استطلاع لـ«غالوب» يظهر دعم شعوب عربية لإصلاح نظام الدعم الحكومي

البنك الدولي: 20% من السكان الأثرياء يجنون غالبية المكاسب من الوقود المدعوم

طابور لشراء الخبر في أحد مخابز القاهرة (رويترز)
TT

أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» أن نسبة كبيرة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر تقبلا لتقليل الدعم الحكومي غير المتعلق بالغذاء.

وبموجب نتائج الاستطلاع، 88 في المئة من اللبنانيين يطالبون برفع الدعم عن التبغ، وفقط 4 في المئة يؤيدون رفع الدعم عن الخبز. وهناك رفض عام من المصريين والاردنيين واللبنانيين والتونسيين لرفع الدعم عن الخبز، بينما 24 في المئة من المصريين يدعمون رفع الدعم عن المازوت و41 في المئة من التونيين يؤيدون رفع الدعم عن الديزل.

والاستنتاج الرئيسي للدراسة تدل الى تقبل نسبة عالية من شعوب المنطقة لتخفيض الدعم الحكومي الا من المواد الغذائية. وشمل استطلاع «غالوب»، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أكثر من أربعة آلاف مقابلة مع بالغين من سن الـ15، في مصر والأردن ولبنان وتونس، وكشف عن دعم كبير لخفض أشكال معينة من دعم الوقود والتبغ، على تقليل الدعم الغذائي، في حالة عجز حكوماتهم عن تمويل كل الدعم الذي تقدمه في الوقت الراهن.

وتعكس نتائج استطلاع مؤسسة «غالوب» في مصر والأردن ولبنان وتونس في خريف عام 2012 لأجل تقرير تنمية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن البنك الدولي، أنه لطالما كانت أشكال دعم الأسعار، خاصة على الغذاء والوقود، طريقة شائعة لتحقيق الرفاهية للسكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغم ذلك، فإن تلك الأشكال من الدعم مكلفة بالمثل. وتنفق أي دولة في المنطقة 5.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي من أجل إبقاء أسعار هذه المنتجات منخفضة، فيما تنفق دولة معيارية نسبة 1.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على هذه الأشكال من الدعم.

ودعم الوقود على وجه الخصوص ليس بالضرورة أن يكون على درجة عالية من الفاعلية في مد يد العون للفقراء، بحسب تقرير جديد صادر عن البنك الدولي. على سبيل المثال، في مصر والأردن، تجني نسبة 20 في المائة (الأكثر ثراء من السكان) غالبية المكاسب من الدعم على الوقود. ويعتمد الكثيرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت الراهن على الدعم من أجل تجنب الفقر، ومن ثم فإن إصلاح الدعم يعتبر بمثابة قضية معقدة.

وبصرف النظر عن أوجه الاختلاف، فإن الكثير من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدرس إصلاح أنظمة دعمها، أو قامت بالفعل بإصلاحها أخيرا.

يقول أغلب من شملهم الاستطلاع في جميع البلدان الأربعة، إنه إذا رفعت حكوماتهم الدعم على الديزل أو الوقود، فإنه ينبغي أن توزع المدخرات على الفقراء وتحسين الخدمات الاجتماعية.

وفي أكبر اقتصاد عربي، أي في السعودية، فإن الحكومة في مسعاها لتخفيف حدة تضخم الأسعار، دأبت طوال السنوات الماضية على تقديم الدعم المباشر لمجموعة من السلع الاستهلاكية التي تلامس احتياجات المواطن والمقيم المباشرة، وهو الأمر الذي جعل كثيرا من أسعار هذه السلع تقع في منطقة منخفضة عما هي عليه في الدول الخليجية المجاورة.

وتنفق السعودية على السلع الاستهلاكية والخدمات نحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) من الدعم كل عام، خصوصا في السلع الرئيسية؛ كالوقود، والشعير، وحليب الأطفال، والدقيق، واللحوم البيضاء، والأرز، يأتي ذلك وسط رغبة حكومية جادة في الاستمرار بتقديم الدعم الحكومي لمجموعة من السلع الاستهلاكية الضرورية بالنسبة للمواطن.

ويمثل الدعم الحكومي لأسعار الوقود محورا مهما في تخفيف فواتير الإنفاق التي يدفعها المواطنون السعوديون والمقيمون داخل البلاد كل عام، حيث تنخفض أسعار الوقود داخل السعودية بنسبة تصل إلى 70 في المائة عن الأسعار العالمية، ويأتي ذلك بسبب الدعم الحكومي الكبير لهذه السلعة.

كما أن السعودية ما زالت تنفق سنويا مليارات الريالات على مجموعة من السلع الزراعية المستوردة؛ كالشعير، والذرة الصفراء، والصويا، والشوفان، ونخالة القمح، ومولاس القصب، وهو الأمر الذي ساهم في خفض أسعار السلع الرئيسية لتغذية المواشي، مما كبح جماح أسعار اللحوم الحمراء في السوق النهائية خلال الأشهر القليلة الماضية عن مواصلة الارتفاع.

ويتضمن الدعم الحكومي الذي تقدمه السعودية للسلع حليب الأطفال، مما قاد إلى تعزيز فرصة بقاء أسعار هذه السلعة في متناول يد المستهلك، رغم أن أسعار حليب الأطفال في السنوات الماضية شهدت صعودا كبيرا على المستوى العالمي، وليس المحلي فقط.

وفي هذا السياق، أبدت مصادر مطلعة في وزارة التجارة والصناعة السعودية لـ«الشرق الأوسط» أمس، تفاؤلها بإمكانية أن تكون هنالك طرق جديدة في عمليات تقديم الدعم الحكومي للسلع، ومن المتوقع أن تكون إحدى هذه الطرق هي بطاقات تموينية تشرع الوزارة في دراستها.

من جهة أخرى، أكد الدكتور سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف، لـ«الشرق الأوسط»، أن الدعم الحكومي الذي تقدمه السعودية لأسعار الوقود بات محورا بارزا في تخفيف فاتورة الإنفاق التي يتكبدها المواطن والمقيم كل شهر.

وقال الدكتور باعجاجة في هذا السياق: «شروع الحكومة السعودية في تقديم الدعم المباشر للسلع والخدمات الضرورية بالنسبة للمواطن والمقيم، هو أمر يساهم في نهاية المطاف في تخفيف حدة التضخم في هذه السلع، إلا أنه يجب أن تتضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص في تحقيق أهداف هذا الدعم بالشكل الذي وضع من أجله».

وفي العراق ورغم زيادة إنتاج النفط العراقي وبلوغ أسعاره مستويات غير مسبوقة، فإن المواطن العراقي لم يلمس حتى الآن تطورا، سواء على مستوى زيادة الدخل ما عدا شرائح الموظفين، أو على مستوى الضمان الاجتماعي. وبسبب آفة الفساد المالي والإداري فإن الحكومة العراقية استمرت في دعم البطاقة التموينية بنسبة تصل إلى 60 في المائة من قيمتها، وطبقا لما هو معمول به في العراق فإن المواطن العراقي يتحمل ما قيمته خمسة آلاف دينار (نحو 4 دولارات) من قيمة البطاقة، وما عدا ذلك تتحمله الدولة. وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي العراقي ماجد الصوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكومة العراقية تدعم البطاقة التموينية وأسعار النفط وجزءا من أسعار البنزين، وهي نسب تتراوح بين 60 و100 في المائة بالقياس إلى دول الجوار».

وردا على سؤال بشأن الرواتب الضخمة التي تدفعها الحكومة العراقية والتي تشكل أكثر من 60 في المائة من الموازنة العامة للدولة، قال الصوري إن «هذا لا يعتبر دعما بقدر ما هو أعباء تتحملها الميزانية العامة للدولة لدفع رواتب نحو 4 ملايين موظف، ونحو مليوني متقاعد، وذلك بسبب البطالة»، مشيرا إلى أن «هذا لا يشمل كل شرائح المجتمع العراقي، وهو ما ولد تناقضا حادا في مستويات الدخل، وهو ما دفع الحكومة إلى رفع البطاقة التموينية عمن يزيد دخله الشهري على مليوني دينار عراقي (أي ما يعادل 1800 دولار أميركي)».

وأشار الصوري إلى أنه «بسبب عدم وجود قطاع خاص فاعل في العراق فإن الحكومة هي التي تتولى هذا الأمر، وإن كل هذا يعتبر أعباء إضافية على الميزانية العامة للدولة، التي بلغت هذا العام نحو 138 مليار دولار».

أما المغرب فيخصص 51 مليار درهم (6 مليارات دولار) سنويا لدعم أسعار المواد الأساسية (النفط والدقيق والسكر)، أي نحو 24 في المائة من المداخيل العادية المتوقعة في موازنة السنة الحالية. ويرتقب أن يستحوذ دعم المنتجات النفطية على نحو 90 في المائة من هذا المبلغ.

وخلال العام الماضي صرفت الحكومة 54 مليار درهم (6.3 مليار دولار) في دعم أسعار المواد الأساسية، أي ما يعادل 28 في المائة من المداخيل العادية لميزانية الدولة. والتهم دعم المنتجات النفطية حصة الأسد من هذا المبلغ بنحو 47 مليار درهم (5.5 مليار دولار)، ذهبت 47 في المائة منها إلى الغازوال، و29 في المائة إلى غاز البوتان الموجه للاستعمالات المطبخية للأسر، و9 في المائة للفيول المستعمل في محطات توليد الكهرباء.

أما المبلغ الموجه لدعم أسعار الدقيق والسكر، فبلغ خلال العام الماضي 7.5 مليار درهم (872 مليون دولار). وتراوح حجم الدعم المخصص للسكر والدقيق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بين 5 مليارات درهم (590 مليون دولار) و8.3 مليار درهم (976 مليون دولار)، حسب تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية للمواد الأولية.

غير أن التطورات التي عرفها الربع الأول من العام الحالي كانت جد مقلقة بالنسبة للحكومة، إذ ارتفعت نفقات دعم أسعار المنتجات النفطية وحدها خلال هذه الفترة بنسبة 50.3 في المائة مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، وهو ما يعتبر مؤشرا على أن الرقم الحقيقي للدعم الذي سيكون على الحكومة أن تصرفه هذه السنة سيكون أكبر من المتوقع. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي صرفت الحكومة 16.5 مليار درهم (ملياري دولار) في دعم أسعار المنتجات النفطية وحدها، الشيء الذي ابتلع حصة 33.4 في المائة من الموارد العادية التي حصلتها الحكومة خلال الفترة نفسها. وشكلت هذه النفقات 22.4 في المائة من إجمالي النفقات الحكومية، مساهمة في تفاقم عجز الميزانية الحكومية الذي بلغ 22.9 مليار درهم (2.7 مليار دولار) خلال هذه الفترة مقابل 2.7 مليار درهم (320 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. وتضع هذه التطورات حكومة عبد الإله ابن كيران في ورطة خانقة، خاصة بالنظر إلى التزاماتها إزاء صندوق النقد الدولي الذي منحها مساندة مشروطة لمواجهة الأزمة عبر فتح خط ائتمان احتياطي بشروط، من ضمنها التحكم في عجز الميزانية، وحصر احتياطي العملات في مستوى أعلى من أربعة أشهر من الواردات.

وللتخفيف من هذه الورطة مؤقتا قررت الحكومة إلغاء 15 مليار درهم (1.8 مليار دولار) من الاستثمارات المقرر إنجازها خلال العام الحالي. غير أن هذا المبلغ بالكاد غطى 90 في المائة من الهوة المالية الناتجة عن دعم أسعار المنتجات النفطية. وأعادت هذه التطورات الجدال على أشده حول إصلاح صندوق المقاصة (صندوق دعم أسعار المواد الأساسية).

وفي الأردن تشير أرقام الموازنة العامة للدولة الأردنية للعام الحالي 2013 إلى أن الفجوة بين الإيرادات العامة والنفقات تقارب ملياري دينار دون المنح والمساعدات الخارجية، وأن ضغوط الدعم الذي تقدمه الحكومة لعدد من السلع والخدمات أدت إلى ارتفاع الدين العام بالقيمة المطلقة إلى أكثر من 16 مليار دينار، وأن الدين العام ارتفع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 75 في المائة مقارنة بـ60 في المائة السقف المحدد في قانون الدين العام.

ونتيجة لهذا الوضع المالي الصعب، بدأت الحكومة الحالية إعادة توزيع الدعم النقدي على المشتقات النفطية التي ستوفر جراء ذلك 500 مليون دينار، كما أنها ستلتزم بالدفع للمواطنين إذا كان سعر برميل نفط برنت فوق المائة دولار.

وحسب أرقام رسمية يتوزع الدعم الحكومي على النحو التالي: 1.2 مليار دينار لدعم أسعار الكهرباء، و120 مليونا لدعم سعر أسطوانة الغاز، و264 مليون دينار لدعم أسعار الخبز والأعلاف، و68.4 مليون للمياه.

وتسعى الحكومة إلى رفع أسعار الكهرباء والمياه بنسبة 16 في المائة للعام الحالي، والتدرج بالرفع سنويا حتى تتم إزالة الدعم كليا عن الكهرباء، خاصة في ظل ارتفاع أسعار زيت الوقود، وتذبذب كميات الغاز المصري التي تشغل محطات توليد الكهرباء، إضافة إلى التوجه نحو الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية، والاعتماد على الصخر الزيتي، وهذه المشاريع ستبدأ الإنتاج خلال ثلاث سنوات.

حسب تقديرات للبنك الدولي فإن رفع الدعم الحكومي عن السلع سيؤدي إلى زيادة تراكمية في معدل الفقر بنسبة 3.4 في المائة والبالغة حاليا 13 في المائة.

أما في مصر فقد بدأت الحكومة منذ شهور مفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، وتقف مجددا أمام ضرورة هيكلة منظومة الدعم، خاصة المتعلق بالطاقة الذي يلتهم 80 في المائة من القيمة الإجمالية للدعم. ويعيد الحديث عن إعادة توجيه الدعم لمستحقيه، بحسب ما اصطلحت الحكومة على تسميته، إلى أذهان المصريين موجة الغلاء التي ضربت البلاد في 2008، حين أقدمت حكومة الدكتور أحمد نظيف على رفع جزئي لأسعار الطاقة في البلاد.

وتعول الحكومة على قرض صندوق النقد لكسب ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، ولضمان تدفق الأموال من الدول والجهات المانحة، لكن لا تزال المخاوف من تأثير تلك الإجراءات على المواطنين، ما يعني تكلفة سياسية باهظة يتحملها أول رئيس منتخب عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني).