سيدات يقدن كبرى شركات الدفاع الأميركية لأول مرة

بعد تاريخ طويل من هيمنة الرجال

من اليمين إلى اليسار: مارلين هيسون الرئيسة التنفيذية لشركة «لوكهيد» وليندا هيدسون الرئيسة التنفيذية لشركة «بي آي إي سيستمز» وفيب نوفاكوفيك الرئيسة التنفيذية لشركة «جنرال موتورز»
TT

في وقت يحتدم فيه النقاش الوطني حول كفاح النساء من أجل تقلد مناصب رفيعة، يقود قطاع الدفاع التغيير في فريق الإدارة التنفيذية، حيث ترأس ثلاث سيدات ثلاثا من كبرى الشركات في هذا القطاع.

وبهذا الصعود النسائي تكون شركات «جنرال ديناميكس» و«بي إيه إي سيستمز» و«لوكهيد مارتن» تحدت تاريخا طويلا من ثقافة عمل يهيمن عليها الرجال، وقامت بتعيين سيدات في منصب الرئيس التنفيذي. لكن هذه المجموعة الجديدة من القادة تأتي في وقت تواجه فيه الصناعة تغييرا مزعزعا للاستقرار يشمل الميزانية الفيدرالية.

ويتحتم على الرئيسات التنفيذيات الثلاث إعادة هيكلة شركاتهن للتعامل مع تخفيض مشتريات الجيش، بما فيها تلك التي نتجت مؤخرا عن سياسة الخفض التلقائي للإنفاق الحكومي. على سبيل المثال، خلال أول شهرين من توليها إدارة شركة «جنرال ديناميكس»، صرحت فيبي نوفاكوفيتش بأن الشركة قد ضلت طريقها، وأوقفت مجموعة من عمليات الاستحواذ الجديدة التي استمرت على مدار عدة أعوام وقامت بإلغاء عدد من المناصب التنفيذية.

وتقول ليندا هودسون، الرئيسة التنفيذية لفرع شركة «بي إيه إي» في الولايات المتحدة، التي أصبحت أول امرأة تدير شركة دفاع أميركية بارزة حينما شغلت هذا المنصب في عام 2009: «أعتقد أنها فرصة لنا جميعا... كي نترك بصمتنا في هذا المجال». إن عليها هي وقريناتها – من بينهن ماريلن هيوسون بشركة «لوكهيد مارتن» - أن يثبتن أنفسهن داخل الشركات التي ما زال يهيمن عليها الرجال بدرجة تفوق الاقتصاد ككل. لقد كان قطاع الدفاع بطيئا في ترقية النساء إلى أعلى المناصب داخله، ويرجع ذلك جزئيا إلى علاقاته الوثيقة بالجيش. ويتجه الكثير من الضباط المتقاعدين إلى العمل كمسؤولين تنفيذيين في شركات المقاولات الدفاعية، ولم تتم ترقية سيدات إلى مناصب عسكرية رفيعة إلا مؤخرا.

وقامت شركة البيانات المتعلقة بأجور المسؤولين التنفيذيين «إكويلار» مؤخرا بتحليل سجلات مالية لنحو 20 من أكبر شركات المقاولات الدفاعية التي تروج لها الحكومة بناء على طلب من صحيفة «واشنطن بوست». وكشف التحليل عن أن هناك امرأة تشغل منصبا تنفيذيا من بين كل ثمانية مسؤولين تنفيذيين بأي مستوى إداري في تلك الشركات. وفي الاقتصاد بشكل عام، تبين أن هناك مديرتين من بين كل خمسة مديرين، ومن بين كل أربعة رؤساء تنفيذيين تشغل سيدة هذا المنصب، بحسب وزارة العمل.

ويقول آرون بويد، مدير الأبحاث بشركة «إكويلار»: «هناك قلة في عدد السيدات اللائي يشغلن منصب الرئيس التنفيذي بهذه الشركات» العاملة في قطاع الدفاع. ويضيف: «إنه اتجاه جديد بحق. نحن نشهد زيادة في عدد السيدات اللائي يشغلن هذا المنصب. لكننا بالقطع لسنا في الموضع الذي لا يستطيع فيه أحد أن ينفي وجود فجوة بين الجنسين».

