التويجري لـ «الشرق الأوسط»: الخليج بات قبلة المستثمرين

الأمين المساعد للجامعة العربية أكد أن دول «الاحتجاجات» أمامها مشوار طويل للعودة اقتصاديا

محمد التويجري
TT

وضع الدكتور محمد بن إبراهيم التويجري الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية للشؤون الاقتصادية يده على أكثر جروح الجامعة نزفا، مؤكدا أنها بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة لإعادة هيكلة يتم من خلالها القضاء على الروتين والمركزية، وإعادة صياغتها لتصبح جامعة تتبع الأساليب الحديثة.

وتطرق الدكتور التويجري في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى اقتصادات الدول العربية، موضحا أن دول الخليج تعتبر من الاقتصادات الواعدة من حيث النمو المستقبلي، إذ أصبحت قبلة جميع المستثمرين من دول العالم، لأن مردود الاستثمار عال جدا وقوانين الاستثمار جاذبة وبيئة العمل مريحة.

أما دول «الاحتجاجات العربية»، والحديث لقائد اقتصاد الجامعة العربية، فـ«أعتقد أن أمامهم مشوارا طويلا للوصول إلى ما كانوا عليه قبل هذه الاحتجاجات، وقد تأثرت بشكل مباشر مشاريع الجامعة أيضا في هذه الدول».

ووصف فكرة الوحدة الاقتصادية في الدول العربية بأنها جيدة وأنها ظلت كذلك حتى اصطدمت بالواقع فعادت إلى حقيقتها كمجرد شعارات تستهلك بها الشعوب العربية، ويتم ترديدها في كل اجتماع عربي، «لكن للأسف الشديد تبقى شعارات».

ورفض التويجري القول إن قرارات القمم لا تمس المواطن العربي مباشرة، وقال: «على الرغم من أن القرارات المتخذة على مستوى القمة دائما تكون شمولية وعامة لكي تتعامل مع الظرف الطارئ، ودائما وغالبا ما يكون سياسيا، فإن القمم اتخذت منذ فترة قريبة مسار الاجتماع السنوي المخطط له».

وتناول الأمين العام المساعد للجامعة العربية سيطرة السياسة على شؤون الجامعة العربية وطغيانها على الأمور الاقتصادية التي تعتبر الأهم في عالم اليوم، وكذلك هوس الصحافة العربية بالكتابة السياسية، كما تناول أسلوب الإدارة في العالم العربي، ومستقبل الطاقة المتجددة في الدول العربية، وهذا نص الحوار:

* تنتقد دوما أساليب الإدارة المتبعة في العالم العربي بمختلف مستوياتها، لماذا؟

- الإدارة في العالم العربي يغلب عليها طابع الإدارة التقليدية التي تتصف بالبيروقراطية القاتلة لكل من لديه توجه نحو الإبداع والتحسين.

* إذن المشكلة ليست في قلة موارد العالم العربي.

- نعم، لا توجد قلة في الموارد العربية.. فالعالم العربي حباه الله بموارد بشرية هائلة، وكذلك موارد مادية معروفة لدى الجميع. أما أسلوب الإدارة فهو هزيل وتقليدي ونمطي ولا يليق بالعصر الحديث.

ومجمل القول أن المستوى الاقتصادي والعلمي يصنعان البيئة المناسبة لاستخدام الإدارة الحديثة. فإذا أردت أن تحكم على مستوى الإدارة في أي دولة، فعليك بالنظر إلى المدة المطلوبة لإنهاء أي معاملة، وتفقد المعدات المستخدمة، والأسلوب الذي يقابلك به الموظف، ومدى معرفة الموظف بالدورة الكاملة للمعاملة.

* كيف يمكن معالجة هذه المشكلة في رأيك؟

- عندما ننظر إلى المشكلة الإدارية، نجد أنها متأصلة بالتعليم والثقافة والمستوى الاقتصادي. لذلك فإن معالجة المشكلة بسيطة جدا وقد عملت من قبل. نحتاج إلى الإرادة الصادقة من قمة الهرم، ورفع مستوى التعليم والثقافة والاقتصاد. وبيت القصيد أن يكون العمل متراكما وتكامليا، أي أن كل مسؤول لا يمكن أن يغير ما فعله الذي قبله.

