بعد تقلص حضور البنوك الأوروبية.. تساؤلات حول تمويل المشاريع في الخليج

1.23 تريليون دولار قيمة المشاريع الواجب اكتمالها في السعودية بنهاية العام

أحد فروع بنك «إتش إس بي سي» في دبي (رويترز)
TT

في أعقاب تقلص حضور بعض البنوك الأوروبية من منطقة الخليج، طرحت تساؤلات حول وجود رساميل كافية لتمويل مشاريع التنمية الخليجية الضخمة التي طرحت في الخطط الخمسية الأخيرة وبعض مشاريع القطاع الخاص الكبرى. وكانت بنوك الاستثمار الأوروبية في السابق عادة ما تقود تجمع المصارف الذي يمول هذه المشاريع في المنطقة وتشترك معها البنوك المحلية في دعم عمليات توفير الموارد المالية. ولكن منذ العام الماضي بدأت البنوك الأوروبية تنسحب من منطقة الخليج، كما أن بعض البنوك الأميركية قلصت عملياتها. ففي ظل الهبوط الحاد في نشاط الصفقات بالمنطقة والضغوط لتوفير الأموال، أعادت تلك البنوك تقييم نماذج أعمالها في المنطقة.

وتقدر خطط التنمية والتنويع الاقتصادي الخليجية التي تعكف دول مجلس التعاون على تنفيذها بقرابة تريليون دولار، وذلك إضافة إلى مشاريع القطاع الخاص التي لا تدخل ضمن خطط الإنفاق.. منها خطة التنمية السعودية 2010 - 2014 البالغة 385 مليار دولار، وخطة التنمية الإماراتية 2008 - 2013 البالغة 160 مليار دولار، وخطة التنمية الكويتية البالغة 160 مليار دولار، وخطة التنمية القطرية 2013 - 2016 البالغة 226 مليار دولار، وخطة تنمية سلطنة عمان البالغة 78 مليار دولار. وتقدر وكالة «موديز» للتصنيف إجمالي الاستثمارات الرأسمالية المطلوبة في دول «التعاون» خلال الأعوام المقبلة بنحو 1.8 تريليون دولار. وقالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني في تقريرها الأخير إن بنوك منطقة الخليج بحاجة إلى النمو من حيث الحجم وتطوير أدوات التمويل لملء الفراغ الذي تركته البنوك الأوروبية. ويقدر عدد المشاريع التي يجب أن يكتمل إنشاؤها في السعودية وحدها بنهاية العام الحالي بنحو 278 مشروعا، كما تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 1.23 تريليون دولار.

وتوقعت الدراسة الأخيرة لشركة «بوسطن كونسلتانت غروب» الأميركية أن يقود النقص التمويلي تلقائيا إلى إلغاء بعض المشاريع أو تأجيلها في الخليج. فيما رأى البعض الآخر أن منطقة الخليج غنية بالموارد المالية وتستطيع ملء الفجوة التي تركها انسحاب البنوك الأوروبية.

من جهة أخرى، شكك اقتصاديون في الدور الفعال الذي يمكن أن تقوم به البنوك الخليجية في ردم هذه الفجوة التمويلية رغم أنها غنية بالرساميل. في هذا الصدد، قال البنك السعودي - الأميركي «سامبا» في تقريره الأسبوع الماضي أن انسحاب أغلب البنوك الفرنسية من سوق تمويل المشاريع في منطقة الخليج ترك فجوة تمويلية لم يتم سدها رغم وجود رأسمال كاف في البنوك السعودية. وأشار في تقريره إلى أن «قوانين بازل» الجديدة بشأن الكفاية الرأسمالية ستحد من قدرة البنوك العالمية على منح قروض لتمويل المشاريع في المنطقة الخليجية، خاصة المشاريع التي تحتاج إلى قروض طويلة الأجل.

من جانبها، قالت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني في تقريرها الأخير إن بنوك منطقة الخليج بحاجة إلى النمو من حيث الحجم وتطوير أدوات التمويل لملء الفراغ الذي تركته البنوك الأوروبية. تتناول «الشرق الأوسط» في هذا التقرير مستقبل تمويل المشاريع وخطط التنمية والتنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون.