إن صدور الكتاب الجديد لمديرة العمليات التنفيذية بشركة «فيس بوك»، شيريل ساندبرغ، ذلك الكتاب الذي يأسف لعدم وجود شركات ترأسها سيدات، والجدل المثار حول إلغاء ماريسا ماير سياسة العمل عن بعد، المعمول بها في شركة «ياهو»، حادثتان ركزتا الانتباه مجددا على السيدات اللائي يشغلن مناصب تنفيذية رفيعة. وفي الاقتصاد بشكل عام، تحصل المديرات على نحو 71 سنتا لكل دولار يحصل عليه نظراؤهن من المديرين. وتعتبر هذه فجوة أكبر بقيمة 10 سنتات عن تلك الفجوة بين الجنسين في جميع الوظائف الأخرى.

وبحسب شركة «إكويلار»، يبدو أن المديرات التنفيذيات في قطاع المقاولات الدفاعية يحصلن على متوسط الأجر نفسه الذي يتقاضاه المديرون. ولكن ذلك قد يرجع إلى تركز المديرات في كبرى الشركات العاملة في المجال، التي تميل إلى دفع رواتب أكبر. وتحصل المديرة التنفيذية في شركة تعمل في مجال الدفاع على مقابل أعلى بنسبة 50 في المائة من ذلك الذي تمنحه شركة مماثلة لمدير تنفيذي، وذلك حسبما تشير «إكويلار» أيضا.

وقد شقت السيدات الثلاث اللائي يدرن شركات مقاولات دفاعية كبرى طريقهن في المجال لما يقرب من عشر سنوات، حيث رصدن بالتجربة المباشرة زيادة نفقات الحكومة الفيدرالية عن حجم الأرباح التي يدرها القطاع في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وشغلت هودسون وظيفة مهندسة أبحاث وتطوير بشركة الاتصالات العسكرية «هاريس». وعملت لحساب عدة شركات عملاقة في مجال الدفاع قبيل انضمامها إلى فريق عمل شركة «بي إيه إي سيستمز» بوصفها رئيسة لوحدة القوات البرية والمدرعات في عام 2007. وفي تلك الفترة كان قطاع السيارات المصفحة يشهد انتعاشا.

وفي الوقت الذي تولت فيه منصب الرئيس التنفيذي للشركة في عام 2009، كانت حالة السوق قد بدأت تتدهور. وشرعت هودسون في جهود تهدف إلى تحقيق التكامل للشركة وتيسير عملياتها، وهي الشركة التي تمثل اندماجا لنحو أربع وعشرين شركة تم دمجها معا عبر عمليات الاستحواذ. في الوقت نفسه، جعلت هودسون على رأس أولوياتها الحصول على اعتراف وطني ببيئة عمل شركة «بي إيه إي» - وهي خطوة تنظر إليها الشركة بوصفها انفصالا عن بقية أجزاء القطاع. وعملت نوفاكوفيتش، التي شغلت من قبل منصب مدير العمليات بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مساعدا رفيع المستوى لوزير الدفاع ونائبة لوزير الدفاع في الفترة من 1997 إلى 2001، وتولت مهمة إدارة الميزانية ووضع القرارات السياسية. وانضمت إلى شركة «جنرال ديناميكس» في عام 2002، وظلت تتدرج في المناصب بشكل مستمر إلى أن وصلت إلى منصب نائبة رئيس التخطيط والتطوير بالشركة، ثم رئيسة وحدة الأنظمة البحرية، ثم رئيسة الشركة ومديرة عملياتها. وتولت منصب الرئيس التنفيذي للشركة في شهر يناير (كانون الثاني). وفي أول حديث لها عن الأرباح، أوضحت نوفاكوفيتش للمستثمرين أن الشركة تقوم بتقليل تكاليف وحدة نظم المعلومات التابعة لها بقيمة ملياري دولار. وأشارت إلى أن عملية الاستحواذ التي قامت بها شركة «لم تكتمل نوعا ما»، وأن عددا من عمليات الشراء التي قامت بها الشركة لم تكن لتتم تحت إدارتها. ولاحقا، قامت بتغيير بعض المناصب بالشركة وقبلت استقالة رئيس وحدة تكنولوجيا المعلومات. وقالت في يناير : «نحن لن نبحث عن العائد. سوف نلتزم بعقدنا ونقوم بالأعمال التي نحن على دراية بكيفية القيام بها». وأضافت: «مهمتنا هي رفع مستوى فعالية شركتنا وخفض التكاليف والعمل لصالح عملائنا ومساهمينا». وبدأت هيوسون، التي تعمل في «لوكهيد» منذ ثلاثين عاما، عملها كرئيس تنفيذي للشركة في اليوم نفسه الذي بدأت فيه نوفاكوفيتش عملها. وقد انضمت إلى الشركة في ظروف غاية في الصعوبة، فبعد إعلان ترك الرئيس التنفيذي السابق منصبه، وقع الاختيار عليها في البداية لشغل منصب مدير العمليات. لكن سرعان ما تمت ترقيتها عندما تم فصل الرئيس التنفيذي المرتقب بسبب ثبوت ارتباطه بعلاقة غير لائقة بواحدة من مرؤوساته.

ولم تعد هيوسون بالانحراف لمدى بعيد عن الاستراتيجية الحالية. فقد ظل سلفها في المنصب، روبرت ستيفنز، في منصبه كمستشار استراتيجي ولا يزال يتقاضى راتبا أكبر منها. غير أنها قد قامت بتغييرات، تشمل إعادة هيكلة مكتب الشركة وتسريح نحو خمسين من أفراد فريق العمل في الشهر الأول من توليها إدارة الشركة. وتأتي تغييرات أخرى في «لوكهيد»، فقد أشار اثنان من رؤساء الوحدات الخمس الذين يرفعون التقارير إلى هيوسون إلى أنهما سيتركان وظيفتهما. ويظل أكبر برنامج للشركة، وهو الطائرة المقاتلة «إف - 35» - تحت خط النار، بسبب مشكلات تتعلق بالتكاليف ومستوى الأداء، ولا تزال الشركة تقوم بخفض عدد مديريها وموظفيها.

وبعد مرور عشرة أعوام من النمو، يبدو من الواضح جليا أنه يتعين على شركات المقاولات الدفاعية إعادة الهيكلة من أجل مواجهة الفترات العصيبة. من جانبه، يزيد البنتاغون تركيزه على التكاليف، على نحو يدفع شركات المقاولات الدفاعية إلى الاستمرار في العمل في إطار الأسعار المحددة بالأساس، محولة جزءا من عملها إلى داخل الشركة ومعتمدة في بعض قراراتها المتعلقة بعمليات الاستحواذ على السعر بالأساس.

لقد عكفت شركات المقاولات الدفاعية على تقليص حجمها منذ أن بدا واضحا أن القوات الأميركية سوف تنسحب من العراق وأفغانستان، غير أن تلك العملية قد باتت أكثر صعوبة، مع انتهاج البنتاغون أسلوبا أكثر توفيرا في الإنفاق في ما يتعلق بمجال المقاولات الدفاعية، لا سيما بعد أن عصفت استراتيجية الخفض التلقائي للإنفاق الحكومي بقطاع تكنولوجيا المعلومات وغيره من القطاعات الأخرى المربحة.

ويرى بعض المحللين أن المستثمرين سوف يضعون نصب أعينهم المسار العام للقطاع لدى تقييمهم أداء المجموعة الجديدة من الرئيسات التنفيذيات.

يقول لورين تومبسون، مستشار قطاع الدفاع الذي عمل لحساب شركات «لوكهيد» و«بي إيه إي» و«جنرال ديناميكس»: «بصرف النظر عن النوع فإن من يديرون هذه الشركات ينبغي أن يستجيبوا للمحفزات نفسها». ويضيف: «إذا ما كانت التوقعات منخفضة فقد يكون من الأسهل فعليا إحداث مفاجأة في ما يتعلق بالمزايا». وقالت جولين شوميكر، الزميلة غير المقيمة في منظمة «نساء في الأمن العالمي»، إن بيئة العمل الصعبة سوف تميز خيرة القادة. وتقول: «لا يمكننا أن نوقف، أو أن نسعى لوقف – التقدم في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين بحجة أن الوقت غير سانح. فدائما ما تكون هناك أوقات عصيبة وأزمات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»