* الاقتصاد يحرك السياسة في عالم اليوم، لماذا يعرف المواطن العربي الجامعة كنقطة تعاط مع الشأن السياسي فقط؟

- قديما كانت السياسة هي قاطرة العلاقات بين الدول والتكتلات بما فيها الجامعة العربية التي كانت دائما تهتم بالشأن السياسي بطبيعة تكوينها منذ عام 1945.. لذا فليس من المستغرب أن يكون الشأن السياسي هو الأساس.

ولقد استمرت الجامعة العربية بعقد اجتماعاتها فقط عند الأزمات السياسية، فأصبح الشأن السياسي هو المحصلة المتوقعة من أي اجتماع تعقده الجامعة العربية، أما مع المتغيرات العالمية الجديدة فقد أصبح الاقتصاد متقدما على السياسة في معظم الأحيان.

* وهل قصرتم في التعريف بدور القطاع الاقتصادي في الجامعة؟

- إضافة إلى ما سبق هناك نقطة أساسية أخرى تتمثل في غياب الكتاب المتخصصين في الشأن الاقتصادي العربي، وسيطرة الكتاب السياسيين على الساحة الصحافية العربية.

* أتفسد السياسة ما يصلحه الاقتصاد، أم أن هناك عراقيل أخرى؟

- العملية ليست إفسادا وإصلاحا وإنما هي عملية متأصلة بتسييس أغلب الأمور في الجامعة لصالح السياسة، حيث إن هذا طبيعة حتمية. ومما لا شك فيه أنه كلما جعلنا من الاقتصاد المنطلق الجماعي العربي المشترك، توجهنا نحو الواقع وكثرت المصالح المتقاطعة المشتركة بين الدول العربية.

كما أود أن أكرر ما قلته في إجابتي على السؤال السابق بأن جميع القمم الاقتصادية تطغى المواضيع السياسية فيها على المواضيع التنموية الاقتصادية والاجتماعية، مع أن القمم الاقتصادية مخصصة للمجال التنموي الاقتصادي والاجتماعي. وكذلك الإعلام العربي على كافة أشكاله ومستوياته مهووس بالكتابة عن السياسة وليس الاقتصاد.

* إذن لماذا لا يعرف الكثيرون من الشباب العربي عن الصندوق العربي لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، على سبيل المثال؟

- دائما نتحدث عنه في وسائل الإعلام، لكن لا ينقل بنفس الصورة التي ينقل بها الحدث السياسي. إنني أرى الخلل في الإعلام العربي وعدم تمكنه إعلاميا من التعبير عما يدور في ساحة العمل الاقتصادي العربي.

* الكثير من قرارات القمم عامة ولا تلامس المواطن العربي بشكل مباشر، متى سيتغير هذا؟

- دعني أختلف معك، القمم اتخذت منذ فترة قريبة مسار الاجتماع السنوي المخطط له، ويتم التنسيق في ذلك على المواضيع المتفق على طرحها من خلال اللجان المهمة، كما عمل القادة العرب على استحداث قمة عربية متخصصة وهي القمة التنموية الاقتصادية الاجتماعية، منذ ما يقرب من خمس سنوات لتناقش مواضيع اقتصادية واجتماعية مهمة تمس المواطن العربي.

* إذا انتقلنا إلى سياسات الجامعة العربية الاقتصادية في العالم العربي، ما هي هذه السياسات؟

- عندما نتحدث عن الجامعة العربية، فإننا نقصد إرادة الدول العربية مجتمعة. والسياسات التي تنتهجها الجامعة العربية هي حصيلة السياسات المتفق عليها بين الدول العربية. وتتلخص هذه السياسات في الجوانب الاقتصادية بزيادة التبادل التجاري والزراعي والصناعي والمعلوماتي بين الدول العربية، وذلك عن طريق إلغاء جميع المعوقات التي تعوق انسياب التجارة العربية، محققة بذلك استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والولوج في الاتحاد الجمركي والتحضير للسوق العربية المشتركة والتطلع الكامل لانسياب المال والاستثمار والأفراد والسلع والخدمات بين الدول العربية لتحقيق الوحدة النقدية المنشودة.

