باحث بجامعة هارفارد: وكالة الطاقة الدولية «تجاهلت طاقة الإنتاج الفائضة» بالسعودية

قال إن السعودية ستحافظ على موقعها كأكبر منتج للنفط في عام 2020

TT

المملكة العربية السعودية ستحافظ على موقعها كأكبر منتج للنفط في عام 2020 وأن احتياطاتها النفطية المؤكدة القابلة للاستخراج لا تمثل سوى ثلث مخزونها النفطي الحقيقي.

هكذا يقول الباحث بجامعة هارفارد ليوناردو موغيري في دراسته الأخيرة الصادرة بعنوان «النفط: الثورة المقبلة» والتي أرخت لوفاة «الكذبة» التي شغلت العالم وروجت لها الكثير من الدراسات خلال السنوات الأخيرة وهي مسألة «نضوب النفط» التي أطلق عليها «الذروة النفطية»، أي ما يعني اقتراب العالم من مرحلة نضوب إنتاج النفط.

يقول موغيري في دراسته «المملكة العربية السعودية ستواصل تكذيب المتشككين في احتياطياتها لعقود قادمة وأن احتياطيها البالغ حسب شركة (أرامكو) العملاقة 260 مليار برميل والذي يعادل خمس الاحتياطي النفطي العالمي، لا يمثل سوى ثلث الاحتياطي النفطي المخزون فعليا في آبارها». وكانت شركة «أرامكو» قد أشارت إلى أن تقديراتها للاحتياطي السعودي لم تأخذ في الحسبان مميزات تقنيات الإنتاج الحديثة التي سترفع كفاءة الاستخراج وإدارة المخزونات وبالتالي سترفع تلقائيا من كمية الاحتياطات القابلة للاستخراج في آبارها النفطية المنتجة حاليا وليست الآبار تحت التطوير أو الكشوفات الجديدة. يقول الباحث بجامعة هارفارد موغيري الذي شغل في السابق منصب كبير المديرون في شركة «إيني» الإيطالية كما هو عضو في الكثير من المؤسسات البحثية المرموقة في العالم، يقول في هذا الصدد «من المهم الأخذ في الحسبان النمو في احتياطي الآبار مع تقدم تقنية الاستخراج وإدارة المخزونات في الآبار النفطية القائمة وليست الآبار التي اكتشفت حديثا». ويؤكد ما ذهب إليه موغيري، الدراسة الميدانية التي أجرتها هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية أخيرا على 186 حقلا من الحقول النفطية الكبرى التي اكتشفت قبل عام 1981 والمحتوية كل منها على احتياطات مؤكدة تفوق نصف مليون برميل. لقد وجدت الدراسة الميدانية هذه أن تقديرات الاحتياطات القابلة للاستخراج من هذه الآبار ارتفعت من 617 مليار برميل إلى 777 مليار برميل في الفترة بين أعوام 1981 و1996.

ومن بين الأمثلة التي ضربها الخبير النفطي موغيري على «نمو الاحتياطات النفطية القابلة للاستخراج حقل (كيرن ريفر) في ولاية كاليفورنيا الذي ظل يواصل الإنتاج لفترات طويلة بعد توقعات نضوبه بسبب استخدام التقنيات الجديدة وحقل الغوار في السعودية». وقال: إن الكثير من خبراء النفط أبدوا شكوكا حول قدرة حقل الغوار، الذي يعد من أقدم وأضخم الحقول في العالم، على الحفاظ على مستويات إنتاجه بعد عام 2000. وحقل الغوار النفطي في السعودية واصل إنتاج نحو 5 ملايين برميل لسنوات طويلة منذ اكتشافه ولكن خبراء نفط عالميين أبدوا شكوكا حول مواصلة الحقل لهذا المعدل بعد عام 2000 بعد زيادة نسبة الماء المتقاطعة مع النفط والتي وصلت نسبتها 37%. وهو ما يعني أن كل 63 برميل نفط تنتج من الحقل، ينتج معها 37 برميل ماء. وعبر استخدام التقنيات الحديثة تمكنت شركة «أرامكو» السعودية العملاقة من خفض كمية المياه وعاد إنتاج النفط من حقل الغوار إلى مستوياته من الإنتاج نحو 5 ملايين برميل يوميا. وقال موغيري إن «أرامكو» ستواصل استخدام هذه التقنيات للحفاظ على معدل إنتاج الحقل الحالية حتى عام 2025.

على الصعيد العالمي يقول موغيري إن هنالك نفطا أكثر من كاف بالعالم وسيزداد الاحتياطي العالمي من النفط مع تقدم التقنية وزيادة الاستثمارات في التنقيب والكشوفات النفطية. ويقول في ورقته البحثية «النفط: الثورة المقبلة»: «حتى ولو لم يكتشف العالم أي حقل نفطي جديد» فإن احتياطات العالم النفطية في عام 2020 سترتفع بمعدل كبير بسبب تطور تقنية الاستخراج. ويضرب مثالا على ذلك بقوله إن بعض الدول المنتجة للنفط الكبرى يصل معدل الاستخراج من آبارها لنحو 20% من المخزون النفطي الحقيقي الموجود في البئر. ويقول موغيري إن المتوسط العالمي للاستخراج يقدر بنحو 35% من مخزون الآبار النفطي. وهو ما يعني أن تقدم تقنيات الاستخراج سيرفع من احتياطات العالم بنسبة كبيرة. ومنذ اكتشاف النفط وحتى عام 2011. تقدر هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية أن العالم استهلك نحو تريليون برميل. وتقدر هيئة المساحة الاحتياطات النفطية والمكثفات المخزونة في باطن الأرض بكمية تتراوح بين 7 إلى 8 تريليونات برميل. وأن من بين هذه الاحتياطات جزءا قليلا يطلق عليه الاحتياطي النفطي العالمي القابل للاستخراج. لماذا؟ لأن التقنية المتوفرة حاليا وأسعار النفط هي التي تحدد كمية النفط القابلة للاستخراج.

