الأجانب في سوق العمل السعودية يضغطون على حصة الفرد من الناتج المحلي

يشكلون 88% من العاملين في القطاع الخاص.. ويستحوذون على 60% من المنشآت الصغيرة

عمالة وافدة تعمل ضمن مشروع بناء في السعودية.(تصوير: خالد الخميس)
TT

سيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية في السعودية، خلال الأيام الماضية، حملة تفتيش ضد مخالفي أنظمة الإقامة والعمل التي تقودها وزارتا الداخلية والعمل، ولقيت الحملة ردود أفعال مختلفة، ليصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم السبت الماضي، توجيها بمنح المخالفين مهلة 3 أشهر لتصحيح أوضاعهم، وبعدها يُطبق النظام بحق المخالفين.

واستعرض تركي الحقيل، وهو محلل اقتصادي سعودي مقيم في واشنطن، أثر العمالة الأجنبية المباشر وغير المباشر على دخل الفرد السعودي من عدة جوانب.

ويرى الحقيل أن الحملة كان لا بد منها، وأنها جاءت لمواجهة سنوات من الفوضى العمالية في سوق العمل السعودية أضرت بالأمن والاقتصاد والمجتمع بشكل عام وتسببت في وجود أكثر من مليون مخالف لأنظمة الإقامة، وأكثر من 4 ملايين مخالف لأنظمة العمل.

ويؤكد أن التساهل مع مخالفي أنظمة الإقامة خلال السنوات الماضية تسبب في وجود سوق سوداء لبيع التأشيرات وخلق «مافيا» التأشيرات من مستفيدين سعوديين وأجانب، مما أغرق السوق بالعمالة السائبة التي تسببت في زيادة معدلات البطالة واستحداث منشآت التستر، التي أصبحت تسيطر على جميع الأسواق السعودية.

وبحسب الحقيل، فإن العمالة الوافدة تستحوذ على نحو 60 في المائة من تراخيص المنشآت الصغيرة، مع وجود أكثر من 250 ألف سجل تجاري وهمي، مما زاد من المنافسة غير العادلة مع المواطنين، والسيطرة على الأسواق، وبالتالي احتمال وجود مخالفات نظامية خطيرة، مثل عمليات غسل الأموال.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن نحو 776.25 مليار ريال (207 مليارات دولار)، تم تحويلها من قبل الوافدين في السعودية بين عامي 2001 و2011، أي ما يعادل 58 في المائة من إجمالي التحويلات الصادرة عن منطقة الخليج.

وحسب البيانات الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي، بلغت حوالات الوافدين نحو 542.2 مليار ريال (144.5 مليار دولار) بين عامي 2007 و2012، وهو ما يعادل 19.8 في المائة من حجم الاقتصاد السعودي في 2012 (الناتج الإجمالي المحلي). وفي عام 2012 وحده، تم تحويل 125.3 مليار ريال (33.4 مليار دولار) ويبين الحقيل أن نسبة النمو في حجم التحويلات بلغت نحو 13 في المائة عن عام 2011، ويضيف: «هذا يعني أن أكثر من 14 هللة ذهبت للعمالة الوافدة بطريقة غير مباشرة من كل ريال صرفته الحكومة خلال العام الماضي».

ويقول الحقيل إن السعودية لم تشهد تدنيا في عدد الأجانب العاملين فيها، الذين يشكلون 32.1 في المائة من إجمالي سكانها، الذين يقدرون بـ29.2 مليون نسمة السنة الماضية، وذلك على خلاف الدول المجاورة لها.

ويضع البنك الدولي السعودية في المرتبة الثانية على القائمة العالمية لأكبر مصادر الحوالات المالية للعمالة المغتربة، ولم تتقدم عليها في هذا المجال إلا الولايات المتحدة التي يفوق عدد سكانها عدد سكان السعودية بـ11 ضعفا.

وحول أثر ذلك على دخل المواطن السعودي، يوضح تركي الحقيل أن المضاعف المالي (العائد على الإنفاق الحكومي) في السعودية بلغ نحو 0.55 في عام 2011، أي أن كل ريال يصرف من قبل الحكومة نتج عنه ارتفاع في الاقتصاد غير نفطي بمقدار 55 هللة، وبقية الريال (45 هللة) ذهب بسبب الانخفاض الكبير في الإنتاجية، والنمو الكبير والمستمر في الواردات، والفساد المالي في المشاريع الحكومية، والتحويلات المالية للعمالة الأجنبية، وأخيرا الخلل في سوق العمل الناتج من التستر على العمالة غير الشرعية.