* وكيف تؤدي الجامعة دورها في هذا المجال؟

- تؤدي الجامعة دورها من خلال المجالس الوزارية المختلفة واللجان الدائمة لهذه المجالس.. فعلى سبيل المثال، هناك العديد من المجالس الوزارية العربية المتخصصة، وينبثق من هذه المجالس لجان دائمة فنية تكون بمثابة المطبخ الرئيسي لبلورة المبادرات والأفكار وترجمتها إلى قرارات واقعية تخدم المواطن العربي على أرض الواقع. ويساعد هذه المجالس منظمات متخصصة.

* كيف يمكن جعل القطاع الاقتصادي في الجامعة العربية أكثر تأثيرا؟

- القطاع الاقتصادي جزء من كيان الجامعة، وما يحتاجه القطاع تحتاجه الجامعة، لذا فإن الجامعة العربية تحتاج إلى إعادة هيكلة بحيث يتم القضاء على الروتين والمركزية. وتعاد الصياغة لتصبح جامعة تتبع الأساليب الحديثة في الإدارة مثل اللامركزية والتمكين واستخدام الإدارة الإلكترونية في أعمالها اليومية، وبث روح الفريق بين الموظفين واعتماد الهيكل الأفقي، وذلك عن طريق تقليل الطبقات (المستويات) الإدارية.

* ما هي الأساسات التي يمكن أن تبنى عليها الوحدة الاقتصادية العربية؟

- هي عبارة عن فكرة جيدة إلى أن تصطدم بالواقع، فتصبح عبارة عن شعارات تستهلك بها الشعوب العربية، ويتم ترديدها في كل اجتماع عربي، لكن للأسف الشديد تبقى شعارات. ولكي يتم تطبيق فكرة الوحدة الاقتصادية، تم إنشاء مجلس الوحدة العربية مع بداية عقد الستينات للوصول إلى السوق العربية المشتركة. وللأسف الشديد قضينا من ثلاثة إلى أربعة عقود لا نراوح مكاننا ونتحدث عن الوحدة الاقتصادية والسوق العربية المشتركة وانتقال الأموال والأفراد بين الدول العربية وزيادة التجارة البينية بين الدول العربية، حتى أن بعض المتحمسين يتحدثون عن وحدة نقدية عربية!

* هل يوجد أي من هذه الأساسات في المرحلة الحالية؟

- الحديث عن وحدة اقتصادية عربية غير وارد الآن، لأننا ما زلنا في المرحلة الأولى (منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى) من مفهوم التكامل الاقتصادي، حيث إنه يقع في خمس مراحل: الأولى منطقة تجارة حرة، والثانية الاتحاد الجمركي، والثالثة السوق العربية المشتركة، والرابعة الاتحاد الاقتصادي، والخامسة الوحدة النقدية.

والواقع المرير يشير إلى أن البنى التحتية (خطوط بر، وبحر، وسكك، وكهرباء، وغيرها) للدول العربية ليست بالوضع الجيد الذي يساعد على نقل التجارة فيما بينها. عليك أن تتصور أن النقل البحري غير مكتمل في الدول العربية مع أن كل الدول تطل على بحار! والمعروف عالميا أن نحو 95 في المائة من البضائع تنقل بحرا. والسؤال المحير: لماذا لا يوجد نقل بحري قوي يدعمه أسطول عربي وخطوط سير ملاحية عربية ونظم معلومات بحرية مصحوب بموانئ عربية محورية (رئيسية)؟ لماذا نمنا طوال هذه السنوات؟

* متى سيبدأ تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، بعد أن أعلنت قمة الرياض 2013 ضرورة استكمال كافة المتطلبات؟

- عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي اجتماعاته الدورية لدورة فبراير (شباط) 2013 وطلب من الأمانة العامة وضع جدول يحدد مواقف الدول العربية من قواعد المنشأ، والالتزام بتخفيض التعريفة الجمركية، والالتزام بإلغاء الاستثناءات، والالتزام بإلغاء القيود غير الجمركية، والالتزام بآلية فض المنازعات، والالتزام بتنسيق القوانين والتشريعات، وتحرير تجارة الخدمات. وسيعرض هذا الجدول على المجلس الاقتصادي والاجتماعي في اجتماعات القمة الدورية القادمة في قطر في 20-26 مارس (آذار) 2013، وذلك بهدف تحديد المواقف والانتهاء منها قبل نهاية عام 2013. أما بالنسبة لتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، فهي ولله الحمد مفعلة لكن بطيئة السير وتعاني من تدني نسبة التجارة البينية بين الدول العربية.