من جانبها قالت فاليري مارسيل الباحثة النفطية بالمعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، بلندن لـ«الشرق الأوسط» ماتت نظرية «الذروة النفطية»، لأن نمو الاحتياطات النفطية عالميا أثبت عدم صحتها. وقالت لـ«الشرق الأوسط» من مقرها في كندا إن كميات الاحتياطي القابل للاستخراج تزداد على الدوام تبعا لتقدم التقنيات الحديثة وسعر النفط، حيث كلما زاد سعر البرميل زادت جدوى الاستخراج وبالتالي يشجع ذلك الشركات النفطية على زيادة حجم استثماراتها في الصناعة النفطية. وحسب تقرير مصرف باركليز البريطاني الأخير فإن الشركات النفطية استثمرت تريليون دولار في الصناعة النفطية بين عامي 2010 و2011 ومن المتوقع أن تكون الاستثمارات بلغت 600 مليار دولار في العام 2012.

وبالتالي فإن الاستثمار في التقنيات الحديثة رفعت من الإنتاج. في هذا الصعيد يقول ليوناردو موغيري إن الحقل النفطي يحتفظ دائما بجزء من مخزونه النفطي وحتى الآبار النفطية التي أغلقت وحسبت في عداد «الآبار النافدة» فهي في الواقع تحتوي على كميات وفيرة من النفط. ولكن ببساطة هذه الكميات لا يمكن استخراجها، لأن استخراجها ليس ذا جدوى اقتصادية بالنسبة للشركات النفطية ولكن مع تقدم التقنية وارتفاع الأسعار فإن الجدوى الاقتصادية تعود مجددا لاستخراج النفط منها.

أما بخصوص قضية النفط الصخري وما تبعها من تحليلات «اكتفاء أميركا من النفط» وأن أميركا ستصبح أكبر منتج للنفط وستتفوق على المملكة العربية السعودية بحلول عام 2020 التي روجت لها وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير «منظور الطاقة 2020» الصادر في نهاية العام الماضي ومصرف «سيتي غروب» في تقريره الصادر بعنوان «أميركا: الشرق الأوسط» الجديد» يقول الباحث ليوناردو موغيري «صحيح أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط ارتفع وسيرتفع في عام 2020 ربما إلى 11.6 مليون برميل يوميا ولكن ذلك لن يجعل من أميركا أكبر دولة منتجة للنفط كما ذكرت وكالة الطاقة الدولية، حيث ستظل السعودية المنتج الأكبر للنفط». وكانت وكالة الطاقة الدولية قد ذكرت في دراسة «منظور الطاقة 2013» الصادر نهاية العام الماضي أن إنتاج أميركا سيفوق إنتاج السعودية في عام 2020. ولكن موغيري يرد على الوكالة الدولية بمقال في موقع «هارفارد كيندي سكول» بقوله «خبراء وكالة الطاقة الدولية قللوا من حجم الإنتاج الفعلي للسعودية وتناسوا أن يذكروا أن السعودية لديها طاقة فائضة». وتقدر الطاقة السعودية الفائضة بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، أي أن السعودية يمكن أن ترفع إنتاجها إلى 12.5 مليون برميل يوميا. وتستهدف وزارة النفط السعودية رفع الطاقة الإنتاجية إلى 15 مليون برميل خلال السنوات المقبلة، حسب التصريحات الرسمية. وقال موغيري في مقاله الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، إن إنتاج السعودية سيظل أكبر من إنتاج الولايات المتحدة حتى بالتقديرات التي وضعتها في دراستي لزيادة الإنتاج الأميركي والتي تفوق توقعات وكالة الطاقة الدولية. وقال: «كان يجب أن توضح وكالة الطاقة الدولية هذه المسائل بشكل كامل ولكنها عمدت ببساطة إلى القول وبسرعة أن الولايات المتحدة ستنتج في عام 2020 أكثر من إنتاج السعودية النفطي». ويذكر أن تقديراته ارتأت أن يزيد إنتاج الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2020 بنحو 6.6 مليون برميل يوميا مقارنة بتقدير الوكالة الدولية البالغ 6.1 مليون برميل يوميا.

وحسب الورقة البحثية التي قدمها ليونارد موغيري بجامعة هارفارد «هارفارد كيندي سكول» في يونيو (حزيران) الماضي فإن الولايات المتحدة تستطيع من الناحية النظرية أن تزيد إنتاجها النفطي في عام 2020 بنحو 7.6 مليون برميل، منها 6.6 مليون برميل يوميا من النفط الصخري و«النفط المحبوس - تايت أويل» ومليون برميل من الآبار النفطية التي تنتج النفط التقليدي. وذلك بفضل التقنيات الحديثة وعلى رأسها تقنية «الحفر الأفقي» التي ترفع من إنتاجية الآبار القائمة وتقنية «التكسير الهيدروليكي» التي تستخدم لإنتاج الزيت الصخري. ولكنه يقول من «الناحية العملية» أو على أرض الواقع فإن الولايات المتحدة لا تستطيع زيادة إنتاجها بحلول عام 2020 إلا بمقدار 3.5 مليون برميل من النفط الصخري.