يقول اقتصاديون إنه صحيح أن انسحاب البنوك الأوروبية من تمويل المشاريع في منطقة الخليج سيترك فجوة تمويلية، ولكن هذه الفجوة يمكن سدها من خلال ثلاث جهات تمويلية وهي؛ أولا: من خلال البنوك الخليجية التي تعيش فترة من الازدهار والصحة جعلتها غنية بالرساميل والقدرة على منح تمويلات طويلة الأجل. ثانيا: من خلال إصدارات الصكوك والسندات التي أصبحت رائجة في المنطقة الخليجية خلال السنوات الأخيرة. ثالثا: من خلال المؤسسات الاستثمارية الحكومية وصناديق الثروة السيادية التي ارتفعت أصولها في الآونة الأخيرة مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط فوق 110 دولارات طوال العام الماضي. ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة عن حجم ثروة الصناديق السيادية الخليجية، فإن البروفسور مارتن هافدت بجامعة «لندن سكول أوف إيكونوميكس» يقدر في دراسة صدرت في يناير (كانون الثاني) قيمة الإيداعات في الصناديق السيادية الخليجية بنحو 1.659 تريليون دولار. حول قدرة البنوك السعودية على ملء الفراغ، يقول الدكتور سعيد الشيخ كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي التجاري السعودي إن الموارد المالية المتوفرة بالمملكة العربية السعودية قادرة على تمويل مشاريع البنى التحتية في المملكة. وقال الدكتور الشيخ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن محفظة الإقراض في البنوك السعودية بلغت 960 مليار ريال في نهاية العام الماضي 2012، منها نحو 30% حجم الإقراض الشخصي والباقي لإقراض الشركات. وهذا يعني أن البنوك التجارية السعودية نشطة في تمويل الشركات. وحول ما إذا كانت البنوك السعودية تهتم أكثر بقطاع القروض الشخصية لأنها تحقق منه أرباحا أكبر من حيث نسبة العائد مما تحققه من قطاع إقراض الشركات، قال الدكتور الشيخ: «صحيح أن نسبة العائد المتحقق من القروض الشخصية أكبر من نسبة العائد المتحقق من قروض الشركات، لكن من ناحية حجم الأرباح، فإن المتحقق من أرباح للبنوك السعودية يشير إلى أن محفظة قروض الشركات حققت عوائد أعلى من حيث الحجم من الأرباح المتحققة من قطاع الإقراض الشخصي». وقال إن البنوك السعودية ليست المصدر الوحيد لتمويل مشاريع البنى التحتية في السعودية، فهنالك الصناديق الحكومية وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة الذي يمول المشاريع مقابل أخذ حصة ملكية في بعض منها.

وأشار في هذا الصدد إلى أن الشركات الكبرى اتجهت خلال الأعوام الأخيرة إلى تمويل مشاريعها عبر إصدار السندات والصكوك. وقال إن حجم الصكوك المصدرة في السعودية خلال عام 2012 بلغ 10 مليارات دولار، حيث احتلت السعودية المركز الثاني عالميا بعد ماليزيا في إصدار الصكوك. وقال إن شركة الكهرباء السعودية وشركات الإنشاء مثل «بن لادن» وبعض شركات البتروكيماويات اتجهت إلى تمويل مشاريعها من خلال إصدارات الصكوك، ويبدو أن إصدارات الصكوك أصبحت رائجة خلال السنوات الأخيرة. وقال الشيخ إن المشاريع الكبرى في السعودية عادة ما تشترك في تمويلها عدة جهات مثل مؤسسات ضمان الصادرات في أميركا «إيكسيم بنك» وبنوك تمويل الصادرات في اليابان وكوريا الجنوبية. وأشار إلى أنه في السابق كانت البنوك العالمية عادة ما تقود كونسورتيوم (تجمع) من البنوك لتمويل المشاريع الكبرى في المنطقة تنضم إليها البنوك المحلية داعمة في التمويل، ولكن بعد الأزمة المالية العالمية وأزمة ديون اليورو انسحبت بعض هذه البنوك من المنطقة لأسباب تتعلق بتقوية موازناتها وتحسين نوعية رأسمالها لتلبية متطلبات شروط اتفاقية «بازل 3». وقال إن من الأفضل وجود بنوك عالمية في تمويل المشاريع الكبرى في المنطقة لتوزيع المخاطر، ولكن في حال غياب هذه البنوك، فإن المصارف المحلية تستطيع إنشاء تجمع لتمويل المشاريع الكبرى. وقال إن هنالك وفرة في السيولة بمنطقة الخليج لم توظف بالكامل داخل الاقتصاد، يوظف جزء منها في أذونات الخزانة، وهذه الأموال يمكن أن توظف في تمويل المشاريع الكبرى. وقال إن الإصدارات تعد إحدى وسائل التمويل وإن قلت وتيرتها في الآونة الأخيرة.

من جهته، قال كريس روبنسون كبير مديري «يورو فاينانس» في مؤتمر بدبي منتصف الشهر الماضي إن السيولة الفائضة لدى الشركات الخليجية التي تحتفظ بها للوقاية من الصدمات تقدر بنحو تريليون دولار.