* لديكم مشروع طموح حول استثمار طاقات الشمس والرياح، إلى أين وصل؟

- هذا موضوع الساعة وهو من الأهمية بمكان لأن مستقبل الطاقة يعتمد على مدى الإنجازات التي سوف يحققها الوطن العربي في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، وخاصة أن طاقة الشمس متوفرة جدا في كثير من مناطق الوطن العربي، والمعروف بالنطاق الشمسي. وتبذل كثير من الدول الجهود وتضع الأموال للاستثمار في هذا المورد الجديد مستشرفين أن عام 2050 سيكون من الأعوام التي يصبح الوطن العربي من الدول المستفيدة من هذه الطاقة. أما بالنسبة لطاقة الرياح فإنها محدودة في الوطن العربي بأماكن معينة وقليلة.

* وماذا عن خطة الجامعة لجلب الاستثمارات في المناطق الزراعية العربية؟

- تتعاون الجامعة العربية مع الدول الراغبة في فتح باب الاستثمار في المناطق الزراعية الموجودة لديها. وتستخدم الجامعة منظماتها المتخصصة في الزراعة لتكون من يدفع بهذا التوجه من الناحية المهنية.

* كيف ترون مستقبل الاقتصاد العربي؟

- الاقتصاد العربي ينقسم إلى عدة أقسام. وأفضل التحدث عن الاقتصاد من جهة إقليمية وليس إجمالي الدول العربية حتى تكون الصورة واضحة للجميع. إن إقليم دول الخليج يعتبر من الاقتصادات الواعدة من حيث النمو المستقبلي حيث أصبح قبلة جميع دول العالم لمن يحب أن يستثمر، لأن مردود الاستثمار عال جدا وقوانين الاستثمار جاذبة وبيئة العمل مريحة. أما دول الاحتجاجات العربية فأعتقد أن أمامهم مشوارا طويلا للوصول إلى ما كانوا عليه قبل هذه الاحتجاجات.

يعتبر اقتصاد الجمهورية الجزائرية والمملكة المغربية اقتصادا جيدا ونوعا ما جاذبا للاستثمار. هذه الاقتصادات مرشحة لنمو جيد خلال الأعوام المقبلة.

وبشكل عام فإن اقتصاد الوطن العربي إجمالا لا يخلو من مشكلات ولا سيما الأزمة المالية، حيث إنها عصفت بأعتى الاقتصادات وما زالت الآثار السلبية موجودة في وطننا العربي الكبير على امتداده من المحيط إلى الخليج.

* كيف ترى مستقبل القطاع الاقتصادي في الجامعة العربية؟

- أعتقد أن الاقتصاد كما قلت من قبل هو الأساس لأي تجمع، وعليه فإن مستقبل القطاع الاقتصادي واعد جدا.

* ما هي مشروعاتكم الاقتصادية المستقبلية؟

- لدينا في الجامعة مشروعات اقتصادية آنية ومستقبلية كبيرة، منها على سبيل المثال مشروع الربط الكهربائي ومشاريع النقل والربط من بري وبحري وسككي ومشاريع الطاقة الجديدة والمتجددة والمشاريع الزراعية ومشاريع الإنترنت ومشاريع متخصصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروع الاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة.. هذه هي المشاريع الموجودة حاليا كمشروعات لدى الجامعة العربية.

* وهل أثرت فيها الأزمة السياسية التي تضرب العالم العربي حاليا؟

- طبعا، يوجد تأثير مباشر على كل هذه المشاريع، لكن يعتمد على مكان وجود هذه المشروعات، فإن كانت في إحدى دول الاحتجاجات العربية، فإن تحركها بطيء أو تقريبا متوقف، أما إذا كانت في الدول التي لم تجتحها الاحتجاجات، فإن العمل بها قائم وحسب ما هو مخطط له.