قبرص تفتح مصارفها وسط قيود «غير مسبوقة» في منطقة اليورو

اليورو ينزلق في «هاوية قبرص».. ومحاذير من خروج تدفقات مالية

قبارصة بانتظار فتح أمام أحد البنوك في نيقوسيا أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما فتحت قبرص مصارفها أمس مع فرض قيود غير مسبوقة في منطقة اليورو انطلقت محاذير من تأثيرات «أزمة الجزيرة» على بعض دول اليورو الضعيفة، مما انعكس سلبا على العملة الأوروبية التي انخفضت بمعدلات كبيرة. وظل اليورو قريبا من أدنى مستوياته في أربعة أشهر مقابل الدولار أمس الخميس وقد يتراجع أكثر من ذلك، حسب «رويترز»، بسبب مخاطر خروج تدفقات رأسمالية في ظل تداعيات اتفاق إنقاذ قبرص والمشكلات السياسية المستمرة في إيطاليا.

وعلى الرغم من أن تطبيق قيود لمنع المودعين من التهافت على سحب الودائع سيبطئ وتيرة السحب فإن اليورو يتعرض لضغوط بسبب خشية المستثمرين من أن يكون اتفاق قبرص - الذي يكبد المودعين وحملة السندات من القطاع الخاص خسائر كبيرة بدلا من دافعي الضرائب - نموذجا لعمليات إنقاذ البنوك في الاقتصادات المتعثرة بمنطقة اليورو في المستقبل. وقد يدفع ذلك المستثمرين القلقين إلى بيع أصول أوروبية واللجوء إلى ملاذات أمنة مثل الدولار أو الين أو الفرنك السويسري أو حتى الجنيه الإسترليني.

وتراجع اليورو 1.‏0 في المائة إلى 2770.‏1 دولار غير بعيد عن أدنى مستوياته في أربعة أشهر 2750.‏1 دولار الذي سجله أمس الأربعاء.

وفضل المستثمرون شراء الين الأكثر سيولة في ظل المشكلات الراهنة في منطقة اليورو. وتراجع اليورو إلى أدنى مستوياته في شهر مقابل العملة اليابانية عند 119.89 ين وفقا لبيانات منصة اي.بي.إس وحظي الين بدعم أيضا من حديث عن تحويل المستثمرين اليابانيين أموالا إلى داخل البلاد قبل نهاية السنة المالية في 31 مارس (آذار). وتراجع الدولار 3.‏0 في المائة إلى 15.‏94 ين.

وفي نيقوسيا فتحت المصارف أبوابها مجددا أمس تحت حراسة أمنية مشددة بعد إغلاقها 12 يوما مع فرض قيود على أموال زبائنها غير مسبوقة في منطقة اليورو تجنبا لهروب الرساميل من الجزيرة المتوسطية بعد التوصل إلى خطة دولية لإنقاذها من الإفلاس.

وعند فتح المصارف مجددا في تمام الظهر (10,00 تغ) لست ساعات، كان عشرات ينتظرون في الصف أمام مصارف وسط العاصمة نيقوسيا، ولا سيما فروع بنك قبرص ومصرف لايكي أكبر مصرفين قبرصيين طاولتهما عملية إعادة هيكلة النظام المصرفي التي طالبت بها ترويكا الدائنين الدوليين. وإذ شل إغلاق المصارف النشاط الاقتصادي في البلاد، دعت جمعية مصارف قبرص الزبائن إلى التحلي «بالصبر والتفهم» مع الموظفين عند قدومهم إلى المصارف لإتمام معاملاتهم. وقال فيليبوس فيليبو وهو عامل كهرباء عاطل عن العمل حاليا «سيكون يوما سيئا. ستطلق شتائم وسيكون الناس غاضبين».

وقال رجل رفض كشف اسمه «سوف أسحب أموالي بالكامل مبلغا بعد مبلغ».. متوقعا أن «تستمر موجة الهلع أسبوعا أو أسبوعين وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها ولكن بقدر أقل من المال». ومنعا لحصول تجاوزات تمركز حراس أمنيون بعضهم بأسلحتهم أمام المصارف وهم لا يسمحون سوى بدخول مجموعات من ثمانية زبائن تباعا لتفادي التدافع. وحرصا على حسن تنظيم الإقبال على المصارف، دعا ممثل عن السلطات المصرفية إلى إعطاء الأولوية للمسنين الذين لا يمتلكون بطاقات مصرفية ويترتب عليهم سحب معاشات التقاعد أو سيولة من صناديق المصارف.

وأعلن البنك المركزي في بيان أن «المصارف أعادت فتح أبوابها وسيساهم تعاون فعال من قبل الجميع في عودة النظام المصرفي سريعا إلى طبيعته».

كذلك طلبت نقابة موظفي المصارف (ايتيك) من السكان عدم صب استيائهم عليهم وقالوا «نحن بصفتنا موظفي مصارف، لسنا مسؤولين بل على العكس ضحايا».

وتترافق إعادة فتح المصارف مع قيود مالية غير مسبوقة في منطقة اليورو تهدف إلى الحد من مفاعيل موجة هلع يمكن أن تعم النظام المصرفي.

وتحد إجراءات الرقابة على الأموال عمليات الدفع والتحويل إلى الخارج بخمسة آلاف يورو في الشهر للشخص الواحد وللمصرف الواحد ولن يكون بوسع المسافرين إلى الخارج أن يحملوا أكثر من ألف يورو نقدا، بموجب مرسوم وزاري يستمر مفعوله لأربعة أيام على الأقل. ويبرر المرسوم هذه الإجراءات «بنقص السيولة ومخاطر هروب الودائع بشكل كثيف، مع ما يمكن أن ينتج عنهما من انهيار لمؤسسات الإقراض» و«العواقب المتسلسلة» التي تهدد «الاقتصاد بمجمله».

وأكدت المفوضية الأوروبية في بيان أن هذه القيود المالية «ضرورية في الظروف الحالية» لكن «حرية حركة رؤوس الأموال يجب أن تعود في أسرع وقت ممكن». وحدد المرسوم الوزاري عمليات السحب في المصارف ونقاط الصرف الآلي بـ300 يورو في اليوم للشخص والمصرف. وللتمكن من تلبية الطلب، وصلت عدة حاويات محملة بالأموال يوم الأربعاء إلى البنك المركزي في نيقوسيا بحماية آليات الشرطة، وفق ما أفاد مصور وكالة الصحافة الفرنسية. وأفادت وسائل الإعلام أنها قد تكون تحوي مليارات اليورو. وقال رجل ممازحا وهو يتأمل الأوراق النقدية الجديدة التي سحبها من موزع إلى «إنها مقبلة حديثا من فرنكفورت».

وتصاعد القلق في الجزيرة التي تعاني من انكماش اقتصادي منذ سنتين.

وقال وزير الخارجية القبرصي يوانيس كاسوليدس إن أوروبا فرضت ثمنا «باهظا جدا» على قبرص سيولد «المرارة» و«الغضب»، مضيفا «علينا أن ننطلق من الصفر مجددا» كما بعد الاجتياح التركي لشمال الجزيرة عام 1974.

من جهته حذر وزير المالية ميخاليس ساريس «سنعرف أياما أسوأ خلال عام 2013.. الاقتصاد سيشهد انكماشا أكبر».

وفي أسواق لا يزال يعمها القلق بقي اليورو صباح الخميس تحت عتبة 1,28 دولار، المستوى الذي تدنى عنه الأربعاء لأول مرة منذ أربعة أشهر.

ولا تزال بورصة قبرص مغلقة منذ 16 أبريل (نيسان). وأقفلت بورصة طوكيو على تراجع كبير بنسبة 1,26%.

ويخشى المستثمرون في حال عمت موجة هلع القطاع المصرفي القبرصي أن تنتقل العدوى إلى دول أخرى من منطقة اليورو. من جهتها أكدت وكالة «ستاندارد أند بورز» للتصنيف الائتماني في بيان الخميس أنه من غير المتوقع أن يكون للاتفاق حول قبرص تأثير مباشر على تصنيف المصارف في منطقة اليورو ولو أنه يشكل «سابقة».

وقد عينت الحكومة القبرصية، أمس الخميس، لجنة للتحقيق في احتمال وجود أعمال جنائية قد تكون أدت إلى الأزمة المصرفية في الجزيرة، على ما أعلن مستشار رئاسي، مضيفا أن الرئيس قرر تخفيض راتبه بنسبة 25 في المائة.

وستكلف اللجنة بتحديد ما إذا كانت هناك «مسؤوليات جنائية أو مدنية أو سياسية» تسببت في الأزمة المصرفية، على ما أعلن نائب أمانة سر الرئاسة قسطنطينوس بتريدس. وتتألف اللجنة من ثلاثة قضاة سابقين في المحكمة العليا وهم جورج بيكيس وبانايوتيس كاليس وياناكيس قسطنطينيدس. وأضاف أن «مجمل القرارات والأعمال والإغفالات على جميع المستويات - من القرارات السياسية إلى قرارات لجان إدارة المصارف أو هيئات الضبط وأي فرد آخر - سيتم التدقيق بها».

من جهة أخرى، قرر الرئيس القبرصي تخفيض راتبه بنسبة 25 في المائة، فيما ستخفض رواتب وزرائه بنسبة 20 في المائة، بحسب بتريدس. وقال بتريدس للصحافة إن الرئيس نيكوس انستسيادس «سبق أن أمر المحاسب العام بتقليص راتبه بنسبة 25 في المائة»، مضيفا أن رواتب الوزراء ستقلص كذلك بنسبة 20 في المائة. وسيتخلى الجميع عن راتب الشهر الإضافي.

وطلبت لجنة الرقابة في البرلمان من البنك المركزي القبرصي، الأربعاء، تزويدها لائحة بالأشخاص الذين حولوا الأموال إلى خارج الجزيرة قبيل إعلان خطة الإنقاذ الأوروبية التي تنص على اقتطاعات من الودائع المصرفية. وأجاز نواب اشتراكيون لمدير البنك المركزي الكشف عن أموالهم الشخصية وأموال نسائهم وأولادهم، داعين جميع السياسيين إلى فعل المثل.