اعتماد موازنات دول الخليج على النفط أبرز تحديات النمو المستدام

اقتصاديون لـ «الشرق الأوسط» يحذرون من تبني حلول قصيرة المدى لمشكلات أساسية

TT

تواجه الدول الخليجية بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص تحديات كبيرة في تعزيز النمو المستدام لأسباب تتعلق بالهيكل الاقتصادي والبنية الأساسية للموازنات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي لاعتمادها بشكل أساسي على النفط. وأبلغ «الشرق الأوسط» مختصون في الشؤون الاقتصادية بأن أبرز التحديات التي يواجهها النمو المستدام في الدول الخليجية ناتج عن كون النفط هو المصدر الأساسي للإيرادات، وهو الحاصل على الحصة الأكبر في الناتج المحلي، محذرين من مخاطر تبني الحلول قصيرة المدى لعلاج المشكلات طويلة المدى.

وفي هذا الخصوص أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور سعيد الشيخ، نائب أول الرئيس وكبير اقتصاديي مجموعة البنك الأهلي، أن تعزيز النمو المستدام في السعودية ودول الخليج بشكل عام يواجه صعوبات كبيرة، ليس فقط لارتباط النفط بموازنات الدول واعتمادهم بشكل كبير على إيراداته.

وذهب إلى أن البنية والهيكل الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما فيها السعودية يشكل النفط فيه حصة كبيرة من الناتج المحلي، وهذا ما تؤكده الأسعار الجارية التي توضح أن النفط يشكل نحو 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وأوضح أن النفط تأثيره في الناتج المحلي لا يعتمد فقط على القيمة المضافة لقطاع النفط وإنما أيضا له تأثير غير مباشر على القطاعات الأخرى، فالصناعات الأخرى في الاقتصاد تعتمد على النفط بشكل غير مباشر من خلال الإنفاق الحكومي، سواء الإنفاق الجاري أو الإنفاق الرأسمالي، فهو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، وتحت هذا المنظور يعتبر تحقيق التنمية المستدامة يشكل تحديا كبيرا، لكنه لا يمنع من ضرورة الاتجاه إلى محاولة البدء في برامج تحقق التنمية المستدامة.

وأوضح الدكتور الشيخ أن التنمية المستدامة لا تعتمد على مصدر واحد، إلى جانب قابليتها للاستمرارية وعدم خضوعها للنضوب مثل النفط، مشيرا إلى أن النمو المستدام يعتمد على مصادر متعددة سواء كانت مصادر طبيعية مباشرة، أو مدخلات إنتاج وسيطة متوافرة، إضافة إلى كوادر بشرية مؤهلة تقود هذه التنمية، وتحقق لها الاستدامة.

ولفت إلى ضرورة الاهتمام بالجانب البيئي وعدم الإضرار به أثناء استخراج الموارد الطبيعية، مشددا على ضرورة تحقيق توازن اقتصادي مبني على استخراج موارد طبيعية غير مدمرة للبيئة المحيطة سواء كانت بيئة بحرية أو برية هوائية.

ويرى أن تعزيز التنمية المستدامة سيوفر حماية لمصلحة الأجيال القادمة، وأن العمل على تحقيق تنمية مستدامة في هذا التوقيت يجب أن يصاحبه ترشيد لاستهلاك الموارد الطبيعية، وعدم استنزافها سواء كانت من النفط أو الماء أو غيرهما من الموارد الأخرى كالبيئة. وأشار إلى الخطورة الناجمة عن بناء مصانع على خليج البحر ومحطات التحلية وعبور آلاف الناقلات وما تقله من مواد تحمل مخاطر على الحياة البحرية والثروة السمكية والتي ستتأثر بها الأجيال القادمة إذا حرمت من هذا المصدر البحري نتيجة إهمال المخاطر.

وشدد الدكتور سعيد الشيخ على ضرورة إيجاد توازن بين مستوى المعيشة الحالي الذي تطمح له المنطقة وعدم المبالغة في الإسراف، كي لا يتم استهلاك كل الموارد وحرمان الجيل القادم منها، موضحا أن عملية الاستهلاك الزائد عن الحاجة في الموارد ستترك آثارا سلبية على الأجيال القادمة.

وحذر من مخاطر تبني حلول قصيرة المدى في حل مشكلات طويلة المدى، ممثلا ذلك بتبني منطقة الخليج حل أزمة المياه من خلال محطات التحلية، والتي تعتمد في تشغيلها على النفط والغاز لحل مشكلة على المدى المتوسط، مبينا أن هذا الحل سيساعد على توفير الماء على المدى القريب والمتوسط، ولكن على المدى البعيد قد لا يتوافر هذا النفط أو الغاز لإنتاج الماء الصافي من خلال محطات التحلية، وبناء عليه لن يتوافر الماء المحلى.

وشدد على ضرورة النظر لحلول أخرى لتحلية المياه واستبدال طاقة أخرى بها تحمل صفة الديمومة كالطاقة الشمسية أو الهوائية.

واتفق الدكتور أسامة الفيلالي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، مع رأي الدكتور سعيد الشيخ في وجود مخاطر عاتجة من الحلول القصيرة المدى في حل المشكلات الطويلة المدى، مشددا على ضرورة وجود حلول جذرية طويلة الأجل تقضي على المشاكل التي يتعرض لها الاقتصاد السعودي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية تسير في تحقيق النمو المستدام من خلال عدة عوامل منها التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وأن السعودية أولت اهتماما شديدا لهذه العوامل الثلاثة.

وعلى الرغم من أن النفط يشكل حصة كبيرة من إيرادات السعودية والتي بلغت 92 في المائة، ويعد العمود الفقري للاقتصاد السعودي، فإن الدكتور الفيلالي يوضح أن خطط التنمية جميعها تركز على ضرورة تنويع مصادر الدخل، والتي منها قطاع البتروكيماويات والصناعات التحويلية والبترولية وقطاع السياحة التي بدأت تأخذ مسارا جادا في اقتصاد الدولة.

وذكر الاقتصادي عصام خليفة أن السعودية تعمل جادة على تنويع الدخل إلى جانب البترول الناضب، وعلى الرغم من قيامها بذلك فإن مساهمة القطاعات الأخرى غير البترولية في الناتج الإجمالي غير كافية. وبين خليفة أن قطاع الزراعة في السعودية يواجه مشكلات كبيرة، والتي منها ندرة المياه، نظرا لشح الأنهار في المنطقة وقلة هطول الأمطار، مما جعل السعودية تواجه تحديات كبيرة في هذا القطاع لتوفير مصادر مياه مستدامة.