ويؤكد أن أي مضاعف مالي تحت الـ«1» يعد مؤشرا خطيرا وغير مجدٍ للاستثمار، ويبين الحقيل أن نصيب الفرد السعودي ارتفع من إجمالي الناتج المحلي في السعودية خلال العقد الماضي وبداية العقد الحالي، على الرغم من تأثر الناتج المحلي بالتقلبات في أسعار النفط، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي نحو 24859 دولارا في عام 2012، أي بزيادة نسبية قدرها 135 في المائة عما كان عليه في عام 2000.

لكن هذه الأرقام ليست دقيقة بما يكفي على أرض الواقع؛ فبحسب الحقيل، إذا تم طرح قيمة التضخم، سنجد صورة مغايرة تماما لتلك التي ترسمها الأسعار الجارية، فالواقع يقول إن معدل الدخل الحقيقي للفرد السعودي لم يتحسّن منذ منتصف الثمانينات. ويتابع: «الرقم المعادل لدخل الفرد في عام 2012 هو 11252 دولارا، أي أقل بنحو 65 في المائة عن المعلن»، ويضيف: «هذا المعدل قريب للمستوى نفسه الذي سُجّل في عام 1991، والذي يقل كثيرا عن ذروة عام 1980، وقدرها 14773 دولارا».

ويؤكد الحقيل أن السبب الحقيقي في عدم تحسّن الدخل الحقيقي للسعوديين يعود إلى ارتفاع معدّل النمو السكاني الذي يتزايد سنويا بـ2.5 في المائة، وعدم توسيع الاقتصاد بالشكل المؤثر والفعّال، خصوصا القطاع الخاص غير النفطي (على الرغم من تسجيله نموا يبلغ 7.5 في المائة في عام 2012 بفضل الهيدروكربونات غير نفطية) بما يتناسب مع تزايد السكان.

ويضيف: «على المستوى الإقليمي، أشارت بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية سجلت مستويات منخفضة لنمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المحتَسب على أساس معادل القوى الشرائية، فقد ازداد هذا النصيب بنسبة 38.2 في المائة من مستويات عام 1980، بالمقارنة مع أكثر من 41 في المائة بقليل في الكويت والإمارات العربية المتحدة، ونحو 200 في المائة في البحرين».

ويشدد الحقيل على أن بيانات الدخل الحقيقي المنخفض نسبيا في السعودية تبرز مدى أهمية موازنة الأجور في البلاد خلال السنوات المقبلة، وضرورة انتقال سوق العمل السعودية من الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة إلى توفير فرص عمل بأجور مرتفعة للمواطن، مع التدريب والتحفيز، لضمان موازنة الأجور وتعزيز أفضلية القطاع الخاص لدى العمالة السعودية، وخفض معدّلات البطالة.

ويبين أن من شأن هذا التحول أن يرفع المداخيل الحقيقية للمواطنين، وأن يخفف الأعباء التي تتحملها خزينة الدولة، حيث يمثل الوافدون غالبية العاملين في القطاع الخاص بنسبة لا تقل عن 88 في المائة من القوى العاملة، ولن يتغير هذا الوضع إلا عندما تصبح الأجور والمحفزات مع ساعات العمل أكثر إغراء للمواطنين.

وبمقارنة معدل نصيب الفرد السعودي بغيره، يقول الحقيل عند مقارنة السعودية بدول مثل نيجيريا أو ماليزيا أو جنوب أفريقيا أو تركيا: «نما سكان المملكة بوتيرة عالية جدا، إذ تشير قاعدة بيانات قسم السكان التابع للأمم المتحدة إلى أن عدد سكان السعودية ارتفع بـ188.4 في المائة بين عامي 1980 و2012، أما نيجيريا، التي تأتي في المرتبة الثانية، فقد ازداد عدد سكانها بنسبة 117.8 في المائة خلال الفترة نفسها، بينما ازداد سكان تركيا بنسبة 65.8 في المائة، التي لا تبتعد كثيرا عن المتوسط العالمي للنمو السكاني، المقدر بـ57.3 في المائة.

ويربط الحقيل نتيجة لهذا معدل النمو المرتفع للسعوديين بما تم تسجيله أيضا من تراجع في معدلات نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في السعودية، الذي وصفه بمستويات أدنى بكثير من تلك التي سجّلتها نظيراتها في العالم.

ويقول عند المقارنة مع كوريا الجنوبية ونيجيريا وسنغافورة وجنوب أفريقيا وتركيا، تحديدا: «سجّلت السعودية أدنى مستوى لنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي المحتَسب على أساس معادِل القوى الشرائية (الذي يأخذ بالحسبان معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الاسمي، ومعدلات تضخم الأسعار المحلية).