وكالات التصنيف.. هل من مرجعية؟!

سعود الأحمد

TT

المتابع لتقارير وكالات التصنيف العالمية حول الأوضاع المالية والاقتصادية وقوة استثمارات الدول واستثمارات بنوكها، إلى غير ذلك من شؤونها الاقتصادية، يخطر بباله سؤال «مقلق»: هل من مرجعية لهذه الوكالات؟! فالحاجة والمنطق يستوجبان أن يكون هناك سلطة مخولة يعول عليها في تحقيق مستوى معقول من الشفافية والطمأنينة للمستفيدين من هذه التقارير البالغة الأهمية والخطورة.. فالمسألة ليست مجرد تقييم سياسات نقدية ومالية وميزان مدفوعات وإيرادات ومؤشرات أخرى مختارة بطريقة اجتهادية، لكنها عوامل معيارية لا بد من الاتفاق على اختيارها وتثقيل كل منها، لكي يعول عليها كمرجعية حتى يمكن الحكم على لبنات الاقتصاد العالمي.

ولست بصدد الحديث عن تفاوت مستويات وكالات التصنيف ومميزاتها مقارنة بنظيراتها الأخرى، أو حتى الحكم على كوادر هذه الوكالات وطرق وأساليب توظيفهم وترقياتهم، فالسير في هذه القضية لن تكون له نهاية حاسمة. لكن ما يستوجبه دور هذه الجهات من استقلال ومحايدة وتأهيل فني وإداري وقانوني يستلزم وجود جهة مرجعية، بحيث تعنى هذه الجهة بالقيام بدور التأكيد على صحة اختيار المعايير والمؤشرات التي تضعها وكالات التصنيف العالمية، وتقيم وتراجع بشكل دوري برامج وآليات تطبيق هذه المعايير، وصولا إلى تقييم مستوى تقارير كل وكالة، ولتؤكد للمستفيدين مستوى المصداقية والنزاهة والعدالة والكفاءة لكل وكالة تصنيف مقارنة بغيرها.. فالذي نشاهده من تقارير هذه الوكالات أن شهاداتها متشددة جدا مع بعض الشركات والدول ومتسامحة جدا مع أطراف أخرى. كما أن التاريخ يشهد أنها لم تحذر من وقوع الأزمات المالية التي أصابت الأسواق المالية العالمية! وآخرها الأحداث الأوروبية الحالية. كما لا يوجد تقارير تحذيرية تتواكب مع ما يحصل على الساحة من مصاعب لبعض الدول الأوروبية وأزمة الذهب الحالية! وقبلها «بالطبع» أزمة سندات الخزانة الأميركية التي أعقبت أزمة أسواق النفط العالمية.. والأزمات المالية العالمية الأخرى. ولعلنا نتذكر أن بعض التصنيفات التي تخفض مستويات بعض الدول تحصل بعد حدوث الأزمات «ووقوع الفأس في الرأس».. ومع ذلك فالعالم يلجأ لتقارير هذه الوكالات للاستئناس بها «ربما» لعدم وجود البديل، ولذلك فإنه ولدواعي الحاجة، فالأمل معقود في إصلاح أوضاع هذه الوكالات.

ولنأخذ بالاعتبار أن هذه التصنيفات تحتاجها «بصفة خاصة» الدول التي تستدين من الأسواق العالمية، لأن التصنيف الائتماني في أبسط معانيه هو مقياس لقدرة المنشأة المقترضة «مصدرة السندات» على الوفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين. أما نحن في الدول الخليجية فإن أوضاعنا الاقتصادية قوية ولا نحتاج للاستدانة، وبالتالي فإننا غير مضطرين للقبول بواقع هذه التقارير كشهادات على قدرتنا على السداد. وإنما نحن من يقرض بشرائنا سندات الخزانة والأصول المالية الأخرى. ونستطيع من موقف قوي أن نؤثر في اختيار وتقييم معايير هذه التصنيفات، بل ونساهم في رفع مستوى جودة هذه التصنيفات، حتى لا تفشل هذه الوكالات في القيام بالمرجو منها. ولنا أيضا أن نطالب بكسر هذا الاحتكار من قبل مجموعة مترابطة مع بعض مراكز القوى المالية العالمية، وذلك من خلال مطالبتنا بمرجعية رسمية لهذه الوكالات. ولا ننسى أن هناك دعاوى قائمة «خاصة في أميركا» على وكالات التصنيف لتضليلها المستثمرين بما صدر عنها خلال الأزمات المالية الماضية من تقارير غير دقيقة، وما أشيع في وسائل الإعلام العالمية عن ممارسات الفساد المتعلقة بهذه الوكالات.

وختاما.. لعل الدول المقرضة ومن أهمها الدول المستثمرة في الأسواق العالمية، بحاجة إلى تنسيق مواقفها تجاه وكالات التصنيف، بما يحقق مصالحها الخاصة ومصالح الأسواق المالية العالمية.

* كاتب ومحلل مالي