عقب أزمة «قبرص».. رؤوس الأموال الخليجية المهاجرة تنتظر العودة للأسواق المحلية

في ظل احتمالية أن تطال الأزمة الحالية دولا أوروبية جديدة

اتساع دائرة الأزمة الحالية لتطال دولا أوروبية أخرى قد تقود إلى آثار سلبية على الاستثمارات الخليجية (أ.ب)
TT

أكد مختصون في الشأن الاقتصادي أن احتمالية اتساع دائرة الأزمة المالية التي تعاني منها قبرص خلال الفترة الحالية لتطال دولا أوروبية أخرى، سيقود إلى تأثر الاستثمارات والودائع الخليجية سلبا بهذه الأزمة، وقالوا في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أمس: «آن الأوان لأن تعود رؤوس الأموال المهاجرة إلى الاستثمار في الأسواق المحلية».

وأشار هؤلاء إلى أن الاستثمار في الدول الخليجية بات أكثر أمانا من الاستثمار الخارجي، موضحين أن الأزمات التي تتعرض لها الدول الأوروبية منذ عدة أشهر، كالأزمة التي تعرضت لها «اليونان»، و«إسبانيا»، و«البرتغال»، و«قبرص»، باتت درسا مهما أمام الاستثمارات الخليجية المهاجرة.

وأمام هذه المستجدات، أكد البنك المركزي القبرصي، أول من أمس، أن كبار المودعين في بنك قبرص سيحصلون على أسهم في البنك بما لا تتجاوز قيمته 37.5 في المائة من ودائعهم التي تزيد عن 100 ألف يورو، وقال البنك في بيان صحافي: «نحو 22.5 في المائة من الودائع التي تزيد عن 100 ألف يورو لن يستحق فائدة، كما أن نسبة الـ40 في المائة الباقية ستدر فائدة، لكنها لن تصرف إلا إذا تحسن وضع البنك».

وفي هذا الإطار، قال الدكتور خالد الفلقي أستاذ المحاسبة والمالية في كلية إدارة الأعمال في جامعة الدمام لـ«الشرق الأوسط» أمس: «صحيح أن الاستثمارات الخليجية في قبرص ليست عالية، إلا أن احتمالية اتساع دائرة الأزمة الحالية لتطال دولا أوروبية أخرى، سيقود إلى آثار سلبية وخيمة قد تتكبدها الاستثمارات الخليجية».

وأشار الدكتور الفلقي إلى أن استثمارات الصناديق السيادية الخليجية في أوروبا لن تنجو من أزمة «قبرص» في حال اتساع دائرتها، وقال: «في ظل الأزمات المالية التي تعاني منها دول أوروبية من حين لآخر، يمكنني القول إنه حان الوقت لأن تعود رؤوس الأموال الخليجية المهاجرة إلى الاستثمار في الأسواق المحلية».

وأوضح أستاذ المحاسبة والمالية في كلية إدارة الأعمال في جامعة الدمام أن الودائع الكبيرة التي أودعتها الصناديق السيادية الخليجية في بعض المصارف الأوروبية، مهددة بالتأثر سلبا بالأزمات التي تتعرض لها دول أوروبية منذ عدة أشهر، مضيفا: «يجب أن يكون هناك دراية تامة بأن البيئة الاستثمارية المحلية أكثر أمانا من البيئة الاستثمارية الأوروبية، بدليل أن دول الخليج عامة، والسعودية على وجه الخصوص لم تتأثر سلبا بالأزمات المالية التي تحدث من وقت لآخر».

وأضاف الدكتور الفلقي: «على الحكومات الخليجية أن تسعى إلى إعادة النظر في قوانين الاستثمار المحلية، وما يتخللها من بيروقراطية عالية، حتى تنجح في جذب الأموال المهاجرة بالعودة إلى الاستثمار في الأسواق المحلية»، مشيرا إلى أن عودة الأموال المهاجرة للاستثمار في الأسواق المحلية ستحقق نتائج إيجابية في مجالات تتعلق بتوفير فرص العمل، ودعم الاقتصاد، والمساهمة في عمليات التنمية.

من جانبه، أكد فيصل العقاب الخبير الاقتصادي والمالي، أن اتساع دائرة أزمة «قبرص» الحالية أمر وارد جدا، وقال: «دول أوروبا ليست بمنأى عن الأزمات المالية المتلاحقة التي تتكبدها من وقتٍ لآخر، بدليل ما تعرضت له إسبانيا، واليونان، والبرتغال، وقبرص، وغيرها من دول المنطقة، خلال الأشهر الماضية».

وطالب العقاب المستثمرين الخليجيين بعدم المجازفة بضخ ودائع عالية جدا في المصارف الأوروبية، وقال: «يجب أن يكون هنالك حذر تام من قبل المستثمرين الخليجيين خلال الفترة المقبلة، الأزمات المالية التي تتعرض لها بعض الدول الأوروبية من فترة لأخرى أمر مقلق للغاية».

من جهة أخرى، شدد رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، أمس، على ضرورة تمسك دول الاتحاد الأوروبي بنهج التقشف في إدارة الحسابات العامة كونه النهج الأمثل لتجاوز الأزمة الحالية التي تعصف باقتصادات غالبية دول الاتحاد، وقال: «لا يمكن مواجهة أزمة الديون عبر الركون إلى ديون إضافية، كما أنه على دول الاتحاد الأوروبي أن تقوم بتدارك الأخطاء الهيكلية التي ارتكبت في الماضي».

وقال رومبوي: «الدول المتعثرة التي تتسلم حزمات إنقاذ أوروبية حاليا قامت في السابق بالعيش فوق قدراتها، ولا يمكن تحقيق الثروة عبر الاستدانة»، مؤكدا أنه ليس من المنطقي مكافحة أزمة الديون عبر اللجوء إلى ديون جديدة.

من جانبها، رحبت المفوضية الأوروبية، أمس، بإعلان بلجيكا عن استقطاع ما يقارب مليارا ونصف مليار يورو من موازنة العام الحالي، ضمن خطة ضبط الحسابات العامة للدولة. وقال مكتب المفوض النقدي الأوروبي أولي رهين في بيان له: «الخطوة البلجيكية تصب في الاتجاه الصحيح، وقرار بلجيكا خفض النفقات، كما أن التخلي عن بعض ممتلكات الدولة لتمويل الدين العام يعد أمرا إيجابيا».

يشار إلى أنه كان أثار اتفاق «إنقاذ قبرص من الإفلاس» الذي تم التوصل إليه الاثنين الماضي ونص على فرض ضريبة 30 في المائة على الإيداعات التي يفوق حجمها 100 ألف يورو، مخاوف المودعين في أنحاء العالم من تكرار هذه السابقة في دول اليورو الضعيفة، التي قد تحتاج إلى إنقاذ في المستقبل.

ووصف الدكتور سعيد الشيخ كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي السعودي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، الأسبوع الماضي، فرض ضريبة على الإيداعات في قبرص بأنه «سابقة وإجراء غريب على الرغم من الضرورات التي فرضت تبنيه من قبل مفوضية اليورو وصندوق النقد والبنك المركزي الأوروبي لحل الأزمة المالية في قبرص».