصري والبنوك العاملة، بالكشف عن حسابات رجل الأعمال الهارب حسين سالم المصرفية، وكذا حسابات ذويه وشركة «ميرابيلا» المملوكة له.

وقالت مصادر مصرفية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن «أعضاء بالنيابة العامة سيتوجهون للبنوك خلال الساعات القادمة للاضطلاع على الأصول التي يمتلكها أو يشارك فيها حسين سالم الهارب إلى إسبانيا منذ قيام ثورة 25 يناير من حسابات وودائع وأمانات وخزائن الشركات تمهيدا لحصرها».

ونفى المصدر لـ«الشرق الأوسط» وجود أي أموال خاصة برجل الأعمال حسين سالم المحسوب على النظام السابق في البنك الأهلي المصري، وهو البنك الأكبر في السوق والذي تتعامل معه عائلة الرئيس السابق حسني مبارك.

وطبقا لوثيقة أرسلت إلى البنوك قبل أيام، فقد أذنت محكمة استئناف القاهرة «الدائرة الأولى» لإدارة الكسب غير المشروع الاطلاع على حسابات كل من استفاد من أموال حسين سالم أو أموال شركاته، أو من الأموال الموجودة بالبنوك بكشف سرية حساباتها بوجه عام.

من جانبه، أيد محافظ البنك المركزي هشام رامز في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «التوجه نحو إبرام تسويات مع عدد من رجال الأعمال»، مؤكدا أن الحصول على أموال من خلال تلك التسويات تفيد خزانة الدولة وتعطي إشارة جيدة إلى المستثمرين سواء في الداخل أو الخارج.

ورهن محافظ المركزي موافقته بالتوقيع على التسويات أن تكون الجرائم مالية واقتصادية وليست جنائية، التي يرفضها ويطالب التعامل معها بالقانون. وقال رامز: إنه «طالب الرئيس محمد مرسي إبان التفاوض قبل شهرين لتولي منصبه، أن تكون حل نزاعات المستثمرين على رأس أجندة الدولة الفترة المقبلة، وأنه لا حل للمشاكل الاقتصادية الحالية إلا بعودة الاستثمار».

وأكد رامز أن تجربة البنوك مع المتعثرين، أكدت أن الحصول على أموال أفضل من الحبس طالما أن الجرم كان ماليا، وهو ما ساعدها في تحسن هياكلها المالية في السنوات السابقة.

كانت الحكومة قد تحركت الأربعاء الماضي لإغراء مستثمرين أدينوا غيابيا للعودة إلى البلاد، وعرضت عليهم فرصة «للتصالح وانقضاء الدعوى الجنائية»، ويتزامن التحرك مع معاناة البلاد اقتصاديا والسعي لاجتذاب رجال أعمال فروا من البلاد بعد اتهامهم بقضايا فساد تتعلق بحصولهم على أصول بأقل من قيمتها أو بطرق غير مشروعه مستغلين صلاتهم بالنظام السابق.

ومن المقرر أن يلتقي وزير الاستثمار المصري أسامة صالح خلال زيارته الحالية إلى دولة الإمارات مع رؤساء شركتي «الفطيم» و«داماك» العقاريتين، للتوصل إلى اتفاق وعقد تصالح وتسوية بشأن أعمالهم ومشاريعهم المتنازع عليها في مصر، والتي وصلت حدة الخلافات إلى لجوء إحدى الشركتين إلى التحكيم الدولي مطالبة بتعويضات ضخمة.

وسافر صالح إلى الإمارات لحضور فعاليات مؤتمر التي تنظمه المجموعة المالية «هيرميس» لعرض الفرص الاستثمارية بمنطقة الشرق الأوسط على نحو 230 مستثمرا و131 مؤسسة إقليمية ودولية من الولايات المتحدة وأوروبا.

وتشير تقديرات قسم البحوث بالمجموعة المالية «هيرميس» إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في 11 دولة تقع ضمن نطاق تغطية المجموعة بأنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سينمو بقرابة 4.6% خلال العام المقبل، وأن الأسهم الإقليمية سوف تتفوق على سوق الأسهم والسندات في الأسواق الناشئة نظرا لبلوغ العائدات المتوقعة 10% خلال نفس الفترة، وذلك علما بأن أحدث تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاديات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سوف تتجاوز تقديرات نمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 70% خلال عام 2013. وهو ارتفاع ملحوظ أيضا مقارنة بأسواق منطقة اليورو، والتي من المتوقع أن تشهد حالة من الركود الاقتصادي خلال نفس الفترة.

وأكد وزير الاستثمار خلال المؤتمر على وجود حزمة من الحوافز والفرص للاستثمار في مصر، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية تشهد سن مجموعة من التشريعات التي من شأنها حماية الاستثمار وتحفيز رءوس الأموال المحلية والأجنبية على دخول السوق المصرية، بما تمتلكه من عناصر ومقومات تنفرد بها عالميا، مؤكدا أن مصر ستظل قوية وواعدة بمواردها الطبيعية والبشرية، وأن تحدى التغيرات السياسية ليس من شأنه أن يتمادى في التأثير على الاقتصاد المصري ويهدد مستقبل الاستثمار بمصر.

كما أعلن وزير الاستثمار عن أن الخريطة الاستثمارية بمصر تتضمن إقامة أكثر من 330 مشروعا، تضم مشروعات للصعيد بنسبة 30%، والسويس 22%، وشرق الدلتا 7%، وغرب الدلتا 8%، والقاهرة 16%، منوها إلى المشروعات الكبرى والقومية التي تعمل الحكومة المصرية حاليا على إطلاقها وجذب مزيد من الاستثمارات إليها، ويأتي في مقدمتها مشروع تنمية محور قناة السويس، والذي يهدف إلى تطوير ميناء شرق التفريعة، وإقامة مدينة سكنية جديدة ملحق بها «وادي التكنولوجيا»، فضلا عن إقامة نفق السويس والإسماعيلية، إلى جانب تنمية وسط الصعيد ومنطقة العلمين المليونية وطريق الصعيد - البحر الأحمر.