«غازبروم» الروسية تحقق «اختراقا» في المنطقة بتوقيع اتفاق للغاز مع إسرائيل

اعتبر تحولا «جيوسياسيا» و«طاقيا» لصالح موسكو في البحر المتوسط

المقر الرئيسي لـ«غازبروم» الروسية في موسكو («الشرق الأوسط»)
TT

وقعت شركة «غازبروم» الروسية العملاقة الأسبوع الماضي اتفاقا في إسرائيل سيسهم بقوة في تطوير استراتيجيها للغاز الطبيعي المسال التجاري، ويجعلها مؤهلة في الوقت ذاته لتحويل التوازن الجيوسياسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط لصالح الشركة.

يمنح الاتفاق شركة «غازبروم» حق الدخول الحصري إلى سوق تقدر بنحو ثلاثة ملايين طن من الغاز المسال سنويا على مدار العشرين عاما المقبلة، أي ما يعادل 84 مليار متر مكعب إجمالا، من حقل «تامار». وستتم إسالة الغاز في موقعه باستخدام تكنولوجيا المحطات العائمة المكلفة التي ستقوم «غازبروم» بتمويلها أو الاستثمار فيها. ولا يتوقع أن يتم تصدير الإنتاج قبل 2017 ولدى «غازبروم» ستة أشهر للانتهاء من الصفقة. وسوف يتطلب ذلك، حتما، قدرا كبيرا من المناورة السياسية لأن إسرائيل لم تنته من وضع إطار العمل التنظيمي لتطوير اثنين من اكتشافاتها العملاقة، هما حقلا غاز «تامار» و«ليفياثان»، واللذان يحتويان على 270 مليار متر مكعب، و450 مليار متر مكعب على التوالي.

يشكل الحقلان جزءا من حوض ليفانت العملاق في البحر الأبيض المتوسط الذي تتقاسمه معها اليونان وقبرص. وسوف يحدد إطار العمل الذي ينبغي تمريره بنهاية العام، مقدار الغاز الذي يمكن توفيره للاستهلاك المحلي لتحسين أمن الطاقة الإسرائيلية ومقدار التصدير لجذب أسواق الغاز المسال الآسيوية.

يعد الاتفاق ذا مغزى جيوسياسي وتجاري كاملا لكل من «غازبروم» وروسيا، وكذلك بالنسبة لإسرائيل، حيث تقوم الشركة بالاستثمار بكثافة عبر العالم لبناء شبكتها من الغاز الطبيعي المسال، سواء من ناحية الإمداد أو التجارة، التي تسعى شركات عالمية أخرى عملاقة مثل «شل» و«بي بي» إلى إنشاء شبكات مماثلة، كما سيمنح هذا الاتفاق «غازبروم» وضعا أفضل في أسواق تصدير الغاز الطبيعي المسال المربحة، التي ستجني منها 14 دولارا لكل وحدة حرارية بريطانية مقارنة بـ11 دولارا لكل وحدة حرارية بريطانية للشحنات التي يتم ضخها عبر الأنابيب إلى أوروبا التي تشكل سوقها الرئيسية.

ويقول جوليان لي، محلل الطاقة البارز في مركز دراسات الطاقة العالمية ومقره لندن وخبير الطاقة الروسي وأسواق الغاز: «لدى (غازبروم) رغبة ملحة في حماية حصتها من السوق والتسعير من المنافس الوافد الجديد، وخصوصا في السوق الأوروبية».

ويضيف لي: «تود (غازبروم) الدخول إلى السوق لأنها تشعر بأن السوق الأكثر احتمالية والأكثر قربا للغاز المسال الإسرائيلي هي دول البحر الأبيض المتوسط، وأن ذلك سيقوض سوقها، ومن خلال السيطرة على صادرات الغاز الإسرائيلية ستتمكن (غازبروم) من الحد من التأثير على مبيعاتها إلى أوروبا».

وأضاف: «تتمثل مخاوف أوروبا الحالية بشأن الغاز في الاعتماد الكبير على (غازبروم)، وهو ما كان سببا في إنشائها محطات تسلم الغاز المسال الذي يأتي من قطر، ومن ثم فمن منظور مسافات الشحن سيكون الغاز الإسرائيلي هو الأفضل».

علاوة على ذلك، تعمل روسيا على تطوير نفوذها ومصالحها في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط الاستراتيجية، بشكل غير مباشر، من خلال توسيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وقد يعزز ذلك أيضا من مكانتها في شمال أفريقيا التي تراجعت إثر حرب الناتو للإطاحة بالعقيد معمر القذافي.

وسيكون بمقدور إسرائيل أيضا الاستفادة من العلاقات الأكثر عمقا مع روسيا، حيث تمتلك «غازبروم» القوة المالية لتطوير مشروعات الغاز المسال العائم المكلفة والقنوات التجارية لبيع الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا. ورغم عدم كونها الشركة الوحيدة في هذا المجال، فإنه يمكن أن يجلب أفضل الامتيازات الجغرافية السياسية إلى طاولة بعض منافسيها.

من ناحية أخرى، لا تود روسيا أن تتحول تركيا إلى محور للطاقة، لتجعل عضو الناتو منافسا استراتيجيا مباشرا وعقبة أمام طموحات الكرملين. كما تخشى إسرائيل من تركيا، لا بسبب نجاحاتها الواضحة في الشرق الأوسط الكبير، وخصوصا في سوريا، بل بسبب المزاعم الإقليمية لأنقرة في البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا العلاقات مع قبرص.

وقال لي: «قبرص وعدم القدرة الكاملة على الحديث إلى بعضهم البعض ستتسببان في مشكلات حقيقية في شرق البحر الأبيض المتوسط. أعتقد بكل تأكيد أن (غازبروم) ستتقدم لتنفيذ المشروع وهي تحمل قدرا كبيرا من الجرأة كونها ممثلا للحكومة الروسية، ذلك النفوذ الذي يمكن أن تطرحه على الطاولة أي دولة أوروبية أو آسيوية بنفس ثقلها».

يمكن للعلاقات القوية أن تساعد إسرائيل في حث روسيا عندما يتعلق الأمر بإيران ولو بقدر محدود. وأضاف: «روسيا تملك النفوذ الخارجي الأقوى في سوريا وربما في إيران. ولا يمكنها أن تشكل أي نوع من الضرر للروابط التجارية التي تمس أمن إسرائيل. ولست على يقين مما إذا كان الاتفاق من الحجم بما يكفي لمنحها نفوذا قويا. إنه اتفاق ضخم لإسرائيل، لكنه بالنسبة لروسيا لن يشكل سوى جزء من صادراتها».

لكن «غازبروم» لا تملك سلطة التأثير على المحرك النهائي لزواج المصالح مع إسرائيل، وتحديدا هواجس أمن الطاقة لدى البلاد، فقد بدأ الاحتياطي الإسرائيلي من الغاز الطبيعي في النفاد، وهناك تراجع في الصادرات المصرية، في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب المحلي على الطاقة نتيجة للاستهلاك المتزايد في منشآت الطاقة والمنشآت الصناعية.

وإلى جانب الصادرات من مصر، يشكل حقل «يام» المصدر الرئيسي للغاز الطبيعي في إسرائيل، والذي نضب بشكل كامل تقريبا، وحقل ماري الذي سينضب قريبا. والواردات من مصر عرضة للخطر لا بسبب سياسة التسعير والاضطرابات السياسية، بل الأهم من ذلك أن مصر ذاتها لا تمتلك الغاز الكافي لتلبية الاستهلاك المحلي وعقود التصدير.

ولتطوير أمنها للطاقة، يتوقع أن توافق الحكومة الإسرائيلية على إطار تنظيمي جديد بنهاية العام لتحديد حجم التصدير من اكتشافاتها الجديدة الضخمة. وقد قدرت لجنة احتياجات البلاد بـ450 مليار متر مكعب خلال الخمسة والعشرين عاما المقبلة، والتي تعادل تقريبا نصف إنتاج حقلي «تامار» و«ليفياثان» سويا.

وكتب ليزلي بالتي غوزمان، محلل أسواق الغاز العالمية من مجموعة «أوراسيا»، مجموعة استشارية في الأزمات الجيوسياسية: «هناك وعي واضح في أن التأخير المفرط هذا العام سيفشل في استثمار الفرص الاقتصادية المهمة، ولذا فإن تمريرها قبل نهاية العام سيكون الأكثر احتمالا». وإجمالا فإذا خرج إنتاج الحقول كما هو متوقع، فسوف تحظى استراتيجية الغاز المسال لـ«غازبروم» بدفعة قوية، وتعطيها حصة أكبر في أسواق آسيا المربحة المتنامية. واعتمادا على التنمية الناجحة يمكن للطموحات الأخرى - لكن عادة ما تؤجل - مثل مشروعات الغاز المسال في العالم، أن توسع من شبكتها الخاصة بالغاز